لا تقتلوا أولادكم!

 


بقلم الدكتور/ انجوغو امباكي صمب

على الرغم من عدم وجود مادة في قانون الأحوال الشخصية تبيح الإجهاض، بل إنه من يعد المحرمات إلى وقت كتابة هذه السطور وفي حدود علمي القاصر، فإن من الأهمية بمكان أن نبين هنا حكم الإجهاض في الفقه الإسلامي، وذلك نظرا لوجود حملة قوية تنادي بإباحة ما يسمى بـ(( الإجهاض الطبي ))، ويقود هذه الحملة نفر من المنادين بتحرير المرأة يدعمهم بعض القانونيين والإعلاميين والبرلمانيين، ويتذرعون في دعواهم هذه بحجج واهية، ظاهرها الرحمة بالمرأة والتخفيف من معاناتها، والحد من ظلمها واضطهادها، وباطنها من قبلها الفساد والإفساد للمرأة أولا ، وللأسرة ثانيا ، وللمجتمع من بعد ذلك.

نبذة عن الإجهاض في القانون السنغالي وجهود المنادين بتجويزه:

يعتبر الإجهاض جريمة يعاقب عليها في القانون السنغالي، ونص على ذلك القانون الجنائي السنغالي لسنة 1965 في المادة 305، وفي قانون أخلاقيات المهنة الطبية المادة 35 لم يستثن من الإجهاض إلا حالة واحدة، وهي إذا كان الوسيلة الوحيدة لإنقاذ حياة الأم وما دون ذلك جريمة يعاقب عليه القانون، ويشترط شهادة ثلاثة أطباء، وأن يكون أحد الأطباء مشهودا له بالخبرة في المجال من قبل المحكمة، ويعتبر دعاة إباحة الاجهاض هذه الشروط مجحفة ويدعون إلى إلغائها. 

ومع هذا الموقف الواضح الجلي لدولة السنغال من مسألة الإجهاض في قوانينها، فقد لوحظ تراجع وتساهل في الموضوع بسبب الضغوط الخارجية تحركات منظمات حقوق المرأة، فقد وقعت السنغال على اتفاقية “مبوتو” لسنة  2003م المعنية بحقوق النساء، وهي عبارة عن اتفاقية ملحقة بالميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب لسنة 1986م، وتمنح هذه الاتفاقية للنساء الحق في الإجهاض بقيود، كما وقعت السنغال على الاتفاقية الدولية  للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد النساء لسنة 1985م، وهي تدعو الدول إلى منح النساء حقوقهم ، في عام  2013م، كما أقامت مديرية الصحة الإنجابية في وزارة الصحة في السنغال ورشة عمل للعمل في مشروع لإصلاح قانون الصحة الإنجابية.

وهذه أهم المنظمات المناضلة من أجل إصلاح تشريعي يسمح بالإجهاض في السنغال: رابطة الحقوقيين السنغاليين، ورابطة النساء والقانون لتنمية أفريقيا، والفدرالية العالمية لحقوق الإنسان، ورابطة siggil jigeen، الجمعية الأفريقية لحقوق الإنسان. ومنذ 2013م تعمل هذه المنظمات والمناضلون لصالح هذا المشروع بتوعية البرلمانيين والمسؤولين في وزارة العدل من أجل اعتماده في مجلس الوزراء ثم في المجلس الوطني.

ومع هذا التساهل والتراجع التدريجي، وما يسرع من وتيرتهما من قبل المنظمات الحقوقية، لم نر أي حراك قوي من قبل الجمعيات الإسلامية والطرق الصوفية من أجل عرقلة تلك الجهود وإبطال تلك المؤامرات على الأخلاق وعلى مؤسسة الأسرة، ولا ندري هل هذا الصمت والتقاعس ناتج من جهل أو من عدم مبالاة!! وكلاهما لا يمكن تفسيره فضلا عن تبريره، والله المستعان.

حكم الإجهاض في الشريعة الإسلامية.

وفيما يلي بيان حكم الإجهاض في الفقه الإسلامي، وذكر لأقوال الفقهاء ونصوصهم فيه، والله ولي التوفيق.

الفرع الأول- معنى الإجهاض وحقيقته:

1- تعريف الإجهاض في اللغة: قال ابن فارس – رحمه الله – ((الجيم والهاء والضاد أصل واحد، وهو زوال الشيء عن مكانه بسرعة، يقال أجهضنا فلانا عن الشيء، إذا نحيناه عنه وغلبناه عليه. وأجهضت الناقة إذا ألقت ولدها، فهي مجهض، وأما قولهم للحديد القلب: إنه لجاهض وفيه جهوضة وجهاضة، فهو من هذا، أي كأن قلبه من حدته يزول من مكانه)) ([1]).

وهناك ألفاظ أخرى مرادفة لمعنى الإجهاض أو قريبة منه، ومنها: الإزلاق، وهو مأخوذ من ((أَزْلَقَتِ الفرس: ألقت ولدها تاماً كالسقط، وفرس مِزلاقٌ: كثير الإزلاق)) ([2])، والسقط، و((السَّقط والسِّقط، لغتان: الولد المُسقَطٌ، الذكر والأنثى فيه سواء)) ([3])، والإملاص، وهو من: ((أملص الشيءَ من يده إِذا أرسله، وأملصت المرأة إِذا رمت بولدها، وكذلك الناقة، ومنه الحديث: ((استشارهم عمر – رضي الله عنه – في إِملاص المرأة؟ فقال المغيرة بن شعبة: ((قضى فيه رسول اللّه – صلى الله عليه وسلم – بغرَّةٍ ([4]))) ([5]).

2- تعريف الإجهاض في الطب: يعرف لأطباء الاجهاض بأنه ((خروج محتويات الحمل قبل عشرين أسبوعا، ويعتبر نزول محتويات الحمل في الفترة ما بين 20 و38 ولادة قبل الحمل)) ([6]).

الفرع الثاني- حكم الإجهاض في الفقه الإسلامي.

الناظر إلى نصوص الفقهاء في حكم الإجهاض يجد تفصيلا دقيقا لأحكامه حسب حالات الجنين، قبل وبعد نفخ الروح فيه، بين مانع له بإطلاق، وبين من فرق بين حالة ما لم ينفخ فيه الروح، وما إذا نفخ فيه الروح، وحتى في المذهب الواحد يوجد بعض الاختلاف في الحكم والتعليل، وفيما يلي نصوصهم في ذلك:

1) الحنفية: قال ابن نجيم- رحمه الله -: ((وفي فتح القدير وهل يباح الإسقاط بعد الحبل؟ يباح ما لم يتخلق شيء منه ثم في غير موضع، ولا يكون ذلك إلا بعد مائة وعشرين يوما، وهذا يقتضي أنهم أرادوا بالتخليق نفخ الروح، وإلا فهو غلط لأن التخليق يتحقق بالمشاهدة قبل هذه المدة)) ([7]).

2) المالكية: فعندهم (( لا يجوز إخراج المني المتكون في الرحم، ولو قبل الأربعين يوما، وإذا نفخت فيه الروح حرم إجماعا )) ([8]) و (( قال صاحب القبس : وإذا قبض الرحم المني فلا يجوز التعرض له ، وأشد من ذلك إذا تخلق وأشد منه إذا نفخ فيه الروح فإنه قتل نفس إجماعا )) ([9]) .

3) الشافعية : قال الرملي- رحمه الله -: (( والراجح تحريمه بعد نفخ الروح مطلقا وجوازه قبله )) ([10])و في حاشية قليوبي ((يجوز إلقاؤه ( الحمل )ولو بدواء قبل نفخ الروح فيه خلافا للغزالي ِ)) ([11]) .

4) الحنابلة : حكى المرداوي خلافهم في المسألة إلى ثلاثة أقوال ، الأول : يجوز شرب دواء لإسقاط نطفة ، والقول الثاني : أنه يحرم ، والثالث : أنه يجوز إسقاطه قبل أن ينفخ فيه الروح . ([12]) .

5) وسئل شيخ الإسلام بن تيمية ((عن رجل عدل له جارية اعترف بوطئها بحضرة عدول وأنها حبلت منه وأنه سأل بعض الناس عن أشياء تسقط الحمل وأنه ضرب الجارية ضربا مبرحا على فؤادها فأسقطت عقيب ذلك؛ وأن الجارية قالت: إنه كان يلطخ ذكره بالقطران ويطؤها حتى يسقطها وأنه أسقاها السم وغيره من الأشياء المسقطة مكرهة ، فما يجب على مالك الجارية بما ذكر؟ وهل هذا مسقط لعدالته أم لا؟

فأجاب: ((الحمد لله، إسقاط الحمل حرام بإجماع المسلمين وهو من الوأد الذي قال الله فيه{ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ } ([13])، وقد قال تعالى { وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ }([14]) ولو قدر أن الشخص أسقط الحمل خطأ مثل أن يضرب المرأة خطأ فتسقط: فعليه غرة عبد أو أمة؛ بنص النبي – صلى الله عليه وسلم – واتفاق الأئمة وتكون قيمة الغرة بقدر عشر دية الأم عند جمهور العلماء: كمالك والشافعي وأحمد )) ([15]).

والخلاصة أن اختلاف المذاهب الأربعة وكذلك ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يرجع إلى الخلاف في متى تعتبر الحمل نفسا محرمة، فذهب الحنفية والشافعية والحنابلة في قول إلى أنه حين يتخلق وينفخ فيه الروح، وأما المالكية فتشددت فقالت بتحريم إخراج المني، والراجح والله أعلم حرمة إسقاط الحمل عند التخلق، ونفخ الروح والله أعلم.

 

 

([1]) ابن فارس، مقاييس اللغة، كتاب الجيم، مادة جهض، ط1، 1 / 489

([2])  الخليل، كتاب العين، باب القاف والزاي واللام معهما، ط 1، 5 / 90 

([3]) المرجع السابق، 5 /97

([4]) أخرجه البخاري في الصحيح، كتاب الديات ، باب جنين المرأة ، 9/11 ، برقم (5905 )

([5]) الحميري ، شمس العلوم  ، ط 1 ، 9 / 6379

([6]) البار ، مشكلة الإجهاض  ، ط1 ، ص 10

([7])  ابن نجيم ، البحر الرائق ، ط 1   ، 3 / 215

([8]) الشرح الكبير للدردير ، 2 / 266

([9]) القرافي ، الذخيرة للقرافي ، ط 1 ، 4 / 419

([10]) الرملي ، نهاية المحتاج، ط 1 ،  8 / 443

([11]) قليوبي ،حاشية قليوبي ،ط 1 ،  4 / 160

([12]) المارداوي ، الإنصاف ، ط1  ، 1 / 386

([13]) سورة التكوير ، الآيتان 8 ، 9

([14]) سورة الأنعام ، الآية 151

([15])  ابن تيمية ، مجموع الفتاوى ،ط 1 ، 34 / 160

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.