فضيحة اللوبي الصهيوني في بريطانيا، السياق والمغزي

لقد شهد هذا الأسبوع حدثا هاما شغل الرأي العام العالمي. وحظي بتغطية واسعة من الإعلام الدولي واهتمام بالغ من المراقبين والمحللين للسياسة والعلاقات الدولية لما له من مغزي سياسي واستراتيجي كبير.
فقد سربت قناة الجزيرة الإعلامية تسجيلا مصورا يتحدث فيه بكل ارتياح (شاي ماسوت) المسئول السياسي في السفارة الإسرائيلية متحديا كل الأعراف السياسية والدبلوماسية مع الموظفة الحكومية والمديرة السابقة لأعمال النائب البرلماني روبرت هالفن السيدة (ماريا ستريزولو) عن رغبته في الإطاحة بوزير الدولة للشئون الخارجية في الحكومة البريطانية (آلان دانكن) معاقبة له علي مواقفه المعارضة لسياسة الإستيطان الإسرائيلي علي الأراضي الفلسطينية المحتلة.
تسريب الجزيرة أثار الرأي العام الدولي والمحلي في بريطانيا وهز المجتمع السياسي البريطاني هزا عنيفا سقطت من جرائه الموظفة الحكومية (ماريا ستريزولو) مقدمة استقالتها عن وظيفتها كمساعدة لوزير التعليم البريطاني. ووضع اللوبي الصهيوني في بريطانيا علي بؤرة الضوء وقد تحول من مجرد جماعة ضاغطة تعمل علي هامش الحياة السياسية وتتحرك خلف الأضواء لحشد الدعم والتأييد من الحكومة البريطانية للمصالح الإسرائيلية، واستمالة الرأي العام البريطاني إلي تصديق الرواية الصهيونية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. إلي عامل نافذ وشريك قوي ورقم صعب في المعادلة السياسية البريطانية يتدخل في تسيير الحكومة وتعيين أعضائها أو عزلهم.
فلقد أزالت فضيحة اللوبي الصهيوني في بريطانيا التي كشفتها الجزيرة الستار عن الشرخ الكبيرة والثغرة الواسعة في البنية السياسية البريطانية التي تتساقط من خلالها كل معاني السيادة الوطنية واستقلال المؤسسات الحكومية وامتلاك القرار التي طالما تغنت بها. وكشفت حالة الهشاشة الشديدة التي تعاني منها الحكومة البريطانية في عمقها علي هيبتها وقوتها في ظاهرها حيث نجحت في اختراقها عناصر دخيلة وأجنبية تؤثر في تحديد مساراتها ورسم سياساتها.
فمنذ وعد بلفور في عام 1917 الذي أعلن عن حق اليهود في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين بدأ اللوبي الصهيوني يتسلل إلي الوسط السياسي والنخبوي البريطاني. وتغلغل في الأحزاب السياسية والهيئات النقابية والمجال الأكاديمي بل وفي حركات الطلاب لكسب الدعم الرسمي والشعبي للمصالح الإسرائيلية. وقد نجح في ذالك نجاحا كبيرا بإتقانه لعبة الإغراء والترغيب. فقد نجح اللوبي الصهيوني في شراء ولاء الحكومة البريطانية من خلال تمويله السخي للأحزاب السياسية في بريطانيا وعلى رأسها حزبي العمال والمحافظين. ووجد موطئ قدم راسخ في البرلمان البريطاني عبر ما يسمي مجموعة (أصدقاء إسرائيل) من كلا الحزبين القويين.
فقد أصبحت بريطانيا رهينة اللوبي الصهيوني وواقعة في فخه حتي النخاع. فعلي الرغم من جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل ضد المدنيين في حروب غزة المتتالية وانتهاكاتها المستمرة لحقوق الفلسطينيين وسياساتها العنصرية ضدهم وتماديها في بناء المستوطنات علي الأراضي الفلسطينية المحتلة وتجاهلها لكل القرارات الأممية التي تدينها ما زالت الحكومة البريطانية تعقد معها صفقات السلاح الكبيرة وتقيم معها علاقات استراتيجية متميزة وتعاونا وثيقا علي كافة الأصعدة وتضيق الخناق علي حركة المقاطعة للبضائع الإسرائيلية bds وتجرم المقاومة المسلحة ضد الإحتلال الٱسرائيلي الغاشم.
ولتعدد القوي الدولية العاملة في القضية الفلسطينية وتشابك التوازنات الإقليمية والدولية المؤثرة فيها فقد بات واضحا وعلي الأخص في ظل الغطرسة الإسرائيلية المتصاعدة وانبطاح النظام العربي الشبه التام تجاهها والإنحياز الغربي المطلق علي المستوي الرسمي للإحتلال الإسرائيلي أن عملية تحرير فلسطين لن تكون إلا تتويجا لعملية تحرير أشمل وأوسع تحرر البلدان العربية من الأنظمة العميلة لإسرائيل وتطهر البلدان الغربية الحامية لها من الفيروز الصهيوني المدمر. وعلي كل حال تبقي الشعوب الحرة رائدة هذا التحرير وصاحبة الكلمة الفصل فيه.
وكتب: عبد القادر انجاي عبد الرزاق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.