أضواء على الأحداث حوار مع القيادي في حزب MRDS السنغالي الدكتور محمد سعيد باه
(*) وحدة التحرير
• مقدم البرنامج: الحسن كان.
• ضيف البرنامج: الدكتور محمد سعيد باه (عضو مؤسس لـ(MRDS) حركة الإصلاح للتنمية الاجتماعية).
سلام الله عليكم ورحمة الله وبركاته:
متابعونا الأكارم، أعضاء مجموعة “وسطيون”، نحن الآن على موعد في برنامج الأضواء على الحدث مع فضيلة الأستاذ “محمد سعيد باه”.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد: نحيي متابعينا الأكارم من كل مكان من السنغال وخارجها، أهلا بكم في برنامج الأضواء على الأحداث …
ونستضيف فيه اليوم الأستاذ “محمد سعيد باه” عضو مؤسس لحركة الإصلاح للتنمية الاجتماعية في السنغال لتسليط الأضواء على واقع الحركة والدعوة الإسلامية في السنغال وأهم الأحداث الوطنية الحالكة.
وسيدور حديثنا اليوم حول محورين :
المحور الأول: عن واقع الحركة والدعوة الاسلامية في السنغال.
المحور الثاني: عن الأحداث المحلية والدولية.
وقبل البدء يسرنا في هذا المقام أن نرحب بضيفنا الكريم الأستاذ “محمد سعيد باه”… أهلا بكم ..
الضيف الكريم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على النبي الكريم، أهلا بكم جميعا، وأخص التحية للأخ مقدم البرنامج “الحسن كان” سائلا المولى أن يكون لقاء ينفع المستمعين والمتابعين، وأهلا بكم مجددا بين الوسطيين ..
والسلام عليكم ورحمة الله أينما كنتم ..
س1/ فضيلة الأستاذ لا يمكن أن نبدأ الحديث معكم دون أن تطلعنا قليلا عن قراءتك وانطباعتك الأولية عن الساحة السنغالية دعويا وسياسيا.
الدكتور: طبعا هذا السؤال محوريّ، يجب أن يكون محل اهتمام، أين نحن اليوم؟ قبل ذلك، من أين جئنا؟ وبذلك نستطيع أن نتلمس طريق المستقبل لتفعيل ما بأيدينا من آليات لإحداث التغيير المطلوب، ولا يمكننا أولا أن نتحدث عن هذا الواقع بتعقيداته وما يحف به من عوامل خارجية على المستوى العالمي وعلى مستوى المنطقة دون أن نتذكر بأن هذا الحراك الموجود اليوم في الساحة السنغالية دعويا وسياسيا إنما هو امتداد لجهود وتراكمات تاريخية طويلة متشعبة، وهذا ترك أثره بصورة واضحة على واقعنا، واليوم إذا أخذنا معيار التقييم الداخلي بدلا من الاعتماد على المعيار الآخر الخارجي البعيد عن الواقع الذي ينظر إلى الموضوع نظرة ملونة، إذا أخذنا هذا المعيار الداخليّ بإمكاننا القول بأن الساحة الدعوية في السنغال في حالة تحوّل، تحول بالمفهوم الإيجابي نوعا ما، مع وجود مخاوف من الانسياقات التي تحدث عندما يحدث التحول، فهذا التحول يمكننا أن نلمسه من خلال الأبعاد التالية:
أولا- الدعوة الإصلاحية التجديدية والتي انطلقت منذ نصف قرن أو يزيد قليلا، من تلك الخطوة الجبارة التي قام بها الحاج محمود باه ومن سلك الدرب بعده، ومن وسع الدائرة، ومن طَوَّر العمل وانتقل به الى آفاق أخرى، ولكننا نلاحظ حين نلقي النظرة الى الساحة السنغالية دعويا فإننا نجد أن الجيل الذي جاء بعده وتحمل أمانة التبليغ وإيصال الرسالة بدأ يختفى من الساحة وهذا شيء طبيعي، إذا أخذنا بأن أعمارهم كانت متقدمة بعض الشيء حين دخلوا الساحة وعوامل اجتماعية أخرى، ومن الطبيعي أن يحدث هذا التحول إلى هذا المستوى، وغياب جيل كامل من القياديين الذين شهدوا ومارسوا العمل الإسلامي وكانوا في قلب المعركة الدعوية لا بد له من تداعيات…
والبعد الثاني أن هذا العمل بدأ يتفرع في اتجاهات معينة، في البداية كان الخط شبه موحد ومتقاربا إلى حد كبير من حيث أن الناس كانوا قلة، ومن حيث كان المجال ضيقا، ومن حيث كان العطاء متشابها في وسائله وأدواته وفي تجلياته، والعمل بطبيعته يتوسع وتتسع دوائره وتتعدد منابره وبالتالي نصل إلى فترة معينة نحتاج إلى إعادة البناء، والعمل الدعوي اليوم في السنغال وصل إلى وجوب أو تحتّم إعادة بناء بعض الأسس ..
والبعد الآخر الذي يتجلى فيه هذا العمل الإسلامي في السنغال هو: أن هذا العمل بدأ الآن يلامس كافة مجتمعات السنغال بحيث ترى وتلمس آثار هذا العمل في كل مناحي المجتمع السنغالي، وهذا عامل أساسي كذلك يجب أن يراعى ويهتم به كثيرا بما فيه من تعقيدات وسلبيات، ولكنه بمجمله يعتبر عملا إيجابيا؛ لأننا استطعنا أن نتنقل بالدعوة إلى معظم الشرائح في المجتمع السنغالي.
والمسألة الأخرى هي على مستوى ظهور التدين في المجتمع السنغالي في طبقات لم تكن لها صلة بالساحة الدعوية في البداية عند المنطلقات، وعندما تحرك موكب الدعوة وكان الناس يتلمسون طريقة الوصول إلى نقطة معينة في العمل الدعوي ضمن محطاته المختلفة التالية .
وعلى المستوى السياسي نلمس هذا التحول باختصار؛ حيث نرى أن الجيل الذي برز في الساحة بعد الاستقلال وتسلم زمام الأمور بدأ هو الآخر يختفي من الساحة، وإذا أخذنا مؤشر المعترك السياسي القادم نرى أن هؤلاء لن يترشح أحد منهم وإن كانوا اليوم هم الذين يحيطون بدائرة السلطة التنفيذية، وعليه فالساحة السياسية مقبلة على تحولات جذرية، والآن إلى أي مدى وفي أي اتجاه سيرسو؟. كذلك هذا التحول الذي يجري اليوم في المجتمع السنغالي سياسيا نحتاج إلى دراسته دراسة واعية ومستوعبة وفي مجال أوسع .
وفي المجال السياسي دائما يجب أن نأخذ بالاعتبار أن السنغال تشهد حالة استقطاب بسبب التحولات الجارية في العالم كما قال لي مراقب متابع يقظ، كنت أتحدث معه منذ قليل بأنه اليوم لا يملك معيارا لتوجهات العالم سياسيا؛ لأن الأوراق كلها الآن اختلطت فيبدو أن هذا الواقع أيضا ينعكس إلى حد معين على التحرك أو المسارات السياسية داخل السنغال، لكن العنوان العام كما قلنا يبقى هو التحول الجذري العميق الذي سيكون له أثره على المدى البعيد على الواقع السياسي في السنغال، فإذا أخذنا الآن نموذجين:
النموذج الأول: هو الأحزاب التقليدية الموجودة اليوم في الساحة السنغالية ويمكن أن نقسمها إلى قسمين أساسين:
القسم الأول هو الذي نتج عن تفت الحزب الاشتراكي من جانب، ولدي الحزب الديمقراطي الآخر الذي هو في الواقع ليس إلا تفرعا عن الحزب الاشتراكي في تشكيلاته الأولى التي مر بها وحتى هذا الحزب الديمقراطي الأخير رأينا كيف تشرذم في نهاية المطاف بحيث أصبح الآن فسيفسائيا لا نستطيع أن نحدد وزنه وموقعه، فكيف نتحدث عن مستقبله؟.
إذا رجعنا إلى المعسكر اليساري بكل مكوناته – بما في ذلك اليساريون الذين كانوا بعيدين، واليساريون الاشتراكيون الذين كانوا يعتبرون امتدادا لتوجه “سينغور” وما بناه من خطوط دفاعية سياسيا – نجد أن كل هذا أصبح الآن مختلطا حابله بنابله، ولا يستطيع الإنسان أن يحدد رؤية واضحة من خلال الفترة القادمة، مثلا لو طلبت اليوم من أي مراقب يقظ أن يقول لك التوجهات الكبرى من خلال الانتخابات البرلمانية القادمة سيكون عليه صعبا جدا أن يرسم لك دائرة يمكن لك من خلالها أن تقرأ المشهد وتضع خطوطك الدفاعية، ومع ذلك فالجانب الآخر الذي يجب أن يراعى هو أن الأحزاب السياسية لم تعد ذات وزن سياسي بالمفهوم التقليدي الذي كان عليه الوضع سابقا، يتضح ذلك من خلال أن نعرف الدور الذي قام به المجتمع المدني، وبالتالي فهناك الآن عقلية جديدة في السنغال، عقلية ممارسة السياسة ليس من داخل الهياكل السياسية لكن مما يسمى بالقواعد، بالمجتمع المحلي الصغير، بالتجمعات الدينية والتجمعات الثقافية على المستوى الفكري، الآن فيه أطروحات جديدة نتيجة هذا اليأس الذي بدأ يعم الشعب السنغالي من أن الأحزاب السياسية مهما كانت توجهاتها وقدراتها ومرجعياتها الفلسفية والفكرية والاجتماعية ليست مؤهلة للنهوض بالبلد.
س2/ ماقراءة فضيلتك لتعدد الحركات والأحزاب الإصلاحية في السنغال؟ وهل تعتبرها ظاهرة صحية أم مرضية ؟.
الدكتور: سؤال جيد وخطير في الوقت نفسه، ظاهرة التعدد ظاهرة طبيعية في الحياة البشرية، بل سنة من سنن الله عز وجل ويبقى الآن فقط كيف ننظر إلى هذه الظاهرة وفق معايير معينة؟.
الهدف أولا من هذه الحركات أو التوجهات، والقدرة لديها، ماهي العلاقة البينية بينها؟ ماهي القواسم أو الجوامع المشتركة التي يمكن إلى حد معين أن تتوحد حولها؟
إذن جملة من الأسئلة إذا استطعنا أن نجيب عليها سنستطيع بالتالي أن نقول بأن هذه الظاهرة سلبية أم إيجابية، سلبية بدرجة كذا أم إيجابية بدرجة كذا.
في منظوري الضيق أن ظاهرة التعدد في منابر العمل الإسلامي، أو ما يمكن أن نسميه بالتيارات، يعتبر في الوقت الحاضر حالة من حالات الضعف للعمل الإسلامي أو للتيار الإسلامي أو للاتجاه الإسلامي في السنغال إلى حد معين، فنأخذ مثالا بسيطا: الموقف الذي وقفه الإسلاميون مؤخرا في “مالي” تجاه الدولة بوضوح، أو تجاه جهة سيادية، وزارة معينة اتخذت موقفا سلبيا تجاه العمل الإسلامي وكان الرد قويا ومناسبا، أين يكمن السر في هذه القوة التي لا يمكننا اليوم أن ندعي بأننا نستطيع أن نملكها في السنغال؟ وأن نخاطب الدولة أو السلطة أو أي جهة في السنغال لها وزنها وموقعها إذا اتخذت موقفا مضادا لمصلحة المسلمين أو لمصلحة المواطنين بشكل عام؟ لا نستطيع أن ندعي بأننا نملك ذلك للأسف الشديد! إذن فهنا حالة التشرذم في السنغال حالت دون ذلك، بينما حالة التوحد أو إيجاد الحد الأدنى من التوحد حول الثوابت حول المتطلبات الأساسية مكنت إخواننا في ” مالي ” من الوصول إلى هذا الوضع الإيجابي الذي يجب أن ينشده كل عمل إسلامي بأن يكون قوة وازنة، وعليه فحالة التشرذم في السنغال تجاوزت مستوى التنوع إلى مستوى التضارب، فعلى سبيل المثال: إذا أخذنا معيار التواصل والتكامل لم يعد اليوم موجودا، في السابق كان هناك إطار فضفاض يجمع معظم التجمعات الإسلامية العاملة في الساحة يوم كان الموقف إلى حد ما مقبولا من حيث اختلاف وجهات النظر، لكن الفترة التي مررنا بها منذ عشرين سنة تقريبا هذه الفترة تسمى فترة التشرذم المفضي إلى الضياع، أو إلى التقاتل أو حتى إلى تهاتر شبه دائم تقريبا؛ لأن العلاقات البينية بين المكونات الأساسية للعمل الإسلامي في السنغال علاقات غير مبنية على أسس سليمة، لأنها علاقات غير جيدة، ولذلك كل المبادرات التي طرحت في الفترة الأخيرة لإيجاد منابر قوية يمكن أن تستوعب الجميع لم تكن ذات جدوى؛ لأنها لم تكن تبنى على أسس سليمة، أقولها للأسف الشديد، وعليه فحالة التعدد في السنغال تجاوزت مستوى التنوع إلى مستوى التضارب أو مستوى التهاتر، فهذا أثر كثيرا طبعا في بعض الجوانب رغم أن هذا العمل لايزال ينجز بعض الأشياء، وإن كان إنجازه أقل بكثير من وزنه في الساحة، لو أخذنا اليوم عدد الذين يدَّعون أو ينتمون إلى التيار الإصلاحي الإسلامي في السنغال، فهو عدد ضخم جدا، ولا أتصور أن قوة مجتمِعة يمكن أن توازنهم، وكذلك إذا أخذنا اليوم القوة الفكرية أو حتى القوة الثقافية أو الوزن السياسي مثلا، كل هذه المقومات إذا أخذناها سنجد أن التيار الإسلامي أنجز في هذا الجانب، أيْ رَاَكم كثيرا من الإنجازات، لكنها لا زالت في حالة تبعثر ولذلك سيصعب استثمارها لمشروع جماعي يمكن أن يؤدي إلى إعادة بناء العلاقات مع الواقفين في الصف الآخر إلى إعادة بناء ما نسميه بتوازن القوى في المجتمع السنغالي، هذا بُعد .
والبعد الثاني: يمكن أن نجده كذلك في علاقات العمل الإسلامي أو التيار الإسلامي بمجمل مكوناته، علاقاته بالقوى الإسلامية الأخرى، وحتى الآن لم ينجح التيار الإسلامي في بناء الجسور الصحيحة التي يمكن من خلالها التواصل مع الكيانات والقوى الإسلامية الأخرى التي هي رديف لها، يجب أن تكون مناصرة لها في الواقع، لكن مع الأسف الشديد في حالات كثيرة تحولت أو حولت تلك القوى إلى خصم لدود للتيار الإسلامي الإصلاحي وأنا أحمل التيار الإسلامي الإصلاحي المسؤولية في هذا الجانب ، وهنا لا نعول على المبادرات الفردية مثلا : الجماعة الفلانية تزور … الجماعة الفلانية تحضر … نحن نتحدث هنا عن الطيف الواسع للتيار الإسلامي ، بمعنى وجود رؤية متكاملة للتعامل مع الذين يمكن أن يكونوا رديفا لنا أو نكون رديفا لهم بحيث لا نوظف أو لا يوظفون فيما يكون ضد المشروع الإسلامي أو ضد مصالح المسلمين أو ضد مصالح المواطن السنغالي بشكل عام.
س3/ كل من يتابع الدكتور عن كثب يعرف مدى اهتمامه ببناء القيادة الدعوية الرشيدة ويركز في هذه النقطة كثيراً، هل يمكن أن تحدثنا عن أسباب اهتمامك بهذه النقطة المحورية؟.
الدكتور: هذا السؤال سؤال محوري وأساسي، فبناء القيادة في تصوري المتواضع يجب أن يكون البند الأول في أي برنامج أو خطة يُتعارف على إعدادها وتصميمها ووضعها وتقديمها للناس؛ وذلك لأن وجود القيادة سنة إلهية، والمنهج النبوي أيضا قائم على إعداد هذه القيادة، وليس ذلك في مكة فقط كما يتصور البعض، بل استمر النبي – صلى الله عليه وسلم – يحث على بناء القيادة إلى آخر لحظة، فإذا أخذنا أي نموذج نجده – صلى الله عليه وسلم – استمر في ذلك، وأقرب الأمثلة لذلك توجيه الناس إلى أخذ القرآن من عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه -، والحلال والحرام من معاذ بن جبل – رضي الله عنه – وهكذا دواليك، فكوْن الرسول -صلى الله عليه وسلم – يوجه الناس إلى هؤلاء الصحابة في تخصصات معينة نوع من الاهتمام بالقيادة التي يعول عليها فيما بعد من أجل أن تلبي احتياجات المجتمع في هذه التخصصات.
وإذا رجعنا اليوم إلى العمل الإسلامي في السنغال نجد أن دوائره تتسع يوميا، وتصل -كما قلنا سابقا- إلى مجالات أو أماكن أو شرائح لم يكن قد وصل إليها منذ عشر سنوات فقط، لكن إذا حاولنا أن نرى كيف يُقاد هذا العمل؟ وكيف يسير؟ وكيف يخطط له؟ وكيف يجمع هذا العمل في اتجاه معين ليكون ثمره في صالح مشروعه وليس لمشروع آخر، بمعنى لا تُقطف ثماره لتوضع في إناء الآخرين؟، فسنجد أن العدد الموجود عندنا لا يفي – بما يسمى – بفرض كفاية، وهنا لا نتحدث عن وجود عناصر موجودة تصلح للقيادة وفيها قوة واستعداد فطري قوي جدا، لكنا نتحدث عن القيادة التي وضعت في قالب العمل من خلال مشروع جامع، هذا الذي نتحدث عنه؛ لأن هذا هو المنشود للتحرك بالعمل إلى الأمام، إذن بناء القيادة أو بناء القدرات على المستوى الفكري وعلى المستوى الروحي وعلى المستوى النفسي وعلى المستوى السياسي وعلى المستوى الاجتماعي والاقتصادي، فهذا البناء هو الذي ينقصنا اليوم لأن العناصر الموجودة لا تتلقى من التدريب والتمرين والإعداد والتهيئة والمتابعة والعناية بما يجعلها قادرة على التحليق في المدارة العليا للعمل الإصلاحي، ولذلك نرى أن الخطاب لا يزال خطابا غير قيادي، وكذلك العطاء الدعوي في الساحة أو في الميدان يوميا لا يتسم بالبصمات القيادية، كذلك إذا أخذنا علاقات العاملين في الإطار الإسلامي لا تتوفر فيها عوامل أو عناصر أو شروط قيادية، بل لا نزال في العموميات وفي المجال العام، وعليه فأنا أرى أنه آن الأوان لنركز جهودنا في صناعة قيادة جديدة؛ لأن المرحلة القادمة لا يمكن أن ننتقل إليها بما عندنا من قيادات لأنها ليست مؤهلة وليست مدربة لتواجه ما ستأتي من تحديات.
أؤكد كذلك على أننا نعيش مرحلة التحولات الكبرى للمجتمع السنغالي، وهذه المرحلة تحتاج منا أن نعد من يكون مناسبا وقادرا على إدارة دفة المعركة في المرحلة القادمة، ولهذا السبب وأسباب أخرى طبيعية منطقية بناء على تجربتي الشخصية في المجال الدعوي وبناء على مقارنات معينة وعلى قراءات شخصية للميادين الدعوية المحيطة القريبة والبعيدة كذلك، كل ذلك جعلني أركز في محاولاتي البسيطة المتواضعة على قضية القيادة.
س4/ ما تصوركم يا فضيلة الدكتور الدور الذي يمكن أن يلعبه الجيل الجديد للإسهام في البناء والعمل الإسلامي؟.
الدكتور: الجيل الجديد يمثل أملا مبشرا لأنه جيل له خصائص لم تكن متوفرة بالكثافة الحالية للجيل السابق ففي هذا الجيل تقارب فيما يمكن أن نسميه بالتكوين الأكاديمي فهذا بعد أساسي؛ لأن الخطاب ينتقل بسهولة، ولأن بناء المفاهيم هنا يكون عملا أيسر مما لو كان هذا العامل مفقودا، وكذلك بحكم الاحتكاك بتجارب معينة في واقع مختلف ومع وجود ارتباط بالواقع الذي جاءوا منه، فهذه العوامل الثلاثة تجعلني أميل إلى أن الجيل الجديد يمكن أن يكون مساره مختلفا، لكن هنا اشتراطات أخرى:
فعلى هذا الجيل أن يتدارك أخطاء الجيل الماضي التي تمثلت أساسا في عدم مد الجسور وفي سوء قراءة التاريخ الخاص بالإسلام في غرب أفريقيا عموما وفي السنغال خصوصا، وفي غياب القيادة المشتركة الجامعة التي تستطيع أن تقود الصف وكذلك القصور في إدارة العلاقة مع أنظمة الدولة ومؤسساتها.
إذن على الجيل الجديد ألا يكرر الجيل القديم رغم التضحيات التي قدمها إذ المطلوب منه أن يكون امتدادا له روحيا ونفسيا بيد أنه يجب أن يكون إضافة نوعية بمعنى أن ينظر إلى الساحة نظرة جديدة؛ لأن هذه الساحة تختلف عن ساحة الجيل السابق على أمل أن يغير الشباب تغييرا إيجابيا ويدفعوا عجلة العمل إلى مرحلة جديدة.
ومن جانب آخر سوف يعاني الجيل الجديد من تحديات مختلفة عن التحديات التي ووجهت من قبل، ويمكن حصره في العوامل الآتية:
العامل الأول: أن العمل الإسلامي السياسي مثلا كان بعدا ناقصا وقد بدأ الآن يتبلور إلى حد معين، فسيكون هناك موقف مختلف تماما عن العمل السياسي الإسلامي عما كان عليه الوضع منذ عشر سنوات أو عشرين تقريبا
العامل الثاني: أن الجيل الجديد سينزل إلى الساحة، في حين ارتفاع حدة المنافسة، فالضغط الواقعي على العمل الإسلامي اليوم لا يقاس بما كان عليه في السابق وبالتالي عليه أن يضاعف الإبداع مرات ومرات، ولذلك أعلق أملا كبيرا على الجيل القادم حيث سينتقل بالعمل إلى مرحلة جديدة شريطة أن تراجع قيادات هذا الجيل بعض المسلمات وتؤسس لفكر عملي إسلامي جديد على أن تكون أولى الخصائص أنها نابتة من أرض السنغال وليست أطروحات مستوردة أو معلبة، إذا استطاع الجيل الصاعد أن يحقق هذا الشرط أي: الأصالة في الطرح وفي قراءة الأوضاع وفي طرح البدائل والتعامل مع الواقع المحيط للقدرة على النفاذ إلى مكونات معينة في المجتمع السنغالي فإذا استطاع الجيل الجديد أن يصل إلى هذا المستوى من الفهم والاستيعاب سيكون الجيل المقرب للنصر إن شاء الله.
ولا أختم قبل أن أضيف نقطة تتعلق بالقدرة على الفهم والمناورة، فالجيل القديم كان جيلا خيرا ونظيفا وذا حس إسلامي مرهف، لكن هذا الجيل إلى حد معين كان معظمه يعيش في حالة من العزلة والهامشية فيجب على الجيل القادم أن يعيش وسط المجتمع السنغالي بحيث يفهم المجتمع أولا ويفهم الآليات التي تحكم المجتمع ويتحرك وفق هذه الآليات وأن يمتد إلى كل أركان المجتمع فالدعوة لا تزال منحصرة في بعض الأماكن رغم ما لمسناه من توسع دوائرها في المرحلة الأخيرة فعلى هذا الجيل أن يكون أكثر استيعابا في نظرته إلى المجتمع السنغالي.
س5/ ونحن نقبل على انتخابات تشريعية بعد ستة أشهر، أنت كعضو مؤسس لحزب (MRDS) هل من الممكن لفضيلتك أن تؤكد لنا مدى جاهزيتكم لخوض هذه الانتخابات، وبأي صورة يكون في ظل التحالفات الموجودة في الساحة السياسية؟.
(MRDS) حركة الإصلاح للتنمية الاجتماعية، طبعا إن من الصعب علي أن أقول لكم اليوم بأن الحزب جاهز، حتى إذا رجعنا إلى ما قلته سابقا عن المشهد السياسي سنرى أنه ليس هناك حزب يمكن أن يدعي اليوم الجاهزية ونصدقه بناء على معطيات محددة، ولذلك اليوم فالمشهد الآن في إطار أو في مجال إعادة التركيب، والصياغة الجديدة ستظهر إلى الوجود، وعلى هذا الأساس فإن الحزب اليوم بعد قراءة هذه المسيرة، وقراءة الواقع والتعقيدات الوجودة في الساحة السياسية توصل إلى قناعة بأن الرهان على شريحة معينة رهان خاطئ وخاسر هذا أولا.
وثانيا: التجربة مع الأحزاب العلمانية علمتنا الكثير من الأشياء ونحاول قدر الإمكان أن نستفيد من تلك التجارب وعليه اليوم فالحزب يسعى إلى بناء تحالف جديد ويكون أقرب إلى الشعب والواقع، ويكون أقدر على النهوض بمطالب الشعب عندما يتم اختيار من يمثلون غدا المجتمع السنغالي، إنا تعلمنا دروسا مُرَّة في تعاملنا مع الواقع السياسي في السنغال وهو: غياب الاشخاص السياسيين الفاعلين الذين يصلحون أن يمثلوا المجتمع السنغالي، أي: الذين يكونون مؤهلين لتحمل أمانة النيابة عن الأمة، أو ممارسة السياسة الشرعية، وعليه فالحزب اليوم يسعى –بكل ما أوتي من قوة داخل الصف الإسلامي وخارجه- إلى إيجاد تحالف جديد يمكنه أن يسجل نقاطا جديدة بالنسبة للعمل السياسي وفقا لمرجعيتنا الإسلامية، وذلك ليس أمرا ميسورا؛ لأنكم تعرفون أن العمل السياسي اليوم في السنغال تغير كليا؛ حيث لم يعد للحزب الحاكم قدرة على حسم الموضوع وحده، ولذلك فالعصر السياسي الحالي هو عصر التحالفات، وتشكيل القوى والمنابر، وبناء تحالفات قوية، وعلى هذا الأساس ندعو إلى فتح باب التواصل بين الناس ليتعرف بعضهم على بعض، وأن نعرف أن معركتنا اليوم – التغيير السياسي والإصلاح العام في السنغال- لا يمكن أن تتم إلا عن طريق البرلمان، وعليه فإن المعركة القادمة ستكون شرسة؛ لذلك ينبغي أن نكون مستعدين – وإن كان الوقت ضيقا جدا – ومع ذلك فإذا اتحدت القوى واجتمعنا على كلمة واحدة وموحدة يمكننا إحداث مفاجأة سارة أي حالة نقل نوعي إن شاء الله.
س6/لا يخفى على شريف علمكم أن الدبلوماسية السنغالية تمر بامتحان صعب ابتداء من خسارة المرشح السنغالي الأستاذ “عبد الله باتشلي” لرئاسة المفوضية الإفريقية، مرورا بالانتقادات الموجهة إلى السنغال لعدم عدم انضمامه إلى قمة دول الساحل لمحاربة الإرهاب، بحكم كونكم قريبا من هذا المشهد كيف تقرأ لنا يا دكتور هذا التطور؟.
عموما يمكن أن توجه انتقادات للدبلوماسية السنغالية، وخاصة أنها كانت دبلوماسية نشطة وكانت لها فاعليتها وحضورها في العالم، ولا أدل على ذلك من وجود مقرات لمؤسسات كبرى دولية في السنغال،تصنف السنغال باعتبارها الدولة الرابعة من حيث الحفاظ على السلم والأمن في العالم، وكذلك حضورها من خلال الكوادر السنغاليين في المنتديات والمؤسسات الدولية، إذن فمن هذا الجانب فالدبلوماسية السنغالية دبلوماسية عريقة وذات دور كبير.
وإذا قسنا ذلك الماضي بما عليه هذه الدبلوماسية اليوم مرورا بالتجربة التي خضناها مع الرئيس السابق السيد “عبد الله واد” نرى أن الدبلوماسية السنغالية أصيبت بانتكاسات؛ لأن الدبلوماسية في الواقع ليست فقط مجرد قواعد وتقريرات وأعراف مستقرة ووزن البلد، كل هذه العوامل يمكن أن تساعد، لكن أساس الدبلوماسية هو الشخصيات التي تختار وتكون على مستوى الوعي الحضاري، ومستوى وعي العالم، وفهم كيف تجري الأمور، وكيف تدار القضايا الكبرى، وقبل ذلك كله أن يكون الشخص يمثل شعبا وينتمي إليه بعمق، ويشعر بثقل وأمانة أنه هو السفير بمفهوم السفارة في هذا الجانب، لهذا السبب يمكن أن نقول اليوم بأن الدبلوماسية السنغالية عانت معانات شديدة في المرحلة الأخيرة، من عشرين سنة تقريبا إلى الآن هذه الدبلوماسية تسجل نقاط ضعف.
بالنسبة للأمثلة المضروبة أو التي قدمت، أنا لا أعتبر أن مجرد فشل مرشح معين لمنصب معين أوفي وظيفة معينة لمنظمة معينة خللا في الدبلوماسية، لا لأنه لا بد من المنافسة، ولا بد أن يفوز فيها شخص واحد، فليس بالضرورة أن تفوز السنغال دائما هذا أولا، وثانيا أن هناك أخطاءً ارتكبت في السابق هي التي أدت إلى فشل هذا المرشح في الاتحاد الإفريقي.
كذلك الانتقادات التي وجهت إلى السنغال لإدارتها للأزمة في غامبيا، لكن في الواقع – أنا باعتبار متابعتي للموضوع – أعتقد أن الإدارة السنغالية للأزمة الغامبية كانت إدارة إلى حد كبير جيدة جدا، هناك من تضرر من هذه الإدارة الناجحة من الأنظمة ومن بعض الشخصيات على المستوى الإقليمي، والتي ليست من مصلحتها أن تنجح السنغال في إدارتها للأزمة.
وأنا كنت أسجل على الدبلوماسية السنغالية ملاحظات، قلت للمسؤولين: أنكم في فترة من الفترات كنتم تديرون علاقتكم بغامبيا أو ببعض البلدان القريبة منا من خلال مصالح الدول الغربية، فعلى سبيل المثال في فترة من الفترات كانت الصحافة والإعلام و بعض المسؤولين السنغاليين يتعاطون مع غامبيا ليس من مشاكلنا مع غامبيا، أو المشاكل اليومية والآنية وإنما من مواقف الدول الغربية من موقف غامبيا من بعض القضايا الاجتماعية والثقافية والدينية، فهذا كان خللا في تصورنا، طبعا وهذا يُفهَم إذا أخذنا بالاعتبار نوعية الدبلوماسية التي نملكها، لكن إذا أردنا أن نرى بوضوح فشل الدبلوماسية السنغالية فيجب أن نذهب إلى العالم العربي، في العالم العربي نجد كوارث: سفراء لا يصلحون لأدنى الوظائف في السفارات، سفراء لا يفهمون لغة البلد مثلا، أنا ذهبت إلى دولة عربية فوجدت أن السفير لا يحسن إلا التدخين، والسكرتيرة مغربية، تصوروا أن أسرار السنغال والعلاقات بيننها وبين ليبيا في تلك الفترة – مع أهمية ليبيا في فترة القذافي وما يتم تبادله من أمور- أن تكون الأسرار تمر على سكرتيرة أجنبية؟!
وعليه فاليوم أظن أنه يجب أن يراجع الذين يملكون زمام القرار السياسي في السنغال بشكل كامل الدبلوماسية السنغالية، وليس من خلال الأعراف والتقاليد فهي مستقرة، وإنما من إعادة بناء القاعدة البشرية التي تكَوِّن، وأن تكون الصرامة والقيم الصالحة ومعايير معينة محددة هي الحاكمة في اختيار هؤلاء الناس.
وللأسف الشدي اليوم عندنا سفراء لأول مرة يخرجون من السنغال للمرة الثانية أو الثالثة ثم يُعَيَّنون سفراء، فهذا خلل، أنا في فترة من الفترات كنت تناولت موضوع الدبلوماسية العربية والسفارات العربية في السنغال، فغضب البعض لكني كنت أنصحهم، وكنت أريد لو تيسر أن أكتب كذلك عن الدبلوماسية السنغالية في العالم العربي، وخصوصا في العالم عموما.
أنا معكم في أن الدبلوماسية السنغالية ليست على مستواها الذي تعود الناس أن يروها فيه، للأسف الشديد إذا قارنَّا الدبلوماسية السنغالية اليوم بالدبلوماسية المغربية نجد فرقا كبيرا، المغرب اليوم وصل في النجاح إلى حد أنه يقرع باب (CEDEAO)، وكذلك أشياء أخرى نجح فيها كالعودة إلى الاتحاد الإفريقي.
الآن ما هي الخطوات أو الإنجازات التي حققتها الدبلوماسية السنغالية في الأيام الأخيرة؟ لا شيء تقريبا، هناك سفراء جالسون عشرات السنين، أو سفراء جدد لا يعرفون شيئا، أو سفراء تافهون لا يمثلون الشيء الكثير للأسف الشديد أن نقولها، كان بودنا أن يكون سفراؤنا أحسن السفراء في العالم.
ومع ذلك فنحن نؤكد على أن السنغال لا تعاني من فقر في الرجال والنساء الذين يمكنهم أن يقدموا الشيء الكبير.
والنقيصة الثانية التي يمكننا أن نثيرها هنا هي ضعف الدبلوماسية الشعبية في السنغال، فمثلا اليوم توظيف الطلاب الذين يتخرجون، والبعثات الطلابية الموجودة في الخارج اليوم، والجاليات السنغالية من أكثر الجاليات نشاطا في الخارج، لكنها لا تُوَظَّف، ولا يتم وضعها في الصورة، بالعكس أحيانا علاقاتها متوترة مع البعثات الدبلوماسية.
عموما فهناك مآخذ، وإن كانت هذه الدبلوماسية قامت في المرحلة السابقة بجهود جبارة وبنجاحات كبيرة جدا، جعلت السنغال في مصاف الدول الوازنة رغم ضعفها الاقتصادي، وصغر حجمها، مع ذلك كان لها حضورها ووزنها في المعترك الدولي.
وفي الختام: شكرا لكم فضيلة الدكتور على هذه الأجوبة الرائعة التي سلطت الأضواء على النقاط التي تم تناولها في حلقة هذا اليوم، والتي كانت عن واقع الحركة الإسلامية وقضايا الفكر الإسلامي، وأهم الأحداث الوطنية والدولية، والآن لكم الكلمة الأخيرة.
آه أُجِدد لكم في الختام الشكر والدعاء بأن يمن الله عليكم بالتوفيق، ثم أُعَلِّقُ كذلك على نقطة مهمة وهي: أن هذه المجموعة (وسطيون) بدأت تخط طريقا صحيا، وأرجو أن تستمر فيه، وأرجو أن توسع آفاقها ورؤاها، وأن لا تستعجل كذلك، وأن تسير بخطى ثابتة، وأرجو الله عز وجل أن يكون لكم معينا ونصيرا، وأن يسدد علي طريق الحق والهدى خطاكم، وأن يبارك في جهودكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أيها المتابعون، الآن جئنا معكم إلي ختام حلقة هذا اليوم التي كانت مع الدكتور محمد سعيد باه، عضو مؤسس لحزب (MRDS)، ونزجي إليه أحسن تشكراتنا القلبية، وكان معكم في التقديم الحسن كان ونشكركم على حسن المتابعة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.