مقاصد الدعوة في القرآن الكريم

بقلم: الدكتور نجوغو مباكي صمب

الحلقة (5):

عند قراءة القرآن الكريم وتدبر الآيات التي تأمر بالدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نجدها مشتملة على المقاصد والغايات والأسرار في الدعوة والأمر والنهي، وتنبه على مآثرها ومكارمها في الدين والحياة، وفي الدنيا والآخرة، وفي المطالب التالية نتف يسيرة عن حديث القرآن وتنويهه بمقاصد الدعوة وغاياتها وحكمها وأسرارها.

مقصد الهداية إلى الصراط المستقيم:

والمراد بالهداية هنا هداية الدلالة والإرشاد إلى الحق بأدلته الواضحة وبراهينه القاطعة وحججه القوية ، بحيث لا يبقى لجاحد معاند مستمسك في جحوده وعناده ، قال تعالى عن الحكمة من نزول القرآن الكريم { الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}[1] ، وقال تعالى عن هداية القرآن إلى الأكمل و الأقوم في كل شيء من أمور الدين والدنيا { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا } [2] ، وقال تعالى عن أثر اتباع القرآن في الاهتداء إلى الحق والاستقامة على الجادة { قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [3] .

وقال تعالى مخاطبا النبي صلى الله عليه وسلم ، ومخبرا بأنه يهدي بدعوته إلى الحق وإرشاده للخلق  من شاء الله هدايته { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ}[4].

مقصد إحقاق الحق وإبطال الباطل :

وإحقاق الحق هو إظهاره واضحا جليا ، وظاهرا على غيره بحججه وبراهينه ، والتعريف بمنافعه ومصالحه بحيث لا يبقى لمبطل حجة ، وأما إبطال الباطل فهو كشف زيفه ودحض حججه وإظهار عيوبه ومفاسده واضراره ، قال تعالى { وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}[5] ، وقال تعالى { وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ}[6] .

ولذا يجب أن تكون الدعوة صريحة ومقنعة وقوية أمام المغرضين والمبطلين ، لا تتوانى في المواجهة ، أو تضعف عند المنازلة ، أو تتضعضع عن الجدال والمخاصمة ، قال تعالى {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ }[7] ، وقال تعالى { قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ}[8] .

مقصد التبليغ والبيان:

تبليع دين الله وبيانه وعدم كتمان شيء منه حتى يبلغ الناس كاملا غير منقوص أو مبدل أو محرف مقصد دعوي جليل دل عليه القرآن الكريم وأرشد إليه ، قال تعالى مخاطبا إمام الدعاة وسيدهم صلى الله عليه وسلم { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}[9]، وقال تعالى { فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}[10]، وقال تعالى { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }[11] ، وقال تعالى { وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }[12] ، وقال تعالى { الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا}[13] .

مقصد التغيير والإصلاح:

وكذلك مقصد تغيير الأفكار والأوضاع والأحوال الفاسدة وإصلاحها ، حسب القدرة والاستطاعة ، فالله تعالى يحب المصلحين ويجعل لهم من بين عباده ودا ، ويوفقهم في أعمالهم، ويسددهم في أقوالهم ، ويجزل لهم الأجر والمثوبة ، قال تعالى { وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ }[14] ، ولذلك كان غاية الأنبياء والمرسلين والدعاة الإصلاح ، وإن رماهم بتهمة الإفساد الطغاة المتكبرون والجهال المقلدون ، قال تعالى عن نبيه شعيب عليه الصلاة والسلام { قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [15] .

ومن عجائب القرآن ولطائفه ذكر مقصد الإصلاح وعدم الإفساد بين أمرين مؤكدين بتحقيق التوحيد وإفراد الله بالعبادة، قال تعالى { ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ }[16] .

مقصد إقامة الدين والاجتماع عليه:

ومن مقاصد الدعوة في القرآن الكريم إقامة الدين والاجتماع عليه وعدم التفرق فيه ، قال تعالى { شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ }[17] ، قال السعدي رحمه الله (( أي: أمركم أن تقيموا جميع شرائع الدين أصوله وفروعه، تقيمونه بأنفسكم، وتجتهدون في إقامته على غيركم، وتعاونون على البر والتقوى ولا تعاونون على الإثم والعدوان،{وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} أي: ليحصل منكم الاتفاق على أصول الدين وفروعه، واحرصوا على أن لا تفرقكم المسائل وتحزبكم أحزابا، وتكونون شيعا يعادي بعضكم بعضا مع اتفاقكم على أصل دينكم ))[18] .

فمن أهم مقاصد الدعوة إقامة الدين والاجتماع على أصوله وجمله الثابتة ، على أساس كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة ، فالتوحيد قرين الاجتماع والوحدة ، والتفرق صنو الكفر والشرك والعياذ بالله تعالى ، وكل فساد في الدين ناتج إما بخلل في التوحيد ، وإما بضعف في الاجتماع .

يتبع …..

 

 

 

[1] سورة البقرة الآيتان : 1 ، 2

[2] سورة الإسراء الآية 9

[3] سورة المائدة ، الآيتان 15 ، 16

[4] سورة الشورى ، الآيتان 52 ، 53

[5] سورة الإسراء ، الآية 81

[6] سورة الأنفال ، الآيتان 7، 8

[7] سورة الأنعام ن الآية 83

[8] سورة الأنعام ، الآية 149

[9] سورة المائدة الآية 67

[10] سورة آل عمران ، الآية 20

[11] سورة النحل الآية 44

[12] سورة النحل الآية 64

[13] سورة الأحزاب ، الآية 33

[14] سورة الأعراف الآية 170

[15] سورة هود ، الآية 88

[16] سورة الأعراف ، الآيتان 65 ، 66

[17] سورة الشورى الآية 13

[18] تيسير الكريم الرحمن ، ص 754

Laisser un commentaire

Votre adresse email ne sera pas publiée.

Ce site utilise Akismet pour réduire les indésirables. En savoir plus sur comment les données de vos commentaires sont utilisées.