كتاب « جماعة عباد الرحمن في السنغال التاريخ – والمنهاج » للمؤلف شيخ انجوغو مباكي صمب.. شهادةٌ وتعليقٌ

 محمد بشير جوب

 

تمضي الأعوام وتمر الأجيال والأيام تشهد على أعمال الرجال، ومن أكبر ما يبعث الأمل، ويجلب السعادة للإنسان، ويجعله مطمئنا في باله، وساكنا في خاطره، أن يجد نفسه في كل حركة يقوم بها بأنه يؤدي رسالة حياته، ويسعى لتحقيق معنى وجوده، وفق القناعة والمبادئ التي ارتضاها لنفسه. ومع اختلاف الغايات والأهداف، فلا هدف أكبر من تبليغ دعوة الله، ولا غاية أعظم من نيل رضا المولى عز وجلّ، وأقرب وسيلة لتحقيق هذا الهدف وتلك الغاية النبيلة هي أن يكون المرء في رباط في سبيل الله، يسد ثغرة من ثغور هذا الدين الحنيف.

أربعون عاما مضى وبقيت هذه الأهداف السامية همةً لرجالٍ عاهدوا الله على الثبات في المبدأ، والبقاء شعلةً لنشر نور الرسالة الإسلامية وخدمة الإنسانية. وكأن الوقت قد حان لتقييم هذه الجهود وعرض هذه التجربة الفريدة على الملأ، والشهادة عليها أمام التاريخ؛ لتكون أثرا تبقى الأيام شاهدة عليها، ونبراسا يصلح ليكون مرجعا للأجيال الحاضرة والقادمة.

وفي هذا الإطار أصدر لنا الكاتب والباحث القدير الأستاذ انجوغو امباكي صمب كتابا موسوما بـ « جماعة عباد الرحمن في السنغال التاريخ – والمنهاج » ليطلعنا على دراسة شاملة للتجربة الحافلة لهذه الجماعة؛ التي هي الحركة الأم، وكبرى الجماعات الإسلامية العاملة في الساحة السنغالية منذ الصحوة الإسلامية إلى الآن. وفي هذه السطور نحاول التعليق على هذا الكتاب الذي يعد أولى دراسة شاملة لهذه الحركة منذ نشأتها إلى اليوم.

إطلالةٌ عامةٌ:

صدر الكتاب في سياق مفصلي، تتحكم فيه متغيرات جديدة، سواء على الصعيد الوطني أو على الصعيد الدولي. ويترتب على التعامل مع هذا السياق الجديد الوقوف على الماضي ومعرفة أحواله؛ للوصول إلى تصور سليم للتعامل مع الواقع  والاستباق مع نوازل المستقبل.

فعلى الصعيد الدولي لا يمكن فصل أي تجربة حركية ذات مرجعة إسلامية عن نظيراتها من الحركات الإسلامية في العالم؛ باعتبار أنها تشترك في الأصول العامة التي تنطلق منها. وشاهدنا في العقد الأخير من عمر الحركات الإسلامية على الصعيد العالمي تحولات جذرية لأسباب مختلفة، دعاها ذلك إلى مراجعات شاملة في فكرها وفي بنيتها. تجاوبا مع الظروف الطبيعية وغير الطبيعية التي اقتضت الضرورة الاستجابه معها.

وعلى الصعيد الوطني، لايمكن التغاضي عن المرحلة المحفوفة بالتحولات الجذرية، والتي يمر عليها مجتمعنا السنغالي، سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية. وفي هذه المرحلة يأتي الاهتمام بالشأن الديني والأخلاقي أيضا واجبا وضروريا أكثر من أي وقت مضى.

وعلى هذا الأساس فإن الكتاب يأتي ليشكل خارطة طريق لكل ناشط اجتماعي على وجه العموم، وللناشطين في الحركة الإسلامية على وجه خاص، لاستيعاب ملامح هذا السياق المفصلي، حيث نجد في الكتاب سردا تاريخيا لعمر هذه الحركة وتجربتها. وكيف كان تعاملها مع شرائح المجتمع المختلفة، محافظة على رسالتها ومبادئها، في ظل التيارات المتعاونة والمحايدة والمضادة.

رد الجميل المستحق:

تصدى للحركة الإسلامية في السنغال منذ الوهلة الأولى رجال صدوقوا ماعاهدوا الله عليه، وضربوا أروع الأمثلة للعمل الإسلامي الناجح في ظل مجتمع متعددة التوجهات، واستطاعوا مع ذلك التعامل مع التوازنات المختلفة دون إحداث شروخ في المجتمع السنغالي. وإليهم يرجع الفضل الكبير في الإنجازات التي حققتها الحركة الإسلامية في السنغال بصفة عامة.

مع عظم التضحيات في سبيل الدعوة إلى الله، وإرساء دعائم الحركة الإسلامية في السنغال، قليلٌ من هؤلاء من يُعرف اسمه، وقليلٌ من هذا القليل من نجد له ذكرا في التاريخ الدعوي والحركي في السنغال، ولا أحد يستحق أن يعرف، وأن يبقى اسمه وأعماله في سجل التاريخ أكثر من هولاء، والتفريط في ذلك يعد خطأ تاريخيا على الجميع، وخاصة على أبناء الحركة الإسلامية. واستدراكه يقع على عاتق أبناء الحركة قبل غيرهم.

وفي هذا الصدد يأتي هذا الكتاب ليسطر فضل هؤلاء الأعمدة على صفحات بيضاء، ليبقى ذكرا خالدا في التاريخ، وليس هذا فحسب ولكن لتكون تجاربهم أيضا كنزا سمينا في متناول من ناب عنهم، وتضلع مهمة التبليغ بعدهم، سواء الشيوخ والشباب والأشبال. فمن أراد رسم خيوط المستقبل يلزم عليه معرفة تاريخ الماضي برجاله الأفذاذ. وقد عكف المؤلف في كتابه لدراسة تراجم الرجال الذين تركوا بصماتهم في صفحات هذه المسيرة الحافلة.

آفاقٌ جديدةٌ في العمل الإسلامي:

يشترك العمل الإسلامي مع سائر الأعمال الإنسانية الأخرى في الطبيعة العامة، حيث يبدأ من النشأة ويترعرع حتى يكون له قائمة، ويتعرض للظروف والعوارض فيخفق تارة وينهض تارة أخرى؛ حسب علو همة الرجال القائمين به وقدرتهم على تحمل الأعباء والعقبات.

وليس العمل الاسلامي في السنغال مستثناة من هذا الأصل، كما أن جماعة عباد الرحمن منذ نشأتها أيضا تعرضت لهذه العوارض، واستطاع رجالها التغلب على ما عرضت لهم من عقبات، فكتبت لها البقاء والصمود، وهي مازالت تتوق إلى تحقيق الأهداف التي تأسست من أجلها.

وفي هذا السياق نجد الكاتب يطوف معنا في كتابه، ويسرد لنا أهم الإصلاحات الجوهرية التي قامت بها الجماعة في مسيرتها، للتكيف مع متطلبات الواقع ومقتضياته، خاصة في الموضوع المتعلق بالتمييز بين الدعوي والسياسي. ويمكن أن نتلمس من هذا السرد التوجه الجديد الذي تبنته الجماعة حيال هذا الموضوع، كما يمكن لنا الوقوف على ملامح الآفاق الجديدة للجماعة وفق تصورها الخاص للمرحلة الحالية والمستقبلية للعمل الإسلامي.

وختاما، جاء هذا الكتاب للتوقيع على عهد جديد للجماعة، أمضى هذا التوقيع قائد من قادتها، ممن ظل ملتصقا بالجماعة ومخلصا لها، عاش عن قرب مع الجيل المؤسس والجيل المعاصر، وهذا ما أهله ليعرف الجماعة عن كثب، وليحظى كتابه بالمصداقية التي تجعله أفضل توثيق لتاريخ الجماعة، ولجزء كبير من تاريخ العمل الإسلامي المعاصر.

Laisser un commentaire

Votre adresse email ne sera pas publiée.

Ce site utilise Akismet pour réduire les indésirables. En savoir plus sur comment les données de vos commentaires sont utilisées.