فى ذكرى المحاولة الانقلابية الفاشلة فى تركيا

(*) عبد القادر انجاي

 

تطل علينا غدا السبت 15 يوليو تموز 2017 الذكرى الأولى للمحاولة الانقلابية الفاشلة فى تركيا حاملة معها الذكريات الأسطورية فى تاريخ تركيا الحديثة و العبر و البشائر لمشروع النهضة الإسلامية فى تركيا و خارجها. بعد أسابيع فقط من الذكرى الرابعة لانقلاب عبد الفتاح السيسي على حكم الإخوان بمصر الذى لم يمتد إلا شهورا معدودات. و هو ليس مصادفة  من المصادفات لكنه تأكيد لسنة الله تعالى بإقران العسر باليسر و الكرب بالفرج و الظلام بالنور و من أمثالنا الشعبية المنتشرة التى تصدق فى هذا الياب: (ما كان الله ليغلق على المرء الباب و النافذة معا).
فإذا كان نجاح الإنقلاب العسكري فى مصر انتكاسة مؤلمة و محنة قاسية و ضربة قاضية أصابت المشروع الإسلامي و حملته فيها بمقتل  فإن فشل المحاولة الإنقلابية فى تركيا عزاء للمسلمين جميعا فى شتى بقاع الأرض من مآسيهم الكثيرة و بشرى طيبة أحيت فيهم الأمل و انتصار عظيم للمشروع الاصلاحي فى تركيا فتح له عهدا جديدا من التمكين و النجاحات.
إنه يوم من أيام الله أدال فيه الحق على الباطل و العدالة على الظلم و نصر فيه مشروع النهضة الإسلامية  على مشروع الاستعمار الجديد و الإمبريالية الغربية بالتحالف مع مشروع الثورة المضادة بعد ما راكم انتصارات أصابته بالغرور فى كل من تونس و مصر و مازال يخرب فى ليبيا و سوريا و العراق و اليمن…

ففي مثل هذا اليوم من العام المنصرم انطلقت الطائرات و المروحيات العسكرية من قاعدة « أنجرليك » التركية التى لل(قوات الأمريكية) فيها حضور قوي بين قوسين لتقصف فندقا ب »مرمريس » يقيم فيه الرئيس اردوغان و عائلته بغية اعتقاله أو اغتياله ثم قصفت مبنى البرلمان التركي و التلفزيون الوطني و المخابرات. و ذالك بالتزامن مع نزول الدبابات التابعة للانقلابيين فى جسر البوسفور و تحرك قواتهم على الأرض لمحاصرة و احتلال النقاط الإستراتيجية فى العاصمة « أنقرة ».
مكالمة عبر « الفيس تايم » خاطب فيها الرئيس اردوغان شعبه داعيا إياه إلى الكفاح و الصدام حتى النصر أو الشهادة و احيا فى نفوس الأتراك بطولات اجدادهم العثمانيين التى تنام بين جنباتهم لينزلوا إلى الشوارع و يواجهوا الدبابات بصدورهم العارية كانت كافية لقلب الطاولة على الانقلابيين و رد كيدهم إلى نحورهم بعدما رفعت المساجد والجوامع أذان المحنة تلته صلاة الفتح رددته الآفاق و بلغ صداه أذن كل تركي و تركية و بعد ما سطرت القوات الخاصة التركية و قوات المخابرات برئاسة « هاكان فيدان » أروع البطولات لدحر الغزاة. و ماهي إلا ساعات قلائل حتى هزمت جيوشهم و كسرت فلولهم و حاق بهم مكرهم السيئ.
تبين لاحقا أن هؤلاء الانقلابيين لم يكونوا غير أتباع جماعة غولن أو الكيان الموازي  إلا أن اليد الأمريكية السوداء بدت سافرة و بات واضحا أنها  كانت تمسك بخيوط المؤامرة من وراء الكواليس. و لكن لماذا استهداف تركيا بالذات  و محاولة إنهاء حكم حزب العدالة و التنمية غيلة و على حين غفلة ؟

لقد أثار حقد أعداء تركيا نموذج الحكم الناجح للاصلاحيين المسلمين بيد حزب العدالة و التنمية الذى حقق فى مدة قياسية لا تتجاوز ثلاثة عشرة سنة منذ استلامه سدة الحكم فى عام 2002  نهضة شاملة فى تركيا شملت كل الجوانب السياسية و الاقتصادية و العسكرية. و حققت لها استقلال القرار و السيادة الحقيقة فلم تعد مجرد حديقة خلفية تابعة لأوربا او مجرد منفذة للسياسات  الأمريكية فى المنطقة بل أصبحت لاعبة مهمة فى اشد الملفات سخونة فى الشرق الأوسط. و عززت دورها الإقليمي و مكانتها الريادية فى العالم الإسلامي. و أصبحت من أهم معاقل الصحوة الإسلامية بعد انكسارها فى مصر و ملاذا آمنا للمستضعفين فى العالم و الفارين من بطش الحكومات المستبدة فى البلدان الإسلامية.. و هو نموذج ناجح و جذاب من شأنه أن ينبهر به الإسلاميون فى العالم كله و يقتدوا به. الأمر الذى يصيب معسكر الغرب المناوئ للمشروع الإسلامي بالهيستيريا و يثير فيهم مرض الخوف من « الخطر الأخضر » أو « الخطر الإسلامي » الذى يتوهمونه و هو العدو الذى لا يتوانون لحظة فى محاولة القضاء عليه أنى وجدوه.
و ها هي تركيا مقر الخلافة الإسلامية التى قضوا عليها قبل ما يقارب مائة سنة بيد كمال أتاتورك بعد ما احتضنت الخلافة الإسلامية لما يقرب من ستة قرون و مدت رواق الإسلام إلى العالم كله و شيدت حضارة إسلامية شامخة على أبواب أوربا المسيحية تعود إليها الحياة رويدا رويدا. و بدأت تستعيد هويتها الإسلامية بعد حرب ضروس شنها ضدها أتاتورك و أعوانه. و بدأت تستلهم من أمحاد محمد الفاتح و سليمان القانوني روح القيادة و الريادة الحضارية. و هاهي تقود بصمت الصنم الذى صنعوه لها: « علمانية أتاتورك » إلى حيل المشنقة. و هذا كله بالنسبة لأعداء تركيا خطر داهم دفعهم للتآمر عليها لمحاولة الإجهاض على تجربتها السياسية الناجخة.
إلا أن الرياح لم تجر بما تهوى سفنهم فقد شاء الله تعالى أن يقلب عليهم تآمرهم و أتاهم من حيث لم يحتسبوا. فكانت المحاولة  الانقلابية الفاشلة نصرا مؤزرا لتركيا و قد أرادوا بها تدميرها حيث وفرت للقيادة التركية فرصة ذهبية لتحقيق هدف بعيد المنال حلموا به كثيرا و ما وجدوا إليه سبيلا : إنه تطهير الجيش التركي من الاتاتوركيين الذى قاموا بأربع انقلابات على حكومات تركية متتالية و يمثلون حجر الزاوية من الدولة العميقة بتركيا. و كذالك تصفية وجود الكيان الموازي فى مؤسسات الدولة التركية التى تغلغل فيها بعمق و هو يمثل رأس الحرية للعمالة الأمريكية فى داخل مؤسسات الدولية التركية كما مكنت لهم من تغيير الدستور التركي الذى صنعه العسكر و ظل قيدا ثقيلا للسلطات المنتخبة فى ممارسة الكثير من سياساتها. و من ثم تغيير النظام من البرلماني إلى الرئاسي و هو النظام الذى تحتاج إليه تركيا لتحفظ استقرارها السياسي و تواصل السير فى طريق النهضة الشاملة بخطى ثابتة. و قد أبلى أردوغان و حزبه بلاء حسنا فى استغلال هذه الفرصة الذهبية لسحق أعداء الدولة التركية و تصفية عملاء الغرب و تنفيذ المشاريع السياسية الإستراتيجية لتركيا.

لا نستطيع القول بأن تركيا تخلصت من كل التهديدات الداخلية و الخارجية و أن الطريق ممهد تماما أمامها لتواصل رقيها الحضاري و تواصل القيام بدورها الريادي فى العالم فما زالت هناك الكثير من التهديدات و الكثير مما يحب عمله استباقا لأي عدوان و تآمر ضدها إلا أنه من المؤكد أن تركيا ما قبل المحاولة الانقلابية الفاشلة ليست كتركيا ما بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة فقد أصبحت أكثر قوة و تماسكا و أصبحت قيادتها أكثر ثقة بنفسها و أمانا عليها ما يرشحها للعب دور أكبر و احتلال مساحة أوسع إن على الساحة الإقليمية أو الدولية. و لعل موقف تركيا الحاسم و القوي و السريع فى الأزمة الخليجية بتفعيل اتفاقية عسكرية موقعة بينها و بين قطر تم بموجبها إرسال آلاف الجنود الأتراك إلى الدوحة تحسبا لأي تطورات للأزمة ما رجح كفة قطر على دول الحصار و عزز موقفها من دلائل و مظاهر هذا العهد الجديد الذى بدأ يلوح فى الأفق بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة و لنا أن نأمل فيه الخير الكثير والنصرة لقضايا المسلمين العادلة.

Laisser un commentaire

Votre adresse email ne sera pas publiée.

Ce site utilise Akismet pour réduire les indésirables. En savoir plus sur comment les données de vos commentaires sont utilisées.