حرمة الدماء في الشريعة الإسلامية

(*) حمدي مصطفى امباكي

إن الرغبة في التوسع والبقاء وحب الغلبة والاستعلاء، من العوامل التي تدفع البشرية إلى العداوة والاعتداء، وغالبا ما تنتهي مثل هذه الأمور إلى انتهاك حرمات الدماء المعصومة، وإزهاق الأرواح البريئة والتجرؤ على الكرامة الإنسانية.

وقد عجز أن يسجل لنا التاريخ قديما وحديثا  في صفحاته البيضاء مشروعا قانونيا، وضع حدّاً للتطاول على دماء الأبرياء وقمع المساكين الضعفاء مثل الشريعة الإسلامية الغراء.

فالفقه الإسلامي أعطى حفظ النفس البشرية أهمية لا تجدها في دين سماوي قبله، ولا في فرقة أو مذهب أو قانون وضعي بعده، بل إن الحياة البشرية لم تشهد تشريعا وضع من الأحكام ما يحفظ النفس الإنسانية المعصومة كما فعلت الشريعة الإسلامية.

فالإسلام قد عظّم شأن الدماء، وحرم قتل النفس المعصومة بغير حق، قال الله -عز وجل- :  ((وَلَا تَقْتُلُواْ النَّفْسَ  التِي حَرَّمَ الله إلَّا بالحقّ))  والحق هو الشرع، ومن قتل نفسا بغير حق فقد أراق دما حراما والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في حديث رواه عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما: « لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا »، والدم الحرام هو المعصوم الذي وضع الشارع عقوبة شديدة على كل من تجرّأ على سفكه وإزهاقه، سواء كان ذكرا هذا السفّاك الجاني أو أنثى، شيخا أو شابا، مسلما أو كافرا معاهدا من أهل الذمة وهم الكفار الذين يقيمون في الدول الإسلامية خاضعين لأحكامها الشرعية -غير العبادات- ملتزمين بمقتضيات عقد الأمان. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: « مَنْ قَتلَ قَتِيلًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، لَمْ يَجِدْ رِيحَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا »

هذا.. وما يقوم به علماء الغرب من ادعاءات الرقي والتقدم والتطور الإنساني في شتى مجالات الحياة، وخاصة فيما يتعلق بما يسمى « حقوق الإنسان »، التي تعتبر الوثيقة الدولية الصادرة بمدينة سان فرانسيسكو من الأمم المتحدة في يوم 26 يونيو عام 1945 التي تتألف من 30 مادة تتعلق بحقوق الإنسان المكفولة لجميع الناس، فهي وثيقة في الحقيقة لا تساوي الحبر الذي كتبت به، لجمودها عن التنفيذ النزيه، ولا يمكن أن تقارن من قريب أو بعيد بما شرعه الإسلام من وسائل لحفظ النفس وعصمة الدماء، فحقوق الإنسان لم تحظ بالعناية والتنفيذ بمثل ما حظيت به في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهود الخلفاء الراشدين من بعده، واستمرت مراعاتها عبر العصور الإسلامية المتعاقبة…

ففي الشريعة الإسلامية يعتبر حفظ النفس الإنسانية المعصومة من أهم مقاصد الإسلام، وإحدى الضروريات الخمس التي لابد منها لقيام مصالح الناس الدينية والدنيوية.

وقد يتساءل واحد كيف أن الشريعة تحرص على حفظ الدماء وهي توقّع عقوبة الإعدام في كثير من الحالات؟

الجواب لمثل هذا التساؤل هو أن الشريعة الإسلامية ما أوجبت عقوبة الإعدام في جريمة إلا وكانت فيها العقوبة المثلى، فمثلا في جريمة قتل العمد؛ شخصٌ ساقه هواه فاستخدم قُوّاه وقتل شخصا آخر بلا مسوغ شرعي يرعاه، فلا يوجد ما هو أعدل من أن يقتل قصاصا للمجني عليه وزجرا لغيره حتى لا يتجرأ ارتكاب هذه الفعلة الشنيعة.

والفطرة الإنسانية السليمة تحكم « أن العدل هو من قتل عدوانا  أن يقتل قصاصا »، وكما وافقت الشريعة فطرة البشرية في هذا الحكم تتوافق معها كذلك في جميع أحكامها، ولا غرو في ذلك لأنها تنزيل الله الذي خلق الانسان وأحسن خلقه.

والجرائم التي أوجبت الشريعة عقوبة الإعدام على مرتبكيها أربع.

  • القتل العمد: لأن القتل قد يحدث خطأ فتتحول العقوبة من القصاص إلى الدية أي الغرام المالي.
  • زنى المحصن؛ ولا تتحقق هذه الجريمة إلا بأمرين:
  • أ‌- كون الجاني متزوجا نكاحا صحيحا موجبا للعدة.
  • ب‌- اعتراف الجاني أو شهادة أربعة عليه وصفا بوصف.
  • الحِرابة؛ في بعض حالاتها.
  • البغي؛ وهي المعروفة بجريمة السياسة التي تزعزع أركان الدولة والأمن العام وتسبب الفتنة والفوضى في المجتمع
  • الردّة؛ وتكتمل الجريمة في حال جهرها والإساءة على الإسلام، وذلك لما يترتب عليه من الفتنة واستهان مبدإ التدين والتخاذل في السلوك والأخلاق.

وما عدى هذه فهو تعازير يراها القاضي مناسبة للحالة الماثلة أمامه.

(*)  كاتب وباحث في الشريعة والقانون في جامعة أفريقيا العالمية.

Laisser un commentaire

Votre adresse email ne sera pas publiée.

Ce site utilise Akismet pour réduire les indésirables. En savoir plus sur comment les données de vos commentaires sont utilisées.