القرآن الكريم كتاب حركة اجتماعيّة دينامكيّة

السماوي/ جبرائيل عائشة لي

 

يبدو أن المنهجية الثابتة الراكدة، والأسلوب الميكانيكي الّذي يستخدمه الكثير من الدّعاة والخطباء، في تفسير الدّين، وعدم الترّكيز على الجانب الديناميكي عند تناول تفسير القرآن الكريم، هو الذي جعل الفرد في المجتمع الإسلامي، وحتّى غير المسلم يعتقد بأنّ (القرآن الكريم) كتاب يختصّ بالحرام والحرام، بالجائز والممنوع، بالمندوب والمكروه، بالتبشير بالجنّة والتنذير من النار فحسب.

أكيد أنّ القرآن الكريم تناول قضايا الحلال والحرام بشكل واسع؛ لأنّه يمثّل (دستورا للمسلمين) الذي يشرع ويجرم (للإنسان المسلم) لكن عندما نمعن النظر، ونعيد قراءة صفحاته المقدّسة، التي يتدفّق منها نور وهدى، وعي وفكر، نجد أنّه ليس مجرد كتاب فحسب، بل إنّه (منهج حياة) كما يراه السيد قطب رحمه الله تعالى.

إنّه (القرآن الكريم) بوصلة للبشرية ونور للآدمية؛ بل إنّه حركة اجتماعيّة دينامكيّة يعالج جميع القضايا الإنسانيّة (الحياة، الإنسان، التاريخ، الحضارة، الاقتصاد، الحرب، العدالة)

فالله عزّ وجلّ عندما يسرد لنا قصّة موسى وفرعون؛ لا يريد منّا أن نركّز فقط على عصا موسى العجيبة ولا أن نضحك على فرعون الذي غرق في النّهر الذي كان يدّعي بملكيته {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف : 51] بل يريد أن يبيّن للإنسانية الصّراع القديم الطويل بين السياسي ورجل الدين، بين الطغاة ودعاة الإصلاح والتنوير، وكيف أنّ هؤلاء الطغاة يراهنون بكلّ شيء، من أجل البقاء في السلطة، ويصل بهم الحال إلى استخدام (السّلطة القضائية) لشرعنة قوانين خارجة عن مألوف البشر، لأجل تصدّي وتوقيف كلّ قوّة تأتي لهدم مصالحهم الشخصية (قانون تشريع قتل مواليد الذّكور في دستور فرعون أنموذجا)

وعندما يسرد لنا في (آل عمران) مرارة الهزيمة والقرح، في غزوة أحد، لا يريد منّا أن نبكي ونحزن على ما حلّ بالمعسكر الاسلامي هناك في جانب الجبل ؛ بل يريد أن يعطي للجمعيات والحركات الإسلامية رسالة تقول (أنّ كلّ جماعة أو جمعيّة أو حركة دينية إسلامية تجري وراء الدنّيا، وتهتمّ بالمادّة أكثر ممّا تركزّ على الوعي الفكري، وتنسى أصل قضيّتها وتتحرك حركة عمياء دون الاتكاء على خطط استراتيجية محكّمة، ستهزم من قبل الأعداء واللوبيات وقوى الظلام البعيدة عن ينبوع الخير والنّور؛ ولو كان في داخلهم أولياء الله عزّ وجل.

يريد منّا الله عزّ وجلّ أن نربي نفوسنا وأرواحنا في كلّ الجوانب بحيث لا يمكن اختراقنا، ولا يمكن للشيطان أن يغرينا بالدنيا ومتاعها، قبل أن نخسر القضايا المقدسة التي ندافع عنها، يعني أنّ القرآن الكريم يذكر لنا التاريخ والحضارة، ونتائجهما لنستطيع توظيفها في المستقبل

فيجب علينا أن ننطلق في تناول قراءة (القرآن الكريم) من استشعارنا واستحضارنا لكون الله عزّ وجلّ منزل هذا الكتاب العظيم من مكان علويّ طاهر مبارك وصف ( القرآن الكريم ) بالنّور، والهدى والرّوح، والشّفاء، فهو خالق هذا الكون وخالق النّاس الذين يعانون من المشاكل النّفسية والاجتماعية، والتربويّة، والأزمات ؛ وبرحمته الواسعة؛ جعل حلول كلّ هذه المشاكل الانسانيّة في هذا الكتاب العظيم {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ } [الأنعام : 38] فهو كتاب يهذّب النفس البشري ليزيل منه القلق والخوف، ويخاطب الوجدان ليكون قنديلا للإنسان التائه، ويربيّ الروح الآدمية ليصنع منها أسطورة ومعجزة، ويهمس في آذان عشّاق التفكير والتدبر ليعالج لهم قضاياهم، ولهذا فكلّما حسُن وارتقى (منهج التلقّي) لنبرات القرآن المجيد  ونستطيع استحضار همسات الله عزّ وجلّ خلف هذه الآيات التي يخاطبنا عبرها بكلّ شفافية ووضوح، كان الانتفاع به أعظم، وفهمنا للحياة أدق.

 

 

Laisser un commentaire

Votre adresse email ne sera pas publiée.

Ce site utilise Akismet pour réduire les indésirables. En savoir plus sur comment les données de vos commentaires sont utilisées.