العلامة الألباني وخصومه:

بقلم شيخ أحمد السنغالي.

لا يخفى على أبسط متابع أن العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني قد تراجع عن كثير من أحكامه على الأحاديث، ولما رأى ذلك بعض من ينتسب إلى التيارات المعادية، مثل حسن بن علي السقاف هاج وماج وجال وطلع بكتاب يدعي فيه أن الإمام الألباني قد تناقض، وفات المذكور أمور أذكر منها:

– أن الاشتغال بالعلم عموما، وعلم الحديث النبوي تصحيحا وتضعيفا على جهة الخصوص يفرض على أصحاب الضمائر الحية مراجعة الحق والانتهاء عنده؛ ذلك أن غياب طريق واحد من طرق رواية الحديث قد يفضي إلى حكم ما، وقد يقلب العثور عليها مخرجات العملية النقدية برمتها رأسا على عقب؛ لأجل هذا كان النبلاء ممن يتحلون بالشجاعة العلمية والأدبية كالشيخ ناصر لا يترددون في التراجع عن أحكامهم التي ظهر لهم الخلل فيها، والتاريخ حافل بتراجعات عمالقة العلوم وفرسانها من مختلف الأعصر والطبقات.

لقد تراجع الشيخ ناصر عن تقوية كثير من الأحاديث فكان بطلا، وفارسا شجاعا، وشجاعته أجبرته أن يأخذ بتلابيب الحق ولو جاء من خصومه، فقد رجع عن تقوية حديث التأذين في أذن المولود مستفيدا من خصم لدود للشيخ ومدرسته وهو حسان عبد المنان؛ ليلقن بذلك سقافا وأمثاله  درسا في الأخلاق والأمانة لم يستوعبوه مع الأسف الشديد !!

لقد تراجع أبو عبد الرحمان عن كثير من خياراته العلمية لأسباب منطقية فرضته، أذكر منها على سبيل المثال ما يلي:

– أن كثيرا من المصادر والمراجع في علم الحديث رواية ودراية لم يكن قد طبع، وكانت حركة البحث والنهضة العلمية التي نعيش خيراتها اليوم لم تبدأ بعد، بل إن شيخ ناصرا نفسه يعد واحدا من أبرز من أسس لهذه النهضة أو أبرزهم، وبدايات مرحلة التأسيس تلك كانت في غاية الصعوبة، مع قلة ذات اليد، وكثرة الخصوم من كل الاتجاهات، وكان الشيخ وحيدا في هذا الميدان حوله حفنة قليلة من الصحب والتلاميذ، ولك أن تتخيل شح المصادر في تلك المرحلة، وتخيل أن كتابا محوريا في علم الرجال في أهمية تهذيب الكمال، وغيره من أمهات كتب الفن لم يكن قد طبعت، وتخيل أن كتاب « شعب الإيمان » للبيهقي في فترة من حياة الشيخ لم يكن موجودا لا مخطوطًا ولا مطبوعا، فضلا عن البرامج الحاسوبية التي تضم عيون كتب التراث، وما تتيحه من خدمات متميزة توفر الجهد والوقت والدقة.

إن الفضل بعد الله سبحانه وتعالى فيما تقذفه الجامعات من أطروحات علمية بجودتها العالية في التخصصات الحديثية الدقيقة، وما يقوم به الباحثون من الدراسات الاستقرائية العميقة المتخصصة في موضوعات هامة من علوم الحديث وقضاياها المثيرة للجدل الفضل فيه يرجع إلى الشيخ محمد ناصر الدين الألباني وأمثال الشيخ رحمهم الله.

ولن أنهي كلمتي إلا  بهمسة في أذن من ينتقدون الشيخ نقدا فيه خشونة ممن ينتسبون لهذا العلم الشريف ولا أستريب في حبهم، أو أشك في تقديرهم للشيخ، فأقول لهم:(رفقا أهل الحديث بكباركم) ممن أسسوا نهضتكم، أنقدوهم، خالفوهم، لكن بلين، وأدب، ورفق، وحفظ للمقامات؛ لأنكم بهذه الجهود التي تبذلونها تستكملون مسيرة بدأها الشيخ وأمثال الشيخ، وأنتم امتداد لحركتهم التصفوية فلا تعكروا صفوها، وجمال منظرها، وبهاءها بأي شكل من أشكال العنف وقسوة التعبير !!.

ونقول لأحباب الشيخ ممن قد يتعصبون له فيمنعون أي انتقاد لعمله، أو الخروج عن تقريراته: إن العلامة محمد ناصر الدين الألباني عاش طول عمره شوكة في حلوق متعصبة المذاهب، سواء العقدية منها أو الفقهية، فكيف يطيب لكم أن تتورطوا في مرض قضى الشيخ عمره في استئصال شأفته من جسم هذه الأمة ؟؟، فعودوا – رعاكم الله – إلى مبادئ شيخكم، وأصول منهجه !!.

أما أهل الحقد والعداوة للشيخ ومنهجه بسبب داء التعصب المذهبي فنقول لهم: اربعوا على أنفسكم، فلن تستطيعوا إيقاف مسيرة الجيل، فقد عقدوا العزم على التوجه نحو النور، وعبق السنة، والدليل، أقرأوا ما شئتم من العلوم، فإن حججكم داحضة ما أقمتم على تعصبكم، ولتعلموا أن من رام تبرير التعصب والانحرافات فقد رام محالا، ومشروعكم من انهيار إلى انهيار أشد بإذن الله تعالى، والأيام بيننا  !!.

Laisser un commentaire

Votre adresse email ne sera pas publiée.

Ce site utilise Akismet pour réduire les indésirables. En savoir plus sur comment les données de vos commentaires sont utilisées.