الشيخ مختار كبي يكتب :رهانات متناقضة في انتخابات تركيا

 الشيخ مختار كيبي

 

لقيت الانتخابات التركية اهتماما بالغا ومتابعة عالمية واسعة النطاق لدواعي متغايرة و متباينة بين المعسكرات والدوائر …

ففي الدائرة الإسلامية توجهت الأنظار إلى التجربة التركية التي تحمل في طياتها نموذجا نهضويا يعيد الأمل في أوساط الأمة بعد انتكاسات ومؤامرات عرقلت مسيرة المشروع الإسلامي و سببت التردد والتساؤلات في صواب الخيارات الإصلاحية و الوجهة والقدرة على التصدي والاستجابة لأقدار الابتلاء وكفاءة القيادة للحفاظ على المكاسب وقيادة الجماهير لانتصارات جديدة وتحقيق قدر من تطلعاته في ظرف دولي تكالب فيه كل القوى لإجهاض المشروع ودفع التيار الإصلاحي للتنازل عن مقاصده ومراميه والرضا بالواقع المفروض عليه.

ولم يخطر ببال هؤلاء ولم يكن بحسبانهم أن الأمة بالرغم من الانتكاسات التاريخية المتكررة لديها مخزونا داخليا يجعلها قادرة على النهوض من جديد في قلب المواجهة فحين ينتكس المشروع في موضع ينتعش في آخر وحين يأخذ الشلل القلب تعود إليها الحياة من الأطراف .

وكان الانتعاش في هذه المرة من تركيا بما لها من ثقل تاريخي و رمزية تعيد إلى الأذهان الماضي القريب والبعيد تضاف إلى ذلك هيبة دولة وقوة لا تزال تتمدد ضاربة في الأعماق لتتبوء المكانة المرسومة بين الدول عند محطة ٢٠٢٥ والتي كل المعطيات تؤكد أنها ستحتل مكانتها في نادي الدول العظمى بشخصيتها المتميزة والمزعجة في أن واحد في إطار دبلوماسية مؤثرة و منحازة لقضايا الأمة بلا لف أو دوران هذا إلى جانب مواقفها الجريئة في الملفات الساخنة في المسرح الدولي وسلوكها في الرد على الكف بالكف و إن كان على أقوي الدول .

وكان حريا بمثل هذا الوتر الشاذ أن يوقف وبالشوكة أن تكسر قبل أن يقوى و لا خجل في استخدام كل الوسائل المتاحة للوصول إلى الهدف فكانت المحاولة الانقلابية الفاشلة والزعزعة الأمنية وضرب الاقتصاد إلى جانب الحملات الإعلامية المضللة والتشويه المتعمد لصورة الزعيم أردوغان بالتركيز على جوانب الضعف ومواطن الخلل في قيادته علما بأن الإدارة السياسية في دولة مثل تركيا بتحدياتها وتناقضاتها لا تخلو من هفوات بشرية ولكن هذه الهفوات تقبل حجمها لو قورنت بما له من إنجازات في كافة الأصعدة .

وحين أعجزهم كل هذه المحاولات حاولوا إثارة ملف عبد الله غول بقصد إحداث بلبلة في داخل الحزب من شأنها أن تضعف الحزب وتشتت الأصوات في قادم الانتخابات فخاب ظنهم فقد كان الرجل وطنيا إلى النخاع وجنديا متجردا للمشروع الذي شارك في رسم معالمه في كل المراحل و ضحى بالغالي والنفيس من أجل إثباته وتمكينه .

ولهذا وذاك صوبوا سهامهم إلى الرجل في هذه الانتخابات لعلها أن تصيبها في مقتل ولكن الرجل مقاتل شرس لا تلين له قناة فقد باغتهم بانتخابات مبكرة حيث كانوا يخططون لضرب الاقتصاد التركي لإخراج الرجل و إجباره على إنهاء الولاية في حالة من عدم الثقة المواطن التركي بقيادته الذي قد تفقده الانتخابات هذه المرة . و لقد فطن أردوغان بالخطة المبيتة ونادي لانتخابات مكبرة و كل الأوراق الرابحة في في يده بدءا بقدرة حزبية وآلية انتخابية فريدة إلى جانب مواطنة واعية تفهم المعادلات و تستطيع الصمود أمام المغريات ولا تغامر بمكتسبات وطنه إلى المجاهيل والتحالفات الموسمية غير البريئة إلى جانب إنجازات نهضوية جعلت تركيا رقما صعبا في الوسط الأوربي والدولي .

كل هذه المعطيات جعلت ظلال الانتخابات التركية تمتمد إلى كل أطراف العالم كما كانت لنتائجها صدى في كل الأوساط من متحامل مفاجأ وغيور مشفق و متآمر انكشفت عورته .

ولعل الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات هو حزب السعادة بكلما يجمعه مع العدالة والتنمية فقد جازف إلى تكتل غير مبرر بدعوى إسقاط النظام لعدم القدرة على تطبيق الشريعة في تركيا وكأن الشريعة قميص يفصل خارج إطار مجتمعي معين ثم يلبس وكأن الشريعة أحكام مجردة لا صلة لها بالواقع وفقه الممكنات و المآلات و ليست توجها كليا مجتمعيا يتدرج بالمجتمع ليؤهله لمراحل قادمة . ولعل في الولاية الجديدة لأردوغان مزيدا من الانفتاح وكسبا لمساحات جديدة مع العلم بأن هذه الولاية ستكون من أصعب ولاياته لأسباب داخلية وخارجية تفصل في ورقة قادمة إن شاء الله تعالى .

و هنيئا للعدالة والتنمية ولكل المؤيدين وللزعيم البطل رجب طيب أردوغان .

Laisser un commentaire

Votre adresse email ne sera pas publiée.

Ce site utilise Akismet pour réduire les indésirables. En savoir plus sur comment les données de vos commentaires sont utilisées.