الإمام علي بدر اندو – رحمه الله- مثال العالم الرباني والداعية الإسلامي.
بقلم الدكتور/ نجوغو امباكي صمب
إن الإمام علي بدر ندو رحمه الله تعالى كان من نعم الله تعالى الجليلة على الأمة الإسلامية عامة، وعلى الشعب السنغالي خاصة، وعلى الدعاة والمصلحين منهم على وجه أخص، فإن الله تعالى يمن على المؤمنين بالمجددين والمصلحين في كل فترة تنطمس فيه أنوار النبوة ومعالم الهداية، قال صلى الله عليه وسلم ((إن الله عز وجل يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها))، وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله, ينفون عنه تحريف الغالين, وانتحال المبطلين, وتأويل الجاهلين)).
وإني لأظن أن فقيدنا الغالي الإمام علي بدر اندو رحمه الله كان على خطى أولئك المجددين والمصلحين إن شاء الله تعالى، وذلك لما حباه الله تعالى من صفات العلماء الربانيين والدعاة المهتدين، جعلته جديرا بأن يكون من ورثة الأنبياء وأئمة المتقين وقادة المجاهدين.
وفيما يلي ذكر لأهم الصفات القيادية والملامح الإيمانية التي قل ما تجتمع في شخص رجل واحد، وقد رزق الله هذا الإمام الداعية الفذ من هذه الصفات والملامح نصيبا وافرا، فقد كان رحمه الله :
– رجلا قرآنيا.
حفظ كتاب الله تعالى عن ظهر الغيب، وأحسن ترتيله وتأويله، وأقام ما استطاع من حروفه وحدوده، ولم يكتم ما علمه الله تعالى من أحكامه وهداياته، ولم يشتر بآيات الله ثمنا قليلا، مصداقا قوله تعالى{الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا}، ولقد سمعت من رفيق الإمام علي بدر ندو رحمه الله الإمام الداعية أحمد دام انجاي حفظه الله وصفا دقيقا لشجاعة الإمام المرحوم، لما قال في برنامج خاص بعد خروجه من السجن (( كان سجن الإمام علي بدر اندو ابتلاء وامتحانا لجميع الأئمة والدعاة، والحمد لله أن وقع الابتلاء والامتحان على شخص الإمام علي اندو، وإني لأخشي أنه لو وقع على غيره لتراجع عن عقيدته ومبادئه)).
– داعية سنيا.
إن من توفيق الله لمن يشتغل بالدعوة إلى الله ويتصدر للتربية والتعليم أن يكون متبعا للسنة ومجتنبا للبدعة، قال تعالى{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، وقد كان الإمام علي بدر اندو رحمه الله مجتهدا في الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في أفعاله وأقواله ومنهجه في التغيير والإصلاح، بعيدا عن الإفراط والتفريط.
ولكن كان صريحا في كلماته وجريئا في مواقفه، داعية إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، وكلما خاض معركة ضد الباطل وجنده استدعى أحداث السيرة النبوية المطهرة، واستلهم منها الدروس والعبر، لأنه كان يدرك تماما أن أعداء الإسلام الذين كانوا يعادون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويصدون عن سبيل الله هم الأعداء أنفسهم الذين يحاربون الإسلام اليوم ويفتنون المسلمين عن دينهم، وهم (الكفار، والمشركون، والمنافقون).
– عالما بالواقع.
ولقد تميز الإمام علي بدر اندو رحمه الله بفقهه العميق للواقع الذي يسعى لتغييره وإصلاحه، ولابد للداعية أن يجمع بين فقه الشرع وفقه الواقع، فإذا علم بالشرع ولم يعلم بالواقع لم يحسن تنزيل ما علم من الشرع في الواقع، وإذا علم بالواقع ولم يعلم بالشرع لم يحسن تغيير الواقع وإصلاحه بالشرع، قال ابن القيم رحمه الله(( ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم، أحدهما فهم الواقع والفقه فيه…، والنوع الثاني فهم الواجب في الواقع وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه، أو على لسان رسوله، ثم يطبق أحدهما على الآخر))، ويعد الإمام علي بدر اندو رحمه الله إلى جانب تكوينه الشرعي القوي : من كبار المثقفين والمطلعين على الأحداث والقضايا الدولية والإقليمية والوطنية المختلفة، عالما بتاريخ الدعوة والإصلاح، ومطلعا على تجارب الدعوات الإصلاحية والحركات النضالية في العالم الإسلامي، وواعيا بشبهات العلمانيين ومكائد الماسونيين، أعداء الإسلام والمسلمين.
– فقيها في الأولويات.
ورغم كثرة الجبهات وتنوع المعارك التي كان الإمام علي بدر اندو رحمه الله يخوضها، فقد كان رحمه الله فقيها في الأولويات، يفرق بين الساحات، وينوع في الأساليب والأدوات، غير متعجل في المراحل والخطوات، فكان رحمه الله قدوة ل « القراء »، ورمزا ل « الأئمة والدعاة »، وركنا شديدا ل « حماة الأخلاق والقيم »، وشأنه في ذلك كله شأن المجاهدين المخلصين الذين وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول ((طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع)).
– حريصا على وحدة المسلمين.
من أهم صفات الإمام علي بدر اندو رحمه الله حرصه على وحدة المسلمين واجتماع كلمة الدعاة والمصلحين، ينادي بها في كل مناسبة، ويذكر بها في كل سانحة، وذلك لما ترسخ عنده من قناعة ويقين بوجوب الوحدة والاجتماع، وضرورة التعاون والتآزر رغم الاختلاف والتنوع، فالمسلمون عنده أمة واحدة مثلهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، ولذلك كان الإمام علي بدر اندو رحمه الله على صلة وثيقة بالطرق الصوفية والجمعيات الإسلامية وروابط الأئمة واتحادات الجمعيات القرآنية، يتعاون مع كل واحد غيور على دينه فيما ينفع الإسلام والمسلمين، غير متنازل عن مبادئه ومتساوم في قناعاته .
– صابرا محتسبا.
ابتلي الإمام علي بدر اندو رحمه الله تعالى بالسجن ظلما، وأوذي في السجن بألوان من الأذى النفسي والجسدي، ولكنه صبر واحتسب، وعفى عمن ظلمه، ورفض ما اقترحه محاموه من المطالبة بأي حق ممن سجنوه ثلاث سنوات، واتهموه زورا بالإرهاب، فبرأه الله مما قالوا، فخرج من السجن ثابتا كالطود، وضيقوا عليه ومنعوه من إكمال بناء مدرسته، وكتب الله له القبول في الناس، فانتشرت خطبه ودروسه ومحاضراته، وسخر الله له وسائل الإعلام، فبثت مقابلاته وتعليقاته على الأحداث .
إن قصة محنة الشيخ علي بدر اندو رحمه الله ملحمة مليئة بالعظات والدروس، وتستحق أن تكتب عنها المقالات والكتب والرسائل العلمية والقصائد الشعرية.
– وأخيرا :
هذه شهادة من محب في الله للإمام علي بدر اندو رحمه الله، مفجوع بوفاته وحزين على فراقه، وهذا ما علمت من سيرته منذ لقائي به أول مرة في مدينة كولخ سنة 1998م – فيما أحسب- أثناء حملة انتخابية لمناصرة المرشح إبادير تيام رحمه الله.
أقول هذا، والله حسيبه، ولا أزكي على الله أحدا .
رحم الله الإمام علي بدر اندو، وألحقه بالنبيين والصديقين والشهداء، وحسن أولئك رفيقا، اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة، وأبدله خيرا من أهله وداره، واجعل القرآن الكريم أنيسه في الوحشة، وشفيعه يوم الحسرة، واغفر لنا وله ولسائر المسلمين والمسلمات، واخلفه في أهله وإخوانه من الأئمة والمصلحين والدعاة.
اللهم آمين.