في الطريق إلى 2019 هزيمة القيم الأخلاقية
عبد القادر انجاي عبد الرزاق
عادة ما تنظر المجتمعات البشرية إلى زعاماتها ذات الشأن بعين الإعجاب و تميل إلى الاقتداء بها في عاداتها و نمط حياتها لما ترى فيها من عناصر الجدارة و العظمة و الإبهار أو بحسب تعبير ابن خلدون: فالناس يرون في زعاماتهم خصلة الكمال التي بوأتها منازلها المتقدمة في الحياة فاستحقت بذلك الإعجاب و من ثم الاقتداء.
و في هذا السياق صاغ ابن خلدون نظريته: (اقتداء المغلوب بالغالب) و عقد لها فصلا خاصا في المقدمة ذيَّله بقوله: (وتأمَّل في هذا قولهم.. العامة على دين الملك فانه من بابه، إذ الملك غالب لمن تحت يده، والرعية مقتدون به لاعتقاد الكمال فيه، اعتقاد الأبناء بآبائهم، والمتعلمين بمعلميهم) المقدمة (1/66)
و قد عبَّر النبي صلى الله عليه و سلم عن عظم خطورة الزعامات الفاسدة على الأمة و ضررها البالغ عليها و بيَّن أنها من أكبر الأخطار التي تهدِّد كيان الأمة المادي و الأدبي من بعده فقال: (أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون) السلسلة الصحيحة (4/109)
و عندما سألت امرأة أبا بكر الصديق رضي الله عنه فقالت: ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية؟ قال: بقاءكم عليه ما استقامت به أئمتكم قالت: و ما الأئمة؟ فقال: أما لقومك رؤوس و أشراف يأمرونهم فيطيعونهم؟ قالت بلى قال: هم أؤلئك على الناس , البخاري (5/42)
و قال عمر رضي الله عنه و هو على فراش الموت: اعلموا أن الناس لن يزالوا بخير ما استقامت لهم أئمتهم و هداتهم . فضيلة العادلين لأبى نعيم (1/151)
فهناك علاقة جدلية بين زعامات المجتمع و الأخلاق فحين يكون رجال الحكم على مستوى عال من الأخلاق و الفضيلة تسرى روحهم الخيرة في المجتمع فتنمو فيه السلوكيات الايجابية و أما حين يكونون على درك سافل من الانحطاط و التدني تسرى روحهم الشريرة في اللاّشعور الجماهيري فيندفع أكثر فأكثر نحو الفساد . و قد لاحظ الفيلسوف السياسي عبد الرحمان الكواكبي الدور المحوري الذي يلعبه رجال السياسة في بناء الأخلاق أو هدمها فقال : الأخلاق أثمار بذرها الوراثة و تربتها التربية و سقياها العلم و القائمون عليها هم رجال الحكومة بناء عليه تفعل السياسة في أخلاق البشر ما تفعله العناية في إنماء الشجر (طبائع الاستبداد/66)
فرجال الحكم بفضل مواقعهم السياسية النافذة يملكون أدوات التأثير على الرأي العام من أبواق إعلامية تبرر أعمالهم و سلطات تنفذ رغباتهم بالإضافة إلى مغريات مادية من مال و ثروة و مناصب تدفع النخب و الجماهير إلى الاتجاه الذي يريدونه. و حين يكون كل هذه الأدوات بيد سلطة فاسدة فإنها لا شك ستدفع المجتمع إلى حافة الفساد و الانحراف .
و هذا ما نشاهده في حكم السيد ماكى صال الذي حطَّم الأرقام القياسية في الفساد و الرشوة و المحسوبية و برع في إخلاف الوعود و تزوير الحقائق و تضليل الشعب في نفقات الدولة . و لقد أصبحت خيانة المبادئ و غدر الأحزاب و نكث العهود و إخلاف الوعود في عهده سلوكا لا يثير الغرابة في المجتمع لأنه تعود عليه و لا يثير أي إزعاج لدى أهله و لا يسبب لهم العار لأنه ليس فحسب لا يعرِّضهم لسخرية المجتمع و ازدرائه لهم و إنما يجد محفزات له من إعلام الحكومة و أموالها و مناصبها .
فالقيم الأخلاقية في المجتمع السنغالي تلقت هزيمة منكرة في حكم السيد ماكى صال و هي هزيمة لا تقل خطرا عن الخسائر الفاضحة التي تكبدتها الدولة في ثرواتها و في مجال الديمقراطية و الحريات و حقوق الإنسان لأنها هزت البنية الهوياتية للمجتمع و أهم ما كان يتميز به الإنسان السنغالي من الشهامة و الأنفة و الفضيلة.
و ليس هناك من طريق للتعافي من هذه النكبة الأخلاقية إلا اللحاق بموكب التغيير الذي جعل من الخلٌق دعامة لمشروعه و صاغ من ممارسة السياسة بشكل مختلف شعارا للمستقبل.
أحسنت! وقديما قالوا:
“الناس على دين ملوكهم”