كلمة الله هي العليا للشيخ أحمد امباكي غيندي فاطمة (شرح وتحقيق) الشيخ انجوغو امباكي صمب: الجزء الخامس والأخير

 

 الجزء الخامس والأخير

وقال المصنف رحمه الله تعالى :

وطاعة أولي الأمر لا تجب على إلاّ في حدود ما أمر به الله ورسوله ، فمن أمر بما يوافق الكتاب والسّنة فطاعته واجبة ، ومن أمر بما يخالفهما فلا سمع ولا طاعة, وهذا ما يقوله الرّسول صلى الله عليه وسلم (( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق))  ويقول (( السمع والطّاعة على المرء في ما أحبّ وأكره إلا أن يؤمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة )).

الشرح والتعليق .

وهذه وقفة مهمة مع أهم وأخطر شبهات المعطلة لأحكام الشرع ، وهي شبهة (طاعة ولي الأمر وعدم الخروج عليه ) ، فكم تذرع بها عالم سلطان وجاهل ومتبع لهوى ، في السكوت على عمليات التغيير والتبديل لشرع الله تعالى ، وعدم إنكار منكرات السلاطين والتحذير من الفساد السياسي .

فالمعارضة السياسية للحكم الجائر إذا كان وفق الضوابط الشرعية ، فهي داخلة في النصيحة لولاة الأمر ، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وفي القيام لله بحجته ، فعن كعب بن عجرة ، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أعيذك بالله يا كعب بن عجرة من أمراء يكونون من بعدي، فمن غشي أبوابهم فصدقهم في كذبهم، وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه، ولا يرد علي الحوض، ومن غشي أبوابهم أو لم يغش ولم يصدقهم في كذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم، فهو مني وأنا منه، وسيرد علي الحوض )) [124] ، و عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قال إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله )) [125] .

والناس في هذه المسألة طرفان ووسط ، فأما الطرف الأول فهم من ذهب مذهب المرجئة الذين يقولون بأنه لا يضر مع الإيمان معصية ، ولسان حال هذا الطرف أنه لا يضر مع إسلام الحاكم أوالأمير ظلم ولا جور .

ويقابله في التطرف من ذهب مذهب الخوارج الذين يكفرون بالمعصية ، ولسان حالهم بل وقالهم أن الحاكم المسلم إذا ظلم أو جار في الحكم خرج من الملة وحل دمه .

وتوسط فريق ، وهم من ذهب مذهب أهل السنة والجماعة والعدل والإنصاف بأن من ظلم وجار من حكام المسلمين وأئمتهم ينصح ويؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، وخاصة فيما يتعلق بوظيفتهم من تأدية الأمانات إلى أهلها ومن الحكم بالعدل ، ويطاعوا في غير ما ظلموا فيه وجاروا ، ولا يخرج عليهم بالسيف ، إلا بالكفر البواح والردة الصريحة ، مع اشتراط القدرة وتحقق المصلحة ، و حسب ما تقتضي أحوالهم من كونهم مخطئين أو جاهلين ، أو عامدين أوعالمين ، ومن غلب فيه العدل والصلاح ، أو من غلب فيه الظلم والطغيان ، فليس هؤلاء سواء في الطاعة والحب والموالاة والنصرة ، والله أعلم .

ثم بين المصنف رحمه الله تعالى بأن الطاعة الشرعية للأمراء والحكام فيما يأمرون به ويسنونه من قوانين ويعملون به من سياسات لا تكون إلا في المعروف ، وهو ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ومن أمر بخلاف ذلك فلا سمع له ولا طاعة ، واستدل في قوله رحمه الله تعالى ، بقوله صلى الله عليه وسلم (( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق )) [126] ، ويقول (( السمع والطّاعة على المرء في ما أحبّ وأكره إلا أن يؤمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ))  [127].

وقال المصنف رحمه الله :

وأولو الامر ليس لهم سلطان نظر ولا بحث في العقائد والعبادات ، والحاكم الوحيد في هذه الأمور هو الله القائل: { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ } [128] ، وليس لأي مسلم إلاّ اتّباع الشّريعة المحمدية التي لا تغيرها كثرة الحوادث ولا اختلاف البيئات , فقد قرر الله أحكامها وأكمل تعاليمها وقال{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } [129] .

الشرح والتعليق .

وزاد في البيان والتوضيح بتحديد سلطة الحاكم ، وذكر بأن ليس له سلطان نظر في العقائد والعبادات ، وإنما سلطاته في التشريعات و السياسات ، وتشريع القوانين التي يتحاكم إليها داخلة في باب العقائد ، وذلك من جهة كون التشريع حقا خالصا له تعالى ، وليس للحاكم إلا الحكم بالشريعة فقط .

وللإمام النظر فيما يحقق المصالح مما لا نص فيه ولا إجماع ، ويقوم الإمام حسن البنا رحمه الله تعالى (( ورأي الإمام ونائبيه فيما لا نص فيه ، وفيما يحتمل وجوها عدة ، وفي المصالح المرسلة معمول به ما لم يصطدم بقاعدة شرعية … )) [130] .

وذكر رحمه الله تعالى علة حصر نظر الإمام في التشريعات والسياسات المتعلقة بالاجتهادات والمصالح ، دون العقائد والعبادات ، بأمرين وهما :

  • أمر الله تعالى باتباع الصراط المستقيم وترك السبل المتفرقة .

فمن الوصايا الربانية والتعاليم الإلهية الأمر باتباع الصراط المستقيم ، وترك السبل المتفرقة ، قال تعالى { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [131] ، و يدخل في ذلك الحكم بما أنزل الله تعالى والعمل بشريعته المطهرة من كل عيب أو نقص ، مع ترك النظر فيما خالف ذلك من القوانين والمناهج والطرائق والأساليب ، كالاشتراكية ، والرأسمالية ، واللبرالية ، والعلمانية ونحوها ، وقال القرطبي رحمه الله تعالى (( وهذه السبل تعم اليهودية والنصرانية والمجوسية وسائر أهل الملل وأهل البدع والضلالات من أهل الأهواء والشذوذ في الفروع )) [132] .

  • كمال الشريعة وتمامها .

فالشريعة الإسلامية شريعة كاملة وشاملة لكل ما يصلح شؤون الحياة ، ولا حاجة للمسلمين إلى غيرها من الشرائع ، قال تعالى { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } [133] ، قال الشوكاني رحمه الله تعالى أي (( جعلته كاملا غير محتاج إلى إكمال ، لظهوره على الأديان كلها وغلبته لها ، ولكمال أحكامه التي يحتاج المسلمون إليها من الحلال والحرام والمشتبه))[134]. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب ، أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتب ، فقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم فغضب وقال ))أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به ، أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا، ما وسعه إلا أن يتبعني )) [135] .

وقال الإمام حسن البنا رحمه الله تعالى (( الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا ، فهو دولة ووطن ، أو حكومة وأمة ، وهو خلق وقوة ، أو رحمة وعدالة ، وهو ثقافة وقانون ، أو علم وقضاء ، وهو مادة أو كسب وغنى ، وهو جهاد ودعوة ، أو جيش وفكرة ، كما هو عقيدة صادقة ، وعبادة صحيحة ، سواء بسواء)) [136] .

وعليه فلا يحل للحكام والأمراء ولا للشعوب والمجتمعات ، اقتباس واستيراد شيء من أنظمة وطرائق الحكم المخالفة للشريعة الإسلامية  ، قال تعالى { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } [137] .

أما ما يتعلق بالأساليب والتراتيب الإدارية التي لا تخالف الشريعة الإسلامية ، ومن شأنها أن تحقق المصالح للمسلمين ، فلا بأس من الاقتباس والإفادة منها ، لأنها من الأشياء المستعملة في الحياة ، والأصل فيها الإباحة ، لكونها من المشترك الإنساني التي لا تختص بها أمة من البشر دون أخرى ، ومن مأثور الحكم ((الحكمة ضالة المؤمن يأخذها إذا وجدها )) [138] .

وختم المصنف كلامه في هذه الرسالة بقوله :

والله يدعوا إلى دار السلام ، ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ، والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته  .  

الشّيخ أحمد البكي .

الشرح والتعليق .

وكما كان بارعا في الاستهلال وموفقا في الافتتاح ، كان بارعا في الاختتام وموفقا في الانتهاء ، حيث اقتبس من كلام الله تعالى خاتمة تناسب المقام ، وهي قوله تعالى { وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }[139] ، و قال السعدي رحمه الله تعالى ((عم تعالى عباده بالدعوة إلى دار السلام، والحث على ذلك، والترغيب، وخص بالهداية من شاء استخلاصه واصطفاءه، فهذا فضله وإحسانه، والله يختص برحمته من يشاء، وذلك عدله وحكمته، وليس لأحد عليه حجة بعد البيان والرسل، وسمى الله الجنة “دار السلام” لسلامتها من جميع الآفات والنقائص، وذلك لكمال نعيمها وتمامه وبقائه، وحسنه من كل وجه ))[140].

وكأن المصنف رحمه الله يريد أن يقول بلسان حاله أن قد قام بما يقدر عليه من واجب النصيحة ، وبيان حكم العمل بقانون الأحوال الشخصية المخالف للشريعة الإسلامية ، وقد برئت ذمته بذلك ، وأما التوفيق للهداية وقبول النصيحة فإن ذلك بيد الله تعالى .

خاتمة .

إلى هنا انتهى ما قصدته من الشرح والتعليق على رسالة الشيخ أحمد مبكي غايندي فاطمة رحمه الله تعالى ، والله ولي التوفيق .

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، و صلى الله على النبي محمد

وعلى آله وصحبه .

 

 

الهوامش والإحالات:

 

[124] سنن الترمذي ، 2 / 512 ، و المعجم الكبير للطبراني 19 / 105 ، وصححه الألباني في التعليقات الحسان على صحيح بن حبان ، 1 / 330 ، الناشر دار با وزير للنشر والتوزيع ، جدة 1424 هـ

[125] المعجم الأوسط للطبراني 4 / 238 ، والمستدرك للحاكم ، 2/ 103 ، وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه .

[126] المعجم الكبير للطبراني ، 18 / 170 ، الناشر مكتبة ابن تيمية – القاهرة ، شرح السنة للبغوي ، 10 / 44 ، الناشر المكتب الإسلامي –بيروت 1403 ه ، وصححه الألباني  في المشكاة 2 / 1092 ، وغيره

[127]صحيح مسلم برقم ( 1839 )

[128] سورة الأنعام ، الآية 153

[129] سورة المائدة ، الآية 3

[130] الأصول العشرون مع الشرح العراقي ، للشيخ عبد الكريم زيدان ، ص 14 ، الناشر مؤسسة الرائد العراقية . ( بدون تاريخ نشر)

[131] سورة الأنعام ، الآية 153

[132] الجامع لأحكام القرآن ، 7 / 138

[133] سورة المائدة ، الآية 3

[134] فتح القدير ، للشوكاني 2 / 13 ، الناشر دار ابن كثير –بيروت 1414 هـ

[135] مسند أحمد ، 23 / 349 ، وقال محققوه إسناده ضعيف . والسنة لابن أبي العاصم ، 1 / 27 ، الناشر المكتب الإسلامي –بيروت 1420هـ .

[136] الأصول العشرون مع الشرح العراقي ، ص 3 .

[137] سورة المائدة ، الآية 50

[138] مصنف ابن أبي شيبة ، 7 / 240 ، الناشر مكتبة الرشد –الرياض 1409 هـ

[139] سورة يونس ، الآية 25

[140] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ، تأليف الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي ، ص 362 ، الناشر مؤسسة الرسالة 1420هـ

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.