نبذة عن حيَاة الشيخ أحمد امباكي غايندي فاطمة

(*) سرين امباكي جوب خضر الطوباوي.

ما زال الإسلام يجود بأهل السنغال بالعلماء الأجلاء من الشخصيات الذين طلقوا الدُّنيا وخافوا فِتنا، وباعوا حياتهم لابتغاء مرضاة الله عزوجل وأقبلوا إلى الله قلبا وقالبا ، وتركوا وراءهم بَصمات الذكريات المُمتعة الرّائعة؛ لأنهم ساسُوا عيال الله بأحسن السّياسة طوال حياتهم إلى أن لبّوا دعوة الحق، ولذلك سَنحاول تسليط الضوء على سيرة أحد القادة الصوفية المريدية وكبار المريدين المفكرين والدعاة الإصلاحيين وهو الشيخ أحمد امباكي غايندي فاطم – رضي الله عنه- .
1- ولادته ونشأته:

هو الشيخ أحمد امبكي المعروف بِـ (سرين شيخ غايندي فاطم امبكي) نجل الشيخ محمّد المصطفى امبكي ابن الشيخ أحمد بمبا امبكي.

سمّاه والده بجدّه الكريم الشيخ الخديم و المجدّد المجيد – رضي الله عنه- واسم والدته السّيدة فاطمة جوب بنت أَحمد مَخُريجَ جوب، و للمتَرجِم له إخوة و أخوات من جهة أمّه هذه وهم: السيّد مام مور أنت سَلِ امبكي، والسيّدة عائشة امبكي، اللذان توفيا في ريعانة شبابهما، والسيّدة سخن خد فاطم امبكي – أطال الله بقاءها- .

ومن نافلة القول إنه ينحدر من أسرة ميمونة متدينة ومحترمة في السنغال.

ولد الشيخ أحمد امبكي غايندي فاطم في مدينة طوبى المحْروسَة في شهر شعبان سنة 1331ه‍ 1913م.

2- مرحلة تعلّمه:

فلما بلغ سنَّ التعلُّم بعثه والده الكريم إلى جدّه بجُربل فابتدأ علي يديه القرآن الكريم مع أخيه سرين امبكي مدينة، ثم جاءا من هناك إلى حسن المآب (تِندودِ) للتّنهُّل من مناهِل الشيخ مختار آل لوح، 1922 – 1926م وفي هذا العام الأخير بعثهما الشيخُ محمّد المصطفى امبكي إلى العالم الكبير سرين مختار كَيار جينغ ليواصلا دراساتهما لكتاب الله، زار بصُحبة أخيه الشيخ امباكي مدينة بعدما وفقهما الله حفظ كتابه الشريف وبأذن من أبيهما الشيخ الخديم في جُوربيل حيث استظهرا بإذنه سُورة لقمان والسَّجدة، وتعلّما على يد إمام جامع طوبى العالم الرّباني الشيخ حبيب امباكي، ثم التحقا بمدرسة الشيخ أحمد دم الجوربلي لدراسة العلوم الشرعية واللغوية، وفي عام 1930م بعثهما الشيخ محمّد المصطفى امباكي إلى موريتانيا عند أحد البياضين الشيخ مختار حسن بن الحسن جينغ – الذي أعطاه الشيخ الخديم الورد المأخوذ – لتعميق دراساتهما في اللغة العربية، وقد لبِثا في المدينة ما يناهز ثلاث سنوات مستزيدين من العلم والتلقي، وقد قال الشيخ أحمد ولد الحسن للشيخ محمد المصطفى امباكّي – رضي الله عنهما-:” ولد لك من بِكريك نفسك وأبوك “. ثم قفلا إلى مسقط رأسهما عام 1933م.

وعلاوة على ذلك، كان الشيخ أحمد امبكي غايندي فاطم متمكنا في اللغة الفرنسية ومتضلعا كلّ التضلع فيها، وبعد رجوعهما إلى طوبى في تِندُودِ ربّاهما الشيخ محمّد المصطفى امبكي تربية إسلامية في مدة قصيرة، ثم أرسل كلاّ منهما إلى مدينة من المدن التي أسسها للعلم والعبادة والتربية والعمل، فارتحل المترجم له إلى مدينة “نَيْدَ” عاكفا على التعليم والعمل والعبادة والتربية إلى أن انتقل الشيخ محمّد المصطفى إلى جوار ربه راضيا مرضيا سنة 1945م.
و كان قبل وفاة والده يرتاد بين هذه المدينة ومدينة طوبى.

3- أبرز معالم شخصيته ودوره في نشر العلم والمعرفة والعمل:

كان الشيخ أحمد امبكي عالما كبيرا، و داعيا إلى الله، كثير الصمت، مُهابا في قومه، وذا مقام نابه لدى الشعب السنغالي وسائر الشعوب، و كان كاملا في خَلقِه و خُلقِه كما أشار إلى ذلك الشاعر النحرير مالك محمّد الهادي طوري:
فكاملٌ في نسبٍ و حسبٍ = و كاملٌ في شرفٍ و رُتبٍ
و كاملٌ في خُلقه و دينه = و كاملُ في مجده و صِيته

و كما كان حَليما صبورا، كان صائبَ الرّأي، بحر الجُود للمستنجَد، و بحر الهدى للحائر المسترشد، وفائقا في حبّ الشيخ الخديم – رضي الله عنه- وكان بطلا مغورا باسلا، يلتزم ترتيل الذكر الحكيم، و كان قدوةً حسنةً في لِبسِه ومشيه وقوله وأفعاله، طيّبَ القلب وواصلَ الرّحم، ويحمل الكلّ، و بالغ الحفاوة والإكرام للضيوف الوافدين إلى داره من المستمطرين والمعوزين و ينقف إليهم أموالا هائلة من القناطير المقنطرة للداني والقاصي كما قال الشاعر في مرثيته:
و في مجال الجودِ كان مُخجِلاً = حاتِمَ طيٍّ كلّ وقتٍ نوَّلا
في جِيله قد كان شيخ الأسخياء = علّمهم معنى العطا بلا ريآ
لم يعرفوا السّخاءَ قبل عهده = لم يعرفوا الإحسان قبل عصره
شِيخْ امبكى كان يُكرم الضيوفا = يَهديهم يَهدي بهم ألوفا
يهدي الجِياد والقصور والسَّيا = راتِ و كان للجروح داسِيا
كان مُغيث المعوزين موئلا = للبائسين قطُّ لم يبُح بـ: لاَ
باني القصور في القرى والمدن = لكلّ مسلم عديم السكن

وكان يساند طلاب العلم قاطبة سواء من المريدين أو من غيرهم. سافر الأفواج الكثيرة إلى البلاد العربيّة كقطر ومصر ولبنان والمغرب بفضل المجهودات الجبّارات التي كان يبذلها في المجال العلميِّ كتقديم المنحِ الدِّراسيّة إليهم ليُواصلوا دراساتهم العليا من حمَلة الشهادات الابتدائية و الإعدادية.

قبل أكثر من 30 عاما فكّر الشيخ أحمد امبكي في إنشاء جامعة عملاقة، فاقتطع في مدينة بَوُل مساحةً عريضةً من الأراضي لهذا الغرض، كما صرّح بذلك في تسجيل صوتي، أجرى الحوار معه الشيخ محمد المحمود انيانغ – حفظه الله و رعاه- كما ذكر من خلاله حرصه الشديد على تربية النشئة و تعليم أبناء المسلمين و تثقيفهم. وقد كان الشيخ أحمد امبكي – كما هو معروف لدينا- مطبوعا على حبّ العلم والمعرفة، واسع الاطلاع، مفكّرا في قضايا المسلمين، كرّس حياته في خِدمة الإسلام وذويه، و كان يسعى دوما في كلّ ما من شأنه ازدهار وتطور الإنسانية، فهو مِمّن يعتقدون أنّ التّقدم و الرّقِيَّ لن يتمّا إلاّ بالعلم بجميع فُنونِه، الأمر الذي دعاه إلى انشاء مُؤسِّسته التعليمية في ظروف عصيبةٍ كانت البِلاد يومها تحت النيّر الاستعماريِّ.

فقد تمّ إنشاء معهد الدروس الإسلامية بجوربل – رسميا- على يده، الذي أحد رواد حركة النهضة الإسلامية في السنغال في عام -1962م. و يجدر التقمين هنا بأنّ الشيخ أحمد افتتح فصولا للتدريس في عام 1956م في المكان الذي تقع فيه – حاليا – المدرسة الفرنسية بطوبى دار القدوس و عيّن أخاه الشيخ صالح ابن الشيخ محمد المصطفى امبكي الشاعر المفلق، و الشيخ شيخ سَيْ الذي كان إماما في المسجد العتيق بدار القدوس – مدرسيْن فيهما إلاّ أنّه لم يُكتب لهذه المدرسة البقاء، فقد أغْلقَت بعد حينٍ لظروف سِياسية؛ الأمر الذي أدّى به إلى نقل المدرسة إلى جوربيل .

وفي العام الدراسي: 1967م – 1968م بدأ خرّيجو المعهد يحصلون على منح دراسية من البلاد العربية الإسلامية وقد تخرّج منهم حتى الآن ما يربو على المائتين (200) من حملة الشهادات العليا (الدكتوراه، الماجستير، اللسانس) يحتلون مناصبَ عليا في جميع الميادين: مهندسون في مجالات شتَّى كالطيران، وعلم البحار… جامعيون… أئمة… أساتذة… إلى جانب الألوف من حملة الشهادات الابتدائية والمئات من حملة الشهادات الإعدادية و الثانوية و آخرون في مآرب أخرى. (وكانت الدولة برئاسة سنغور تلزمهم بتوقيع وثيقة تتضمن أن لا حقوق لهم على الدولة، ولكن الدولة احتاجت إليهم بعد عودتهم، وعيَّنت بعضهم في مناصب عالية.)

وقد تخرج من هذا المعهد عددٌ غفيرٌ من حملة الشهادات العليا منذ نشأته إلى الوقت الرّاهن ونذكر منهم هؤلاء:

1- السيّد/ الشيخ عمّار جوب، مفتش التعليم العربي والمدير العام للمعهد سابقا.

2- السيّد عبد الرّحمان جوب، مترجم في منظمة المؤتمر الإسلاميِّ، و هو حاليا سفير السنغال في أبوظبي.

3- مام مور دِم، مترجم في منظمة المؤتمر الإسلاميّ.

4- مصطفى عبد الرحيم دِم، مترجم في منظمة الوحدة الإفريقية.

5- الإمام امبي انيانغ، مؤسّس الحزب السِّياسيّ (MRDS) ومتخصص في هندسة الطيران، يعمل موظفا في أَسِكْنَا ( achékna)

6- السيّد مصطفى جوب، المدير العام للمعاهد، متخصص في التربية.

7- السيّد شيخ انجاي قَطر، متخصص في علم الطاقة الشمسية.

8- السيّد مصطفى لوح، أستاذ و مدير شركة سُوسَاكوم سابقا.

9- السيّد شيخ غومبيَا، متخصص في علم المحيطات.

10- السيّد موسى امبكي، كاتب عقود. وهو ابن المترجم له ورئيس جمعية خريجي معهد الدروس الإسلامية.

11- السيّد إبراهيم انيام، أستاذ في : (Ecole Polytechnique deThiès)

12- المرحوم السيّد إبراهيم صار، أستاذ .

13- السيّد شيخ امبكي جينغ، مفتش التعليم العربي في امبكي.

14- السيّد سرين سيلا مدير الإعدادية والثانوية. خرّيج جامعة الأزهر بمصر.

الأهداف:
توفير ظروف تربية إسلامية صحيحة للنشء .
ضمان تكوين ثقافي وخلقي ومهني يمكن الشباب من القيام بمسؤولياتهم في جميع مجالات الحياة.
الحفاظ على التراث الإسلامي الوطني والعالمي .

هذا غيضٌ من فيض في موقفه الجاد تجاه العلم وأهله، فجزاه الله خير ما يُجزى لعبدٍ أحسن بمحض جوده.
[يراجع : معلومات عن معهد الدروس الإسلامية” بجوربل” وأجوبة الأستاذ مصطفى جوب شيخ قج لي عن الأسئلة التي طرحها عليه الأخ سرين امباكي جوب خضر الطوباوي خريج معهد الدروس الإسلامية (نسخة إلكترونية) 2011م مع بعض تصرف وإضافات، و نصّ المُحاضرة التي ألقاها الكاتب: الشيخ أحمد بامبا الخديم بن الشيخ محمد المنتقى بشير امباكي تحت عُنوان” التربية ببُعديها الرُّوحاني والبيتاغوجي” فِي ساحة الشيخ شعيب امباكي – رضي الله عنه- ضمن حلقات جامعة مغال التي تنظمها دَائرة قرة العين، بتاريخ: 27‏/12‏/2012/ ‏14‏/02‏/1434‏]

و قد أدّت جهود الشيخ إلى ميلاد مَراكز متعددة انتشرت في طوال البلاد. ولله درّ الشيخ محمد مالك طوري نجل سرين محمد الهادي طوري الذي يقول في مرثية سحبان زمانه ولقمان دهره الشيخ أحمد امباكي غايندي فاطم- رضي الله عنهما- في قصيدته المرجوزة الطويلة :
وفي نشَاطه الثَّقافي أنجزا = ما الواصِفين كلهم قد أعجزا
هو الذي كانَ المثقف الأديب = هو الذي كان المُحنّك اللبيب
موسُوعة في كل عِلم وثقا = فة له في كل فن مرتقى
سُقراط جيلِه جرحَان عَصره = وسبَيويه وخَليل دهره
كل ثقافات الحَياة جمَعا = كل علوم الشرع قد كان وعَى

وفد حَشد كبير من المستعربين ذات يوم إلى الشيخ أحمَد امباكي غايندي فاطم برئاسة سَرين محمود انيانغ الباحث المُحضرم الذي طرح عليه أسئلة عديدة من بَينها هذا السؤال : ما هَدفك من تَشييدِ المدارس؟ فصرح الشيخ قائلا : (( علمتُ بأن معظم سُكان الدولة السنغالية ينتمون إلى الدِّين الإسلامي ولذلك يَجدر بهم أن يتقنوا اللغة العربية لفهم دينهم وإن لم يتكلم شَعبها بها ، رغم ذلك أرى من الضروري عَلى أفرادها أن يتعلموا أمورَ دينهم كما يجب عليهم معرفة مبادئ الإسلام، لذلك شيَّدت مَدارس ليتعلموا فيهَا أمورَ دينهم ، ولي رَغبة في بناءِ جامعة إسلامية في امباكي بَول ليتمكن الطلاب الخِريجين من جُوربل من التسلُّق إليها لمُواصلة دراستهم العُليا. وإن لم تتحقق أُمنيتي فإنني سَأداعم الطلبة بمنحٍ دارسية ليعمقوا دراساتهم خارج السِّنغال، كما نصحَ الشيخُ وحثَّ التلامذة عَلى احترام وتوقير المعلمين وامتثَال أوامرهم وترك نواهيهم، كما أمرَهم بالوئام والوفاق والاحترام المتبادَل فيما بينهم ونهاهم عن التشاجر والتخاصم والجِدال .

وأشاد فِي لبِّ الحِوار بأنَّ المدرسة مكانُ التعلم والتربية، وذكر بأن التعلم ينطوي عليه فَوائد الدارين ، ونوَّه أعمال المُدرسين شاكرا لهم وسائلا الله أن يجزل لهم الجزاء )) .

هذا غيض من فيض منقول من شريط مسجل من قبل الشيخ أحمد امباكي غيد فاطم باللهجة الولفية

إنّ الشيخ أحمد امبكي قام بدور فعال في تشجيع النشاطات الثقافية الإسلامية، كما كان يتبرع بأموال طائلة للطلاب والمعلمين والمتعلمين، وهذا شأنه مع الطلبة السّنغاليين في الخارج حيث كان يزورهم في الجامعات ويتفقد أحوالهم ويتدخل أحيانا لتحسين ظروف معيشتهم و توجيه تخصصاتهم.

و يقول الشيخ مالك طوري ابن الشيخ الهادي في حقّه:
قد حارب الجهلَ بسيف علمِه = و كافح الفقر بفيض جُوده
فكم طلابُ العلم كان يوفِد = لِيدرسوا و يفقهوا و يرشدوا
فكم مدارسَ تعلّم الورى = عقيدة الإسلام في كلّ القُرى
كان مشجِّعا لكلِّ حركا = تِ دين اسلامٍ بما قد ملكا
بهذه الجهود قد كان نشا = طه الثقافي باهرا و مدهشا
و في المجال التّربويّ حقّقا = آمال خادم الرّسول المنتقى
في عهده انتصر أتباع خد = يمِ المصطفى على العدى للأبد
بنى مراكزَ الرّشاد و الهنا = في دعوة الإسلام حقّق المنى
زاد المريدين على نهج الهدى = أزاح عنهم الشّقا و النَّكدا
علَّمهم أغناهم أدّبهم على = صِراط ربهم درَّبهم

و يقول الشيخ أحمد تيجان غي في قصيدته الرائعة “روح الزّواهر في ذِكرى صاحب المفاخر الشيخ أحمد امبكي – رضي الله عنه-” :
مدارِسه في تِي البِلاد معـالمُ = لإحياء دين الله بين الجماهِر
وكم حائدا هدى وكم جاهلا غدى = بتعليمه من أهل دَحْر المناكِر
تنبيه: كلتا القصيدتين موجودة من حوزتنا.

وكان الشيخ أحمد امبكي يهتمّ بالعمل وله منشآت عِبَر البلاد يرأس شركات كثيرة، تساهم في المجال الاقتصادي فكم من أثرياء اليوم كانوا فقراء من قبل وقد صاروا أغنياء بفضله و دَعمِه ماديّا و معنويا، و كان له مشاريع قيّمة، لم يُطأطِئ رأسه لسُلطة أو رئيسٍ أو وزيرٍ قطُّ، بل كانوا يزدحمون إلى أبواب داره أفذاذا وأفواجا للنّيل من نواله و للتّبرك من دعائه.

و كان يحض أتباعه على العمل والكَدح في عبادة الله – تعالى- وتوحيد صفوفهم وكلمتهم والإخلاص في القول والعمل مع التحابُب والتآلف والوئام بدلا من التناحر والتباغض والتبادر، يقول الشاعر الشيخ مالك طوري:
قَد رادهم كجدِّه على العمل = والعِلم في عبادة الله الأجل
قَد راضهم على التزام الحِرف = ليضمنوا التزامَ عيشِ الشرف
قَد حقَّهم على التّعاون الوطيد = مع التضامن على النهج الرّشيد
وفي المجال الاِقتصادي تظهر = آثاره لكلّ عقلٍ تبهر
هو الذي قد كان قِمَّة الهمَم = هو الذي قد كان ذورة الحِكم
لله ما حقَّقه في الاقتصاد = لله ما أنجز في نفع العباد
كان له في كلّ ميدانٍ مشا = ريع لذاك حُسن ذكره فشا
في كلّ ميدان له صنائعُ = عجائبٌ بدائعٌ روائعُ
كانت له مخازنٌ مصانعُ = سفائنٌ كانت له مزارعُ
كم شركاتٍ باسمه قيامها = عِبْر البِلاد قد بدا ازدهارها
كانت له عِبْر البلاد مُنشآتْ = وازدهرت فيها له اقتصاديات
كانت له أسْهَمُه في شركات = على الصعيد الدّولي في تجاريات
قد استطاع أن يكون اقتصا = ديين في عَدادهم لا يُحصى
رجال الأعمال الذين يفخرو = ن اليوم لولا دعمُه لافتقروا
كم موسرين اليوم كانوا فقرا = ء بفضله صاروا كبار الأثرِيا

4- الإنتاج الشِّعريّ والأدبي:

كان الشيخ أحمد امبكي أديبا مثقفا، وكان سُقراط جيله في الفلسفة، جرحان عصره في اللغة، سيبوبه زمانه في النحو، وخليل دهره في العروض، وكان الشيخ شاعرا متمكنا في اللغة العربية ترك لنا تراثا ثمينا ضحما في النظم والشعر وقد أورد له الدّكتور عامر صمب في كتابه “الأدب العربيِّ السّنغاليّ” عددا كثيرا من القصائد والمقطوعات الشّعرية.

وله مخطوطات ووصايا وخطب دأبَّ بإلقائها في الأعياد والمناسبات الاجتماعية التي تشهد له بطول الباع في التأليف والتصنيف وجودة السّبك في فنّ النّثر.

وله عدد من المؤلفات المخطوطة منها: كتاب ((كلمة الله هي العليا)) الذي ألّفه للرّدّ على القانون الذي وضعته الحكومة السنغالية ليتخذه الشعب السنغالي قانونا يتحاكمون به و هو المعروف بِ ((قانون الأسرة)) و قد قال الشيخ أحمد امبكي في طليعة الكِتاب هذه الكلمة الخالدة:
بسم الله الرّحمن الرّحيمِ
[ وصلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليما. عونك يا معين وبك نستعين الحمد لله والصلاة والسلام على خاتم النبيين وإمام المرسلين سيدنا محمد بن عبد الله ]

تنبيه: هذا الاستهلال من إضافتنا.

وبعد فهَذا نص الكلمة التي رقنها هذا الكميُّ الباسل الأبيُّ لما عرض عليه العلماء السنغاليون قانُون العائلة.

الحمد لله، والصلاة والسلام علي رسول الله، حضراتَ الإخوان الكرام، فقد طالعت ماكتبتم في قضية قانون العائلة الذي وضعته الحكومة السنغالية ليتخذه الشعْبُ قانونا يسيِّر عليه أحواله كافّةً، دينية ودنيوية، فقد أحسنتم وأدَّيتُم ما أوجب الله عليكم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فجزاكم الله عن الإسلام وعن المسلمين خيرا كثيرا.

وأما أنا فقد قلتُ قبل هذا أن ذلك القانون لا أعتبره قانونا ولا أعتقد أنه قانون يليق إخراجُه لمجتمع إسلامي لتناقض أحكامه مع الآياتِ القُرآنيةِ على طول الخط وتنافيه مع الأحاديث النبوية المتواترة وخرقه الإجماعَ القطعيَّ، وخصوصا الأحكام التي تتضمن الأحوالَ المتعلقةَ بالأسرة من نكاحٍ وطلاقِ وميراث ونفقة ومعاملةِ الزوجين وبرور الوالدين وغيرِ ذلك .

ثم واصل الشيخ المفكّر يدحض آراءهم واحدة تِلو الأخرى بأدلة من الكتاب والسنة قائلا: فمصدِّر القانون للمجتمع الإسلامي هو : الله وحده في مانص عليه في كتابه وسنة نبيه، وليس لأيةِ سُلطةٍ أخرى حق في مخالفتهما ولا الخروج عن ماوردَ فيهما من نصوص، وبذالك يُخالفُ القوانين الوضعية التس تتغير بين حين وآخر حسب الظروفِ والأزمان ، والدليل على اختصاص الله بالتشريعِ قوله تعالى : (( إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه )) يوسف آية ٧٥
ويخاطب النبي بقوله : (( إنا أنزلنا إليكَ الكتاب بالحقِّ لتحكم بين الناس بما أراك الله )) سورة النسآء

ويأمر الله تعالى المؤمنين باتباع الشريعة وينهى عن اتباع ما يخالفها بقوله : (( اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون )) سورة الأعراف .

ويُحرِّم تحريما قاطعا الخروج عن نصوص الشريعة ويعتبر العاملَ بغير الشريعة كافرًا وفاسقا وظالما، ويُعتبر متمردا على الحكم الشرعي (( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)) سورة المآئدة آية ٤٤
(( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون )) آية ٤٧
(( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون )) آية ٤٥

والمؤمن الذي يختار من الأحكام مالم يختره الله فهو ضالٌُّ { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلا لا مبينا } سورة الأحزاب

ويترتب على كون الحكم لله وحده نتيجتان :
الأولى: ثبات القوانين الشرعية واستمرارُها ولو تغيرت الحكام، وتبدلت الأحوال، وليس كذالك في القوانين الوضعية التي يضعها الحكام لحماية المبادئ التي يعتنقونها وخدمة الأنظمة التي يُقَوِّمُونها لغرضٍ ما .
الثانية: احترام القوانين الشرعية والإيمان بها ككل لا يقبل التجزَّأُ بحيث لا يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعضٍ والثقة بها لكونها من الله عزوجل .
وفي وصايا رسول الله – صلى الله عليه وسلم- :{ تركتُ لكم أمرين لن تضلوا بعدِي ما تمسكتم بهما ، كتاب الله وسنة رسوله} ، والسنة المقرونة بالكتاب في الوقاية من الضلالِ هي الطريقة العمَليَّةُ التي نُقِلتْ عن الرسولِ نقلا متواترا عمَليًّا معروفا عند الكافَّةِ ، ومن الوصايا على هذا المعنى ما ورد من الأحاديث النبوية : { عليكم بسُنتِي وسنةِ الخلفاءِ الراشدين من بعدي ، من رغب عن سنتي فليس مني } .
والسنة عبارة عن ماورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم – من فعل أو قولٍ وتقرير . ((ومن يشاقق الرسول من بعد ماتبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وسآءت مصيرًا)) (( فلا وربك لا يؤمنون حتي يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما )) (( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )) (( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر ))

وطاعة أولي الأمر لا تجب إلا في حدود ما أمر به اللهُ ورسوله فَمن أمر بما يوافق الكتاب والسنة فطاعته واجبة ، ومن أمر بما يخالفهما فلا سمع ولاطاعةَ ، و هذا ما يقوله الرسول – صلى الله عليه وسلم- : { لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق } ، ويقول: { السمع والطاعة على المرء فيما أحب أو كره إلا أن يؤمرَ بمعصية فلا سَمْعَ ولاطاعةَ }
وأولوا الأمر ليس لهم سلطان نظر ولا بحث في العقائد والعباداتِ، والحاكم الوحيد في هذه الأمور هو الله القائلُ : (( وأن هَذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله)) وليس لأي مسلم إلا اتباع الشريعةِ المحمدية التي لا تغيرها كثرة الحوادث ولااختلاف البيئات.
فقد قرر الله أحكامها وأكمل تعاليمها وقال : (( اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)) (( والله يدعوا إلى دار السلام ويهدي من يشاءُ إلى صراط مستقيم )).

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الشيخ أحمد البكي

ومما يدلّ على أهمية هذا الكتاب كثرة تقاريظ أجلاء عصره من العلماء الصالحين و المشايخ الكِرام كتب كل واحد منهم قوله بيده استحسانا لموقف الشيخ السالف الذكر فجزاهم الله خيرا .

بعض تقاريظ الشيوخ الأجلاء لكتاب “كلمة الله هي العليا”

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، أمابعدُ : فإني لما أبدى لي بن أخي الحاجُّ الشيخٌ أحمد البكي رأيَهُ في مشروع قانونِ الأسرة الذي قدمتْه الحكومة السنغالية العَلمانية دستوريًّا إلى الشَّعْبِ السنغاليِّ المسلمِ ، وافقتُه الموافقة التامَّة في رأيه الصائبِ والذي طبَّق فيه الكتابَ والسنةَ والإجماع { إِنِ الحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَفَحكْمَ الجاهليةِ يبغُون ومن أحسن من الله حُكْمًا } .
والسلام على من اتبع الهُدى
الفقير إلى الله محمد المرتضى البكي

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أما بعد : فإني قد طالعتُ ما كتبه وقَرره قدوة الخلف، ونُخبة السلف سلالة الشيخ أحمد الخديم رضي الله عنهُ الشيخ أحمد البكي ووجدته حسنا في بابه جزاه اللهُ عن الأمةِ أفضل ما يجازي به المُحسنين، وأبقاه ذخرا للإسلام والمسلمين متمتعا بالصحة والسلامة حتى يحقق جميع أهدافه بجاه سيد خلقه محمد – عليه الصلاة والسلام-.

عبد العزيز الدباغ التيجاني لطف الله به وبالجميع

إذا قالت حذام فصدقوها = فإن القول ما قالت حذام

الحمد لله، رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبسيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم – نبيا ورسولا .

عُبيد ربه وابن شيخه عبد الأحد البكي

الحمد لله العلي الأعلى ، والصلاة والسلام على نبينا محمد حبيب المولى، وعلى آله وأصحابه الكرماء، أما بعد: لما رأيت ما كتَبه بن أخينا الشيخ أحمد البكي بن الشيخ محمد المصطفى البكي بن الشيخ أحمد بمب البكي في الإنتصار للدين والنصيحة للمسلمين وجدتة مِن أصحِّ ما كتِب في ذلك، وأحسن ما قرر من ذلك الأمر ، فجزاه الله عنا خيرا آمين .

عبد القادر

الحمد لله، والصلاة والسلام على صفوة خلق الله وآله وصحبه ومن تلاه. آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون .

صالح بن شيخه الخديم

بسم الله الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآله وصحبه الأخيار الكاملين ، و بعد فقد وقفت على كلمة حق تصدع رداء الشك وفوهة صدق تشدخ هامة الإفك للسيد الأعز، والندب الأبر الشيخ أحمد مباكي في الرد على المعاصرين في القوانين الخارقة لإجماع المسلمين بين فيها أن الأحكام الشرعية توفيقية بالروايات الصحيحة، والآيات البينة، فوجدتُ بها غاية السرور، ورجوتُ أن يصرف الله عنا بها مكائد الغرور ، جزى الله -تبارك وتعالى- عنا هذا الكاتب الذي يغضب للدين، ولم يرض بالدون .

انتهى بمرقم الجاهل الحقير حبيب الله البكي
صبيحة السبت رابع أواخر صفر الأبرك سنة ١٣٨٧ اهـ
والسلام

بسم الله الرحمان الرحيم وصلى الله على نبيه الكريم سيدنا محمد وآله وصحبه خيار الأنيم، أما بعد: فقد تصفَّحتُ ما كتبه ابن أخينا الشيخ أحمدُ البكيُّ الطوبويُّ في الرد على القوانين العَصرية التي اخترعتها الحكومةُ السنغالية، وأمعنتُ فيه النظر فوجدته – بحمد الله تعالى – واضحا وضوحَ القمر، بكلام فصيح، ونقل صحِيح، أنار بِه المحجة وأوضَح الحجة، لا غُبار عليه ولا إشكال لديه، فجزاه الله عن المسلمين خيرا كثيرا اللهم آمين .

وكتب بيده الفانية أفقر الفقرآ وأحقر كل ما يُري أبو مدين شعيب البكي الطوبويُّ ضحوة السبت الرابع بعد العشرين من صفر الخير سنة زفسش ١٣٨٧

اللهم صل على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

رأيت الذي كتبه بنُ أخينا الشيخ أحمد البكيُّ بن الشيخ محمد المصطفى البكي وقَبلنا ورضينا وهو كلامٌ صحيح .
والسلام

الحاج سيد المختار امباكي بن شيخه إبراهيم

الحمد لله، والشكر له والصلاة والسَّلام على سيدنا

ما تضمنته هذه الأوراق وجدناه حقا صحيحًا مسلَّما عندنا، وعند كلّ من عنده أدنى إلمام بالشريعة المطهرة.

محمودا بن إبراهيم البكي

ونقتبس أبيات الشاعر الحاج محمد المصطفى آن التلري التي كتبها تقريظا لهذا الكتاب قائلا:
سِفر تحقّق كلُّ محتوياته = ويردُّ حِلفَ البغي عن شهواتِه
أبداهُ نجلُ المصطفى وحفيدُ منْ = خدمَ الرسُول وفاقَ كلّ لِداته
ورأيته وقرأتُه فوجدتُه = متفوّقا فالدُّر من طياتِه
فالشيخُ يعمل هادئا وفعالهُ = تدع المقال مصرحا لهباته
عَدم النَّظير متى طلبت فإن تجدْ = كالشيخ في هذا الزمان هاتهِ

[يراجع كتاب” كلمة الله هي العليا، للمترجم له مخطوط ومطبوع]

شَهادة خالدة ينبغي كتابتها بماء الذهب تدل على العلاقة الوطيدة التي تربط بين شيوخنا الكرام-رضوان الله عنهم-:

قال الشيخ مود سه modo Sy خليفة الشيخ عبد العزيز سه بن الحاج مالك سه – حاليا أطال الله بقاءه وأيده – إن والدي لما تولى الخلافة عام 1957م دعا الشيخ أحمد غايندي فاطم امباكي مريده مصطفى فال، فأعطاه سيارة من سياراته آمرا به أن يذهب إلى تواون بجانب هذا الشيخ ليكون سائقا له في حوائجه التي يريد قضاؤها بالتنقل بالسيارة، ثم أضاف الراوي أن الشيخ أحمد امباكي غايندي قال مصرحا بأنه لا يريد أن يحتاج الشيخ عبد العزيز سه إلى سيارة فيستعيره من أحد، ولا تسأله سعر البنزين أبدا فأعطاه بنزينا كافيا. ومع ذلك كله كان الشيخ أحمد امباكي غايندي فاطمه يبعث إلى والدي الأستاذ مصطفى جوب انجيك – مدير معهد الدروس الإسلامية- فينة بعد الفينة بالهدايا الثمينة ليعطيه الوالد .

5- وفاته:

لَقد وافته المنيّة ليلة الأحد 11 مارس 1978م في مدينة طوبى المَحروسة، و دُفِن في ضَريحة والده الشيخ محمّد المصطفى امبكي نَجْل الشيخ أحمد بامبا امبكي، و كان يبلغ من العمر 65 سنة، كما قال الشاعر الحاج مالك طوري:
يا ليلةَ الأحد بالدَّها = ليْتكِ بُدِّلت بليلة البها
يا ليلةَ الأحد بالدّهياء = رميتِ كانت أعظمَ الأرزاء
أغرقت كلّ الخلق في البكاء = في كلّ آفاقٍ وفي الأرجاء
أفجَعتِ كلّ أُسرة قلوبُها = أرسلتِ من عُيونها دموعها
في ليلة الأحد حقّا أفلا = بدر البدور بعد أن تكمّلا

ويقول الشاعر شيخ أحمد تِيجان غي – رحمه الله- في قصيدته “روح الزواهر في ذِكرى صاحب المفاخر الشيخ أحمد امبكي – رضي الله عنه-” :
لقد كان فينا خَير هادٍ و مُرشِدٍ = وخير معينٍ للإلى متبادرِ
كريمًا جوادًا مرتجًى في عطائه = عفوًّا صفوحًا مرتضًى في العشائرِ
مهيبًا كليثِ الغاب في صمت عارفٍ = تأمّله في العمق بين المقادرِ
شُجاعًا إذا ما شِئتَ قلتَ غَضَنفرٌ = صبورًا كطودٍ عند وقع المحاذرِ
مواقفه ضِدّ المظالم لم تزل = لمن يقتفي الآثار خير الذخائر
وبعض شيوخ الوقت في ثوب ساكتٍ = على الحقّ لا يقوى على أيّ جائرِ
عطاياه تبقى- والمزايا عديدة – = إلى أبد الآباد أغلى الجواهرِ
فكم جائعًا أغنى وكم عاريًا أكسا = وكم عائلا أثرى بكلّ المآثرِ
له في بنيه الغُرّ تربية على = مطالب شرع الله عند الأكابر

مُلحقات:

1- قصائد الشيخ أحمد امباكي غايندي فاطم امباكّي – رضي الله عنه-:

وأما قصائده فهي تدور حول المدح الذي اختصّ به الأئمة والسّادات في زمانه، كما كتب في وصف المخترعات الحديثة، و في نشدان التوبة وتفريع النفس، وهو شاعر تقليديٌّ يبدأ قصائده بالغزل على عادة أسلافه الأقدمين .

اتسمّت لغته بالطواعية والبث المباشر، وخياله قريب، التزم الوزن والقافية فيما أتيح له من الشِّعر.

هَذه بعض القَصائد والقطعات التي كتبها المفكِّر الإسلامي الشيخ أحمد امباكي غايندي فَاطمة الكميُّ المنيع- رضي الله عنه :

1- طيري وزفّي

طيري وزِفِّي في الهـواء زفيفـا = بسلامةٍ ممَّن يـدوم لطـيفــــا
وانجـي نجـاءَ جهـامةٍ خـفَّت بـهـا = كـومـاءُ تعتسفُ العَرا فـالريفــا
عجـبـي تضـاعفَ مـن سُرى طــيّارةٍ = تبري السـوافـيَ إذ تُطـار وزيفــا
ويُطـيرُهـا ذَرِبٌ خبـيرٌ بـالهـــوا = يـدري الـمقـاصدَ لا يؤمّ مخـوفــا
مـثل القطـا فـي الإهتداء ولـــبُّه = فـيـه القـيـافة لا يـزنّ سخـيفــــا
مـا إن يضلّ سبـيله فـي نفـــنفٍ = هـاجت بـه هُوجٌ تهدُّ سقـوفـــا
ويقول مَن مثلـي ومَن كـمُسامري = إذ بـات لـي سِبطُ الخديـمِ رديفـا
يـمضـي إلى ذات الستـور يحجُّهــا = ويـزور سـاداتِ الأنـيـم لفـيفــا

**
2- وجه سلمى

ألاح لي قَمَرٌ مـن نحو طـوبانا؟ = أم أومضَ الـبرقُ تحت الغـيـمِ لَـمْعانا
أم وجهُ سَلمى بَدا من نِضْوِ بُرقعهـا = أم أشرقت لـيَ شمسٌ صُبحها ازدانا؟
إن كـان وجهُكِ يـا سَلـمـى بَـدا بزغًا = فطـالـمـا يـتَوارى الـوجهُ أزمـانــَـا
فطـالـمـا حـال بـيـنِــي كلُّ مهلكةٍ = وبـيـنَه وقِفـارٌ شُؤمهـا شـانــــا
أمسـى يطـالعُنـي طـيفٌ لـيُضنـيَني = لهـا تَأوّبنـِي إن مـلْتُ نَعسـانـــــَـا
وبتُّ مفتـرشَ القتَّـادِ مُكتحـِلَ = الـسُّهـادِ مُستسهلاً صعبًا ومـا لانــَا
يا قلبُ قـاتلْ هَوى مـَن هـاجرتْ زمـنًا = وأصرَمتْ حبلَها بُغضًا وعُدوانا
وذَرْ تذكُّرَ أيّامٍ ومـا سلفتْ = مـن اللـيـالـي فإنّ الـدهـرَ قـد خـانـَــا
واشدُدْ يَـديك بأذيـالِ الكريـــمِ ولا = تعبأْ بـمـن لام أو مـَن ذمَّ كُفرانـا
فهـو الـذي أحسنَ السّتّارُ ســـِــيرتَه = وجُودُه عـمَّ أوطـانًا وبـلـدانــــا
فـمـا لأحنفَ حِلْمٌ إن قـُرنـتَ بــه = لقـمـانَ عصرِك هـذا الفضلُ قـد بـانــا
في الجُـود حـاتـمُنا فـي الفقه مـالكُنـا = وفـي فَصاحته يُزري بسَحـبـانـا
فإنّه العُـروةُ الـوثقى لـمُعتصـــمٍ = بـه لـمـلـتَجئٍ حصنٌ وإن هـانـَا
يـا حاسديـن إمـامَ الناس عـامتِهم= مُـوتـوا بـغـيظكـمُ رَغمًا وخُسـرانا
فإنّ قـدرةَ ربِّي رتّبته إمــا = مًا مستقـيـمًا رفـيعًا حـيثـمـا كـانـا
يا عاذلـي فـي الهـَوى إلـــيك معذرةً = كـم خـامـلٍ حـبُّهُ أعـلاه سَمكـانــا
ابسطْ يـديك لـمـن وافـَاك مُـلـتــمسًا = مـن بَحر جـُودك مـا يُروي لظـمآنـا
يـا ربِّ صلِّ عـلى طه الأمـيـن بـــلا = عـدٍّ وأصحـابـه معْ أهْلِ طـُوبـانــا

***

3- لقاؤك الميمون

نعـدُّ لقـاءك الـمـيـمـُـونَ ذخرا = ومـرضـاةً لـمـولانـا وبِرّا
ونرجـو أنّنا سنؤوب طُرّا = كـمـا نهـوى ولـيس نخــاف ضُرّا
**

4- دمشق

قـد طـالـمـا هـاجتْ فؤادَ هُمـــامِ = ذكرى مديـنـتِكـم دمشقِ الشـــامِ
فتبـوّأتْهـا الأنبـيـاءُ ورسْلهـم = مـن عهد هـودٍ سـيِّدِ الأقــوام
وبـها ترى مـا تشتهـي مـن مَرحبٍ = مـن هـاشمٍ إن شئتَه أو ســـام
ولهـيّ أسعـدُ قريةٍ فـي هذه = ولهـيّ أنـورهـا وجـوه كرام
***

5- يا نفس تُوبي

بكـيـتُ لـيلا بكـاءً بـيـن أجنــاسِ = ومـا أصـاخـوا لزفْراتـي وأنفـاســـِـي
لـيس البكـاءُ عـلى مـالٍ تَضـيَّعَ لـِـي = ولا على اليأسِ مـن لقـيــايَ ربّاس
بـل البكاءُ على الأخلاقِ ثـم على الـ= ماضي من العُمر فـي لَبْسٍ وأدنـاس
يـا نفسُ تُوبـي فإن الـموتَ هجْرتُه = مَرمى أشَلٍّ أخي طـيشٍ عـنَ اقواس
وإن عصيـتِ سَلـي الرحمان مغفرةً = وإن أطعتِ فـما علـيكِ مـن بــاس

**
6- صور

في «صـورَ» سـاداتٌ كرامٌ خِيـمُهــم = ـقـري الضّيـوفَ بكلِّ حلـوٍ طــيِّبِ
سـيّان فـي ذاك الشّبـابُ وشِيبُهــم = وكذاك «صدرُ الـدين» نجلُ الأنـب

7- يا قلب تُبْ

قال ضياءُ الدِّين وزينُ العابدين الشَّيخُ أحمد البكيُّ غاينِدي فاطمة -عليه رضَى المالك العلي-:
أيا قلبُ تُبْ واصرم حبَالا لذي الدّنا = وإلا فلا تَنجو من الكَيد والغَدر وأوصِل لمن لا يُخلف العهدَ سَاعة = من الدَّهر أو يخنُو من المنِّ أو يضر وشمِّر إلى القصوى ودَع عنك دانيا = وذكِّر فإن الموتَ ما عنهُ مِن مَفر

8- يَدي إذا أوحى
وقال في مَوضع آخر:
يَدي إذا أوحَى إلالهُ إليكُما = فسُبحانه إن بِالكلام أتمرتُما
فقولاَ له خَيرا ولو كانَ غيرَه = ولا تبُديا بعضَ الذي قد عَلمتُما

9- لا تشهدا

وقال أيضا:
ولا تشهَدا رِجلي في يَوم شِدَّة = بمكتَسب يوتِي العَنا إن شَهدتما
فإن شفيعَ المُؤمنين نهاهُم = عَن اَقوالِ شرِّ فاسمَعا لو هديتُما

10- زيارة روضة جده

وقال الشيخ أحمد البكي أيضا عند زيارة روضَة جدِّه الشيخ الخَديم -عليه أسنى رضوان الباقي القديم – هَذه الأبيات التالية :
مني سَلام عَلى القَبر الذي اعتَكفت = فيه العُلى وانتهَت فيه النهاياتُ
يا أشرفَ الرَّوضِ قَد ضمَمتِ أشرَفنا = سيَادةً مَن له فِي الفَضل غاياتُ ضمَمتِ جُودا وعَدلا كان دَيدَنُه = يُسرا إذا عَسُرت فِي الدَّهر حَاجاتُ شمَمتِ تُربكِ يَا غوثِي ويا فَرجِي = ويا دَوائِي إذا تُودي خَطيَّاتُ
يا من يَّمنُّ بلا مَنٍّ مَطالبَه = معشارُ فضلكَ لا تُحصِيه أبيَاتُ
لذاكَ أقصَرتُ عَجزا فِي المديحِ فقَد = يفنَى الحَسيبُ ولا تُفنِي العَطياتُ

[انظر ديوان شعره مخطوط ]

تنبيه :
وهُناك قَصائد أخرى للشيخ أحمد امباكي التي تشهد له على بُعد غوره فِي اللغة العربية، وعُلو كعبه فِي قَرض الشِّعر، ومنها قصيدة (خليلي) التي استهلها بهذا المطلع الرَّائع :
خَليلي شِم بُريقَا ذا التهاب = كلَمع يدي فتاةٍ فِي الغِباب

وقصيدة( أمن طول) التي مطلعها:
أمن طول عَهدٍ للدِّيارِ التي عفَت = وغيَّرَها هابُ التُّراب ومُكهَمِرْ

و قصيدة (يا صَاحبِي) التي استهلها بهذا المطلع:
يا صَاحبِي عدِّ عمَّا منه تلْتَهبُ = حُزنًا وفرَّ ما فيه تَهتذبُ

وقصيدة (غشيت الدار) التي مطلعها :
غشيتُ الدارَ بعدَ الحيِّ عَال = على طرفٍ طمِرٍّ كالرِّئال .

[انظر ديوان شعره مخطوط ]

2- وصاياه وخطبه

هذه مجموعة من خُطب ووصايا الشيخ أحمد امباكي غايندي فاطمة الجزء الأول نجل الخليفة الأول الشيخ محمد المصطفى امباكي – رضي الله عنهما- وها هي الوصايا والخطب الموجودة فِي الجزء الأول
**

الوصية الأولى

هذه الخطبة الرنانة الرائعة والطنانة التي ألقاها صاحب الفضيلة الشيخ أحمد امباكي غايندي فاطم -رحمه الله تعالى- بمناسبة الاحتفال بذكرى السنوية لصاحب المقام الرفيع، المنقذ الكبير، والإمام الجليل العارف بالله الكامل الشيخ أحمد الخديم -عليه أسمى رضوان الباقي القديم-

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله العلي العظيم، والصلاة والسلام على الرسول الكريم ، أما بعد:
فإني أحييكم تحية مباركة شاملة، [1] وأوصيكم بتقوى الله العظيم ، واقتفاء سنة نبيه الكريم ، وبالتعاون على البر والتقوى والخيرات، وبتجنب جميع المناهي والمنكرات ، وبالصبر على أذى الحساد ، لتحوزوا الأجر يوم الميعاد. وأؤكد عليكم الأمر بالاجتماع في هذا المحل المجيد لتعظيم هذا اليوم المبارك السعيد الذي أمركم [به] 2 الشيخ الخليفة – يعني: الشيخ محمد المصطفى امباكي- بتعظيمه والاجتماع فيه. ولم يكن يصدر منه هذا الأمر لأية رغبة دنيوية، بل نظرا منه إلى كونه خير أيام الشيخ الخديم عليه رضوان الباقي القديم، لأنه يوم وفاته إلى ربه الذي أفنى عمره في طاعته، وتلاوة كتابه ، وتعظيم رسوله، والانفاق في مرضاته .
وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: (( اللهم اجعل خير أيامي يوم ألقاك)) فلا يشك من لم يُعم الحسد بصرَه وبصيرته أن هذا اليوم أحق بالتعظيم من غيره. وقصد الشيخ الخليفة -رضي الله عنه- بالاجتماع في هذا اليوم هو تلاوة كتاب الله العزيز، والتصدق على الفقراء من غير إسراف، وإهداء الثواب له، وزيارة بعض الإخوان لبعض، وتعليم علمائهم جهالكم ما يحتاجون إليه من أمر دينهم ودنياهم، وكيفية معاملة حكام البلاد، والتأدب معهم، إلى غير ذلك من الأمور التي كل فرد منها يلزم الاجتماع له، ويحرم فيه العناد والمجادلة.
أيها المريدون : هذا ما أمركم الشيخ الخليفة به وأكدته عليكم، فإن على الخلف أن يصون آثار السلف.
فلتكونوا ممن قال فيهم – عزوجل -: “من المومنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا “.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

وصية ألقاها الشيخ البطل المغوار أمام حُشود غفيرة في تعظيم العشرين من المحرم عام 1374هجريا، الموافق لـ 19 سبتمبر 1954 ميلاديا بطوبى المحروسة.
الوصية الثانية عام طعسش محرم 1379

موعظة وإرشاد للعلامة الرباني والقطب الصمداني، إمام العارفين، وحجة الله في العالمين، وحامي ذمار المسلمين، وخليفة جده خديم الرسول الأمين، سيدنا ومولانا <<الحاج الشيخ أحمد امباكي غيد فاطمة >> – حفظه الله ورعَاه آمين-
تنبيه: يأمر منشئ هذه الموعظة جميع مريده وأتباعه أن يتَفهموا مضمُونها وأن يقتنُوا نسخها ، للتذكر والتبرك.

الحمد لله وحده والسلامان على من لا نبي بعده. أما بعد: فيا أيها الإخوان أوصيكم بتقوى الله ولزوم طاعته في سرِّكم وعلانيتكم ، فإنكم خلقتم لعبادة ربكم لا غير، فاعبدوه واشكروا له وإليه تُرجعون، واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، واتقوه وأقيموا الصلاة، ولا تكونوا من المشركين. واعلموا أن الله غني عنكم، فعبادتكم لا تنفع ربكم، كما أن معاصيكم لا تنقُصه شيئا، فإن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها. اتقوا الله وقولوا قولا سديدا. اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد، فلا تغرنكم الحياةُ ،الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور. وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان. فاستبقوا الخيراتِ من قبل أن يأتي يوم لا مردَّ له وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: (( بادروا بالأعمال الصالحة، فستكون فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بِعرض من الدنيا)) رواه مسلم.

فاتقوا الله ما استطعتم، ولاتطلبوا الكرمَ بغير التقوى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم. ولا تطلبوا العزة من غير الله، فإن العزة لله جميعا.
يا أيها الإخوان قد تغيرت الأحوالُ والأفعال، واختلط الحابل بالنابل لكثرة القيل والقال، وكثر من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير، ولبئس ما كانوا يصنعون. بل اتبع الذين ظلموا أهواءَهم بغير علم، فضلوا عن سبيل الله، إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد، وويل لهم مما يكسبون . عليكم بكتاب الله وسنة رسوله، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول. ما فرطنا في الكتاب من شيء. فما ءاتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا . وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. فماذا بعد الحق إلا الضلال. الزموا طريق الحق ولا يضركم قلة السالكين، واحذروا طريق الباطل ولا يغرنكم كثرةُ الهالكين. بل كل نفس بما كسبت رهينة، ولا تزروا وازرة وزر أخرى . لا يضركم من ضل إذا اهتديتم. وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن سعيه سوف يرى، ثم يجزيه الجزاءَ الأوفى، واعلموا أن الإنسان مسئول عن دخائل نفسه، وأنه محوط بالكرام الكاتبين، يحصون أعماله ويراقبون أقواله حتى إذا حانت منيته حُوسب على جميع أقواله وأفعاله، وشهد عليه الشهود وكُشف له الغطاء ورفع الخِصامُ واضطرب النظام ، وافترق المجتمعون، وغضب الرب غضبته، فملأَ جهنم بأهلها، ورحم أعظمَ الرحمات بملء الجنة بذوي الإيمان والصلاح؛ ذلك لأنه لا يجعل المتقين كالفجار، ولا المؤمنين كالكفار. ولو استوى الخبيثُ والطيب لكان خلق هذه العوالم باطلا، ولكان نظامه حائلا. ففروا إلى الله وأخلصوا أعمالكم له. إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله. وتعاونوا على البر والتقوى. وأصلحوا ذات بينكم، وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين. عن النعمان بن بشير قال: قال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم – ” مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطُفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى “.
عن أبي هريرة قال قال: رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ” المسلم أخو المسلم ، لا يخونه ، ولا يكذبه، ولا يخذله. كل المسلم على المسلم حرام ، عرضه وماله ودمه”. واتقوا الذي تساءلون به والأرحام، إن الله كان عليكم رقيبا.

الوصية الثالثة

هذه وصية البطل الإسلامي الشيخ أحمد امباكي غيد فاطم التي ألقاها في عام حعشس 1378 ه‍

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد:
فيا أيها الإخوان: أوصيكم بتقوى الله تعالى، وبالعمل بأوامره، واجتناب ونواهيه حسب طاقتكم. وأمامكم الكتاب والسنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة)) عن أبي شريح الخزاعي قال: خرج علينا رسول الله فقال : (( أليس تشهدون أن لاإله إلا الله وأني رسول الله؟ فقالوا: بلى، قال: إن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به، فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبدا)). وعن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:(( أطيعوني ما كنت بين أظهركم، وعليكم بكتاب الله حلوا حلاله، وحرموه حرامه))

فها هو إن من فعل ذلك منكم فهو من المتقين، الذين شرفهم الله في كتابه بالمدح والثناء حيث قال:(( وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور)) وبالحفظ من الأعداء (( وإن تصبروا وتتقوا لايضركم كيدهم شيئا )) وبالتأييد والنصرة (( إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون)). وبالنجاة من الشدائد والرزق من الحلال (( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب)) وبإصلاح العمل وغفران الذنب (( اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم )). وبالقبول(( إنما يتقبل الله من المتقين )). وبالإكرام والاعزار (( إن أكرمكم عند الله أتقاكم)) وبالنجاة من النار (( ثم ننجي الذين اتقوا )) وبالخلود في الجنة (( أعدت للمتقين)) وبمحبة الله تعالى: (( إن الله يحب المتقين )).

فيا أيها الإخوان عليكم بالتحابب في الله والتآلف والتوافق في الله، وإياكم والتحاسد والتباغض والتدابر، فليحب كلكم لأخيه ما يحب لنفسه. قال الله تعالى : { إنما المؤمنون إخوة} وفي الحديث: { المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا }. والألفة ثمرة حسن الخلق، والتفرق ثمرة سوء الخلق.
وحسن الخلق لا تخفى فضيلته في الدين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق} . وقال صلى الله عليه وسلم: { أثقل ما يوضع في الميزان خلق حسن} وقال صلى الله عليه وسلم : { يا أبا هريرة عليك بحسن الخلق وقال أبو هريرة: وما حسن الخلق يارسول الله؟ قال: تصل من قطعك ، وتعفو عمن ظلمك ، وتعطي من حرمك} . { فتعاونوا على البر والتقوى ولاتعاونوا على الإثم والعدوان } { واعتصموا بحبل الله جميعا ولاتفرقوا } وكونوا عبادا لله وإخوانا .
شكر الله مسعانا ومسعاكم
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته [3]

وكان الشيخ أحمد امباكي غايندي فاطم المفكر الإسلامي والعالم العبقري الألماعي يقول – رضي الله عنه- : ” إنّ أهمَّ مَقصد تُعنى به الأمةُ هو إصلاحُ حالِ النَّاشئين بالتربية والتهذيبِ “.
وقال أيضا: المُريدية: طريقَة سُنية حَقيقةٌ صُوفية رابِطة ثقافية هيئة اجتماعية شَرعية.

” …فإن اختلافَ الأفهام والآراء ليس بمُغترب في الحياة، ولكن ليس هذا سَبب الانشقاق والتقاطع ؛ إنما يعود الانشقاق إلى انضمام عوامل أخرى تستغل تباين الأنظار والأفكار للتنفيس عن أهواء وأغراض. ولما كان هذا الانشقاق مفسدا لدين الله ودُنيا الناس اعتبَره الإسلام انفصالا عنه، قال الله عزوجل: (( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شَيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون)).
وحذر الله المسلمين من الخِلاف في الدِّين والتفرق في فهمه شيعا مُتناحرة كما فعل الأولون: (( ولا تكونُوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جَاءهم البينات وأولئك لهم عَذاب أليم)).

إن ائتلافَ القلوب والمشاعر واتحادَ الأهداف والمناهج من أوضح تعاليم الإسلام وألزم خِلال المخلصين. ولا ريبَ أن توحيد الصُّفوف واجتماع الكلمة هو الدَّعامة الوطيدة لبَقاء الأمة ونَجاح رسالتها. ولئن كانت كلمة التوحيد باب الإسلام فإنَّ توحيدَ الكلمة سِرُّ البقاء فيه والإبقاء عليه والضَّمان الأول للقاء إليه بوجه مشرق وصفحة نقية.
إن العمل الواحد في حقيقته وصُورته يختلُف أجره اختلافا كبيرا حين يُؤديه الإنسان وحيدًا وحين يُؤديه مع آخَرين “.

هذه السطور الأخيرة مستلة من وصية الشيخ أحمد امباكي غايندي فاطمة امباكي.

جزاه الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء .

مراجع البحث والمصادر

1- حسن الصحبة في الله في رؤية القادة / اللجنة العلمية لفعاليات الذكرى المئوية .
2- الأدب السنغالي العربي، للدكتور عامر صمب الشركة الوطنية للنشر – الجزائر 1978م .
3- ديوان الحاج الشيخ أحمد امباكي غايندي فاطم
4- أفضل الهدية أوأفضل الزيارة، مخطوطة.
5- مجموعة من وصاياه وخطبه.
6 – قصيدة مرثية الشيخ أحمد امباكي غايندي فاطم، للشيخ مالك طوري مودو خليفة سرين هادي طوري فاس مخطوطة.
7 – قصيدة الشاعر شيخ أحمد تِيجان غي – رحمه الله- “روح الزواهر في ذِكرى صاحب المفاخر الشيخ أحمد امبكي – رضي الله عنه-“.
8 – معلومات عن معهد الدروس الإسلامية” بجوربل” وأجوبة الأستاذ مصطفى جوب شيخ قج لي عن الأسئلة التي طرحها عليه الأخ سرين امباكي جوب خضر الطوباوي خريج معهد الدروس الإسلامية بطوبى دار القدوس (نسخة إلكترونية) 2011م

بقلم الأستاذ سرين امباكي جوب خضر الطوباوي خريج معهد الدروس الإسلامية بطوبى دار القدوس، ومدرس اللغة العربية في معهد الخليل الإسلامي.

تم تحريره يوم الأربعاء 05 أغسطس 2015م

الهوامش:

** اعتمدت على النسخ التي عثرت عليها ضمن مخلفات جدّي من جهة والدي السيد الحُسين جوب بن أحمَد مَخُريج جوب – رحمهما الله تعالى- الذي كان من أتباع الشيخ أحمد امباكي غايندي فاطم .

1- وردت في بعض النسخ: طيّبة
2- من إضافتنا إقامة للمعنى.
3- جَمعها الأخ الطالب سَرين امباكي جُوب خضر الطوبَويّ خريج معهد الدُّروس الإسلاميَّة وانتهى من رقنها لَيلة الإثنين 05 سبتمبر 2016م / 03 ذي الحجة 1437ه‍ – طوبى، السنغال

2 تعليقات
  1. أبو سلمان السنغالي يقول

    مقال جميل ورائع، ويعتبر وثيقة غنية بالمعلومات الشحيحة عن هذه الشخصية الإسلامية النادرة، وموقع(وسطيون) بنشره لهذه السيرة العطرة يوثق جزءا مهما من التاريخ السنغالي ويحتفظ به، في ظل الإهمال الذي يتعرض له تاريخ مثل هذه الشخصيات !!

  2. غير معروف يقول

    شكرا لك يا أخانا الكريم على هذا التعليق المهم

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.