مشروع إنشاء جامعة خاصة في السنغال.. وضع النقاط على الحروف

محمد بشير جوب

 

بعد المداخلة التي قام بها الدكتور محمد أحمد لوح بخصوص إنشاء جامعة في السنغال، صدرت ردود أفعال غير متوقعة من بعض من يسمون أنفسهم مثقفين. والأسف في أصحاب هذه الردود أنهم تعاملوا مع الفكرة بتوجس كبير، وسطروا أقلامهم لثنْي الحكومة عن عزمها على منح أراضٍ لصاحب المشروع لإقامة هذه الجامعة. وحاولوا يائسين تحريض الدولة على القائم بالمبادرة، واختلاق قصصٍ هنديةٍ لتشويه سمعة صاحب الفكرة، وصل بهم اليأس إلى ربط الاعترافات التي أدلى بها المتهمون تحت قيد المحاكمة في أعمال إرهابية بفكرة إنشاء الجامعة، وأنها لاتكون إلا صبَّ الزيت في نار الإرهاب والتطرف في السنغال.

كما حاول اليائسون سرد جملة من أدلة واهية وسخيفة أثبتت خرفهم، وهدفوا من خلالها تضليل الرأي العام، وسد الطريق عمن يسعى جاهدا -على الأقل- للمشاركة في بناء نهضة وطنه انطلاقا من العلم. وهي خطوة ليست إلا امتداداً من نضال الشيوخ الأجلاء مثل الشيخ عمر الفوتي تال، والشيخ الحاج مالك سي، والشيخ أحمد بمب، أولئك الذين ضحوا بأرواحهم وأنفسِ ماعندهم لتربية الناس وتعليمهم، وإليهم يرجع فضل كل من يسعى إلى بناء شرخ العلم وعمارته، وهنا تكمن المفارقة بين من سخر قلمه ولسانه للوقوف سدا منيعا ضد حركة العلم التي ناضل من أجلها هؤلاء الشيوخ، وإن ادعى الانتماء إليهم وهو عنهم بعيد، وبين من أفدى بحياته في سبيل العلم يطلبه ويعلمه وإن استُبعدَ عنهم تعصباً.

وعليه أريد دحض الشبهات التي ساقها القوم لرفض هذه الفكرة، ولثنْي الحكومة عن القيام بواجبها، ليثبت يقينا أن ما تمَّ سرده من أدلة من قبل هؤلاء ينم عن حقد وغيرة دسيسة. وقد تم تأسيس هذه الأدلة على خيوط عنكبوت، تجعل صاحبها راسبا في امتحان الأمانة العلمية.

خيط ازدواجية التعليم:

ادعى المهرجون أن خطوة كهذه تؤدي إلى ازدوجية التعليم وهم بهذا الاعاء ارتكبوا فضيحتين.

الأولى: الرجم بالغيب، فالطعن على نظام تعليمي جامعي قيد الفكرة، لم يُعلن بعد عن نظامها التعليمي ولاعن لغة التعليم الرسمي التي سوف تتبناها، ولاعن الكيفية التي يتم بها وضع المنهج، أو محتوى البرامج، ليس إلا احتطاباً بالليل، أوالحكم عن الغيب. إلا إذا كان أصحابنا سحرة أو منجمين يسترقون السمع من السماء وعلموا من خلالها ماسيكون في المستقبل.

الثانية: الخطأ في التقدير، وهنا يجب أن نفترض جدلياتٍ ما دام أصحابنا يتكلمون عن الغيب. وسنتوصل بعد سرد كل جدلية إلى وأد الشبهة التي تقبع في مخيلة المهرجين.

فإذا فترضنا جدلا، أن الجامعة ستتبنى المنهج الدراسي الذي تعتمده الدولة، بالإضافة إلى برامجها الخاصة التي تحمل رسالتها كجامعة خاصة، فهنا ينتفي زعم القوم ويثبت العكس، حيث الطالب يتلقى فقط دروسا إضافية في ظل نظام معتمد وطنيا.

وإذا فترضنا جدلا، أن الجامعة تعتمد منهجه الخاص، إلا أنها ستأخذ في الاعتبار احتياجيات السوق المحلي، وأعدت لها مخرجات تتناسب معها، فيسقط حتما ادعاء الازدواجية، لكون الجامعة تلتزم بتبني منهج يؤهل خريجيها للانخراط في السوق العام.

وإذا فترضنا أن الجامعة سوف تتبنى منهجا خاصا يخلق هوَّة بين الدراس والمجتمع، وهو الاحتمال الأسوأ الذي تم إسقاطه على فكرة إنشاء الجامعة عمدا من قبل المهرجين. وهذا ما يفسر النية السيئة المسبقة لديهم تجاه الفكرة وتجاه شخصية الدكتور محمد أحمد لوح، فيكفى الرد عنهم  بالقول: بأن غباء المرء يكمن في أن يجد أمامه أكثر من خيار فيختار أسوأه، ونستبعد هذا الغباء وهذه المغامرة عن شخصية بقدر صاحب الفكرة.

ومما روجه المهرجون في هذا الصدد أن السنغال بحاجة إلى متخصصين في دراسات الكيمياء والفيزياء والنوويات والعلوم الاجتماعية الأخرى، وهنا يمكن توجيه سؤال إليهم لعلهم سيفاجؤوننا بجواب مقنع. هل تأكد لكم أن مشروع الجامعة قد أغفل هذه الناحية بعد ما قمتم بفحص دقيق لتفاصيل هذا المشروع؟

أليس لي حق أن أدعي أنا أيضا في المقابل أن الجامعة ستكون إضافة جديدة ودعما حقيقيا لجهود الجامعات الوطنية الأخرى في هذا المجال؟ وستكون على غرار جامعة الشيخ أحمد بمب التي تم تدشينها مؤخرا بترحيب من جميع أطياف المجتمع السنغالي في محاولة سد الثغرة التي تم إغفالها في التعليم العالي السنغالي، وهي بناء إنسان في خُلقه وسلوكه مع تكوينه في شؤون الدنيا ليؤدي رسالته الإنساني والوطني.

خيط تهميش المستعربين:

هو الخيط الآخر من الخيوط العنكبوتية التي تمسك بها القوم دون خجل، حيث ادعوا أن الجامعة ستزيد الهوة في تهميش المستعربين، وظهرت هنا مغالطات كثيرة يصعب الرد عن كلها هنا، وسنكتفي بإيجاز عن توضيح بعض نقاط فحسب.

فكرة التهميش فكرة مختلقة في عقل المستعرب، أو في عقل من يفكر مثل المستعرب، لأن اللغة ماهي إلا آلية للتواصل، تكون قيمة إضافية لصاحبها بشرط أن ينجح في التأقلم مع حركة المجتمع، وأن يتسلح بالآليات الضرورية التي تؤهله للتفاعل مع الدولة ومع المجتمع، كي يتمتع بحقوقه كاملة بعد أداء واجباته كاملة. وصفوة القول، إذا حصل تهميش للمستعرب أو لغيره ممن يحمل لغة غير لغة الدولة، فلا يخلو من أمرين، أولهما: أن المهمش غير مستعد للانخراط في المجتمع، وهذا يرجع إلى ذات الشخص وليس إلى منهج الجامعة بذاته. ثانيهما: أن الدولة هي من تعمدت بالتهميش وهنا تتحمل الدولة المسؤولة وليست الجامعة.

وإذا ثبت وجود تهميش للمستعربين كان المنطق يستوجب تشجيع مشروع الجامعة لتكون قادرة على  استيعاب المستعربين المهمشين على حد وصفهم، واحتضانهم في برامج تراعي الخصوصيات المحلية ليتكيفوا مع المجتمع.

خيط تسليف المجتمع السنغالي:

وهو آخر خيط المهرجين مفاده أن الجامعة ستجعل المجتمع السنغالي مجتمعا سلفيا، قد يستصعب المرء أصلا فهم هذا الادعاء المعقد والمبني على تكلف واضح، ومع ذلك من السهل تفنيده لكونه مجرد فزاعة تنبني على محاولة اختلاق صراع إيدولوجي في المجتمع وتأجيجه، كما أوقعت هذه الفزاعة أصحابنا إلى تناقض كبير، حيث يكرسون هنا التهميش الذي كانوا يخافون منه، عندما تعمدوا تصنيف الجامعة إلى طائفة معينة، فكما لا يحق لأحد وصف جامعة “شيخ أنت جوب” على أنها جامعة فلانية، أو  تصنيف “كلية بير” أو “جامعة شيخ أحمد بمب” على أنها جامعة علانية، يجب أيضا الالتزام أخلاقيا بعدم تصنيف هذا المشروع تصنيفا طائفيا.

 تلك جملة الأدلة التي أوردها القوم لإثبات تهوراتهم التي تنبئ بالفشل، وما بقي من التضليلات التي أوردوها نتركها للمواطن السنغالي المعروف بنضجه ووعيه ليلفذها بنفسه، لأنها أدلة تنبني على نفس الأوهام الذي أسلفنا ذكرها أو على ما هو أوهن منها.

يبقى لنا أن نشير فقط إلى أن من ينسب نفسه إلى الثقافة والعلم يجب عليه أن يلتزم على الأقل بالإنصاف وبأخلاقيات البحث العلمي، وإلا سينسف مصداقيته بنفسه، ويتحول إلى باحث مأجور ومكشوف.

فننتظر من الباحث أو ممن يهتم بالشأن العلمي أن يكون ممن يدعم الحركة العلمية، ويتمنى أن تكون دولته في قائمة الدول الأكثر تقدما في العلم. خاصة عندما نعرف أن التعليم أصبح شأنا للمجتمع وليس مسؤولية الدولة فقط، سيما أن السنغال كدولة أصبح عبء التعليم ثقيلا عليها. وتحتاج إلى مبادرين وطنيين يشاركون بسهمهم في إصلاح التعليم.

ويكفي أن نضرب مثلا لدولة مثل نيجيريا التي تحتضن أكثر من 70 جامعة خاصة، أو الكاميرون التي تحتضن أكثر من سبع جامعات خاصة، أو بالأحرى دولة مثل غانا التي تحتضن ما يصل إلى 64 جامعة خاصة.

ولعل الأمثلة تتضح أكثر عندما نجد الجامعة الإسلامية في النيجر تنافس الجامعات الحكومية وتحقق نتائج مرضية على المستوى الوطني والدولي، كما نجد دولة مثل يوغندا ذات الأقلية المسلمة تحتضن جامعة إسلامية دون تخوف أو توجس من أحد ونجد مثلها في كينيا في ظروف مشابهة.

عندما نأتي بهذه الأمثلة –مع الوضع في الاعتبار اختلاف السياقات- نريد أن نثبت فقط أن الجامعات الخاصة التي تؤسس مهما كانت توجهاتها، يمكن أن تكون إضافة نوعية للتعليم الوطني، إنما يجب أن يكون التركيز فقط على حث الدولة للقيام بتحمل مسؤولياتها، كما على الجامعة القيام بدورها؛ بدل اللجوء إلى معركة خاسرة تُقصد بها شق الالتحام والنسيج الاجتماعي الذي تبناه المجتمع السنغالي وأصبح من شيماته الأساسية التي يجب على كل مواطن إيجابي الحفاظ عليها.

2 تعليقات
  1. الحسين كان يقول

    كلام من الصميم.

  2. شيخ أحمد جينغ يقول

    لا فض فوك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.