تعقيبٌ على بيانٍ مزعومٍ حول المشروع القانوني المتعلق بالكتاتيب (الدارات)

(*)  فاضل صار

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله الأبرار، وصحبه الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان، إلى قيام يوم الدين.
وبعد،
يقول الله تعالى: ” ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا” النساء: 115.
وقال رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ” يد الله مع الجماعة” صححه العلامة الألباني في الإرواء، (رقم 2452).

فقد اطلعت على بيان منسوب لرابطة المدارس القرآنية من صفحة ( فيس بوك) للمدعو قاضي جخاتي، تعلن فيه عن رفضها القاطع لمشروع القانون الأساسي للمدارس القرآنية، ممهدة موقفها هذا، بادعاءات جوفاء على نظام التربوي السنغالي واتهامات بالعلمنة ومحاربة تعليم القرآن وأهله القائمين بالمشروع.
ونحن، كمسلمين، نؤمن بالإصلاح التدريجي لنظامنا التعليمي، والذي تبناه ولاة أمورنا في هذا البلد، منذ عقود من الزمن، بمباركة الزعماء الدينين والحركات الإصلاحية، وذلك بوضع لبنات قوية تصبو إلى إقامة العوج واستجابة مطالب اجتماعية أساسية؛ باتخاذ مبادرات واجراءات لتحقيق مطالب تربوية للمجتمع السنغالي المسلم.
فأفرز بهذه الإنجازات التي سأذكرها بالإيجاز لا الحصر:
1- إدخال التعليم العربي في المدارس الإبتدائية العمومية منذ سنة 1960م.
2- إنشاء المعهد الإسلامي بدكار سنة 1973م
3- إنشاء قسم للتعليم العربي سنة 1986م
4- إدخال التربية الدينية في النظام التربوي السنغالي 2002 م
5- تحديث المدارس القرآنية 2002 م بوضع منهاج تربوي حديث يعد الطلاب لحفظ كتاب الله وامتلاك كفايات أساسية تؤهلهم لمواصلة دراساتهم العليا؛
6- إنشاء إدارة خاصة تهتم بتطوير المدارس القرآنية 2004 م؛ يقوم بأمرها موظفون من حفظة القرآن وحملة الثقافة العربية الإسلامية؛
7- تعيين مدير لمفتشية المدارس القرآنية 2008 م؛
8- إنشاء مدارس فرنسية عربية عمومية 2002م، وقد وصل عددها الآن 527 مدرسة.
وكل هذه الإصلاحات التدريجية أتت ملبية مطالب الهوية الإسلامية لهذا البلد، ولا أعلم مواطنا مسلما سنغاليا جادا ومعتبرا أعرض عن هذه الإنجازات ولم يستفد من خيراتها.

أما مشروع القانون الأساسي للمدارس القرآنية فليس إلا استمرارا لهذا النهج الإصلاحي التدريجي،
فبعد تأسيس مفتشية المدارس القرآنية، قد تم إعداده على نهج المشاركة الاستيعابية لجميع المعنيين من أهل القرآن، بمن فيهم ممثلين عن رابطة المدارس القرآنية، بإشراف خبراء التربية من أبناء مسلمي هذا البلد، فلما تمت مسودة المشروع عرضت على مسؤولي جمعيات المدارس القرآنية فناقشوها وأبدوا ملاحظاتهم عليها، وللأسف لم يوصلوا ما تمت مناقشتها إلى قواعدهم، لذا، لما طلب رئيس الجمهورية السيد ماكي من وزير التربية سرين امباي تيام عرض المشروع على الزعماء الدينيين، قبل تقديمه للتصويت في البرلمان، قامت قائمة بعض قواعد جمعيات المدارس القرآنية، بحجة عدم معرفتهم هكذا النوع من المشروع!، فطلب رئيس الجمهورية من وزير التربية التوقف وإعادة المشروع إلى أهل القرآن، للوصول إلى موافقة جماعية، وأرسلت مفتشية المدارس القرآنية المشروع إلى جميع جمعيات المدارس القرآنية والشخصيات المعتبرة من أهل القرآن، منتظرة سنة ونصفا، وبعد مدارسة الجمعيات والشخصيات المعتبرة من أهل القرآن المشروع أرسلت ملاحظاتها إلى المفتشية، بما فيها رابطة المدارس القرآنية.

ففي سنة 2015م، نظمت اللجنة المنظمة ( لماغال طوبى) جلسة وطنية لمدارسة مشروع القانون الأساسي للمدارس القرآنية، لمدة يومين، من 21 إلى 22 نوفمبر 2015م، في طوبى، دعت فيها الجمعيات القرآنية، بما فيها الرابطة، وقيادات الحركات الإصلاحية والزعماء الدينيين، تمخضت عنها التوصيات للمضي قدما على هذا المشوار، مع ابداء ملاحظات على بعض البنود، وقد وعد الشيخ محمد البشير بن الشيخ عبد القادر، في الحفلة الختامية، بتسليم أعمال الجلسات إلى الخليفة العام للطائفة المريدية الشيخ سيدي مختار امباكي على أن يسلمها بدوره لرئيس الجمهورية السيد ماكي صال، وقد شارك في هذه الجلسات بعض أعضاء الرابطة، بمن فيهم، السيد الأمين العام لرابطة المدارس القرآنية!.

وبعد هذه الجلسة الوطنية القيمة والمسؤولة، رأت مفتشية المدارس القرآنية بأمر من وزير التربية الوطنية أن تدعو إلى جلسة لإدماج ملاحظات جمعيات المدارس القرآنية والشخصيات المستقلة، فتم عقد اجتماع في المركز الوطني للموارد التربوية ثلاثة أيام، من 27 إلى 30 2016م، لتدارس المشروع – بندا بندا– فأدمجت جميع ملاحظاتهم، وكان المشروع مؤلفا من تسع عشرة بندا، اتفق المناقشون على حذف بندين فبقي سبع عشرة بندا.

ثم دعيت إلى جلسة وطنية عامة في امبور برئاسة وزير التربية الوطنية سرين امباي تيام لمدة ثلاثة أيام، من 27 إلى 29 ديسمبر 2016م، حيث اجتمع فيها جميع ممثلي الزعماء الدينيين والحركات الإصلاحية والشخصيات المستقلة، بمن فيهم، ممثل رابطة المدارس القرآنية!، وكان العدد أكثر من مائة شخص، من مختلف الشرائح والأطياف الفاعلة في الساحة الإسلامية، وكلهم مسلمون ومسؤولون من أهل القرآن، فأبدوا بالإجماع موافقتهم ومصادقتهم على مشروع القانون الأساسي للمدارس القرآنية.

وبعد كل هذا، فكيف يقال بأن هذا المشروع أعد لمحاربة القرآن، ويتهم القائمون عليه بالعلمنة والمكيدة على تعاليم القرآن وأهله؟ فضلا عن أن هذا المشروع يخص فقط المدارس القرآنية التي اختارت طوعا التعامل مع الدولة وتتلقى دعما منها، ولا يفرض على أية مدرسة قرآنية.

إلى الله المشتكى!

(*) مفتش التعليم العربي والتربية الدينية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.