الشيخ سليمان بالْ مؤسس دولة الأئمة في فوتا تورو

الحسين محمد كان الفوتي

كلمة لا بد منها:

إن هذه الدراسة جاءت بعد قراءة مركزة للكتاب الموسوم بـ” دولة الأئمة: تجربة إسلامية على ضفاف نهر السنغال إحدى أنجح محاولات إحياء الدولة الإسلامية “، للبحاثة الكبير الدكتور محمد سعيد باه، والذي جاء فيه بالجواهر والدرر، حيث كشف أبعاد دولة الأئمة منذ أن كانت تحت حيز التنظير إلى أرضية التطبيق.

وفي خضم إبراز المحطات التاريخية التي مرت بها هذه التجربة خصص المؤلف – حفظه الله – لشخصية “سليمان بال” فصلا تحت عنوان: (سليمان بال مفجر الثورة).

وحرصا مني على تعميم الفائدة، وخدمة التراث المحلي، وفي إطار السعي لإبراز الدور الطلائعي الذي أداه الإصلاحيون في كل زمان ومكان، ارتأى لي تناول الفصل المخصص لهذا المصلح الكبير وعرض أهم المحاور التي شملها، وذلك وفق المنهج الآتي:

1) تلخيص أهم مشمولات الفصل، وذلك بعد قراءة معمقة.

2) التحري – قدر الإمكان – على أن يكون الملخَّص موافقا للموجود؛ مما جعلني لا أكاد أخرج في أغلب الأحايين عن عبارات المؤلف.

3) الاستشهاد بنصوص في الكتاب خارج الفصل المخصص لزيادة التوضيح، وذلك في ثلاثة مواضع:

    أ-  في التوطئة عن دولة الأئمة.

    ب- في تحديد مفهوم ضريبة “مد حرم” .

    ج- في المبادئ الدستورية التي وضعها الشيخ سليمان بال قبل استشهاده.

4) وضع عناوين للمحاور، مراعيا في ذلك مطابقتها لما يُتناوَل تحتها.

هذا، وقد ذكرنا لمحة بسيطة عن دولة الأئمة والظروف التاريخية التي وُلدت فيها ليكون مقدمة تضع القارئ على خارطة التصور الواضح لجهود صاحبنا “سليمان بال” .

والحمد لله أولا وآخرا.

لمحة عن دولة الأئمة:

(17761880م)

إن فترة ما بين نهاية القرن السادس عشر إلى منتصف القرن التاسع عشر الميلاديين تعتبر من أبرز الفترات التي شهدت حضورا إسلاميا قويا في منطقة غرب إفريقيا بما فيها ضفاف نهر السنغال، مما لفت انتباه المؤرخين المسلمين أمثال: ابن بطوطة، ابن خلدون، الإدريسي،،، بل بلغ الحضور الإسلامي بالمنطقة إلى أن أسماها بعض الكتاب الأروبيين أمثال “كولي”: بـ(أرض زنج العرب).

وفي هذا الأثناء ظهرت دولة الأئمة في ضفاف نهر السنغال، بعد ثورة ناجحة قادها العلماء سنة 1776م متزامنا مع أحداث تاريخية جسام من بينها:

1) حكم عائلة “ديننكوبي” التي عاثت في المنطقة فسادا، مما جعل السكان يعاني من ويلاتهم.

2) فترة التوتر نتيجة احتدام وتيرة النزاع الداخلية بين الأسر المتنافسة في الحكم مما أدى إلى تدخل الأطراف الأجنبية لدعم بعض أطراف هذا النزاع، كتدخل الممالك البيضانية في موريتانيا.

3) سوء العلاقة بين إمارة (والو) وبين الحسانيين الذين هم سبب إرهاق السكان بضرائب باهظة يتوجب دفعها للحسانيين عرفت عندهم بـ”مد حرم” وهي: ضريبة سنوية بمقدار صاع عن كل رأس من سكان فوتا تور، وأوصلتها بعض الروايات إلى عشرين صاعا.

وسط هذا الوضع المضطرب ظهرت أسماء لامعة رأت ضرورة تغيير هذا الجو الممتلئ بالممارسات التي لا يقرها عقل ولا شرع، نعم، ظهر أناس خططوا للثورة ووضعوا أسسها، وهم ما زالوا طلاب علم في “كَجُورْ”، ويأتي على رأس القائمة:

الشيخ المجاهد (سليمان بن راسن بال).

وسيكون حديثنا عنه وفق المحار الآتية:

المحور الأول / سليمان بال البطل المجهول:

يعتبر الشيخ سليمان بال من أهم الرجال الذين قادوا حركة إصلاحية ناجحة أحيت التجربة الإسلامية خلال القرون الخمسة الماضية، وهي دولة الأئمة التي عمرت قرنا كاملا، ومع ذلك بقيت شخصيته مجهولة؛ لأن حظه في التعريف على المستوى الداخلي والخارجي لا يزال ضئيلا بالمقارنة مع رموز إسلامية تقل عنها دورا وتأثيرا.

وفي هذا الإطار أحيي الجهود التي بذلها الدكتور محمد سعيد باه كما أسلفت.

المحور الثاني / المولد والنشأة:

1) ولد الشيخ سليمان راسن بال – على الأرجح – في مستهل القرن الثامن عشر الميلادي من أسرة علمية ودينية “أسرة تشارنو آسو بال”.

2) درس القرآن الكريم في فوتا ثم توجه إلى موريتانيا لطلب العلم وهناك عاين الظلم الذي يرتكب في حق المستضعفين من سكان فوتا، مثل ظاهرة الاسترقاق والسلب والخطف التي شاعت عند بعض القبائل البيضانية الموريتانية، ثم رجع إلى فوتا بعد الغليان السياسي، وبعد ذلك توجه إلى جامعة (بير) والتقى فيها بشباب مسلمين متحمسين جاءوا من فوتا، وتعتبر جامعة (بير) المحضن الأم للثورة التي ستقام فيما بعد.

المحور الثالث / مشروعه الإصلاحي:

كان مشروعه الإصلاحي يقوم على أساسين:

1) أن الوضع في بلاد فوتا أصبح جاهليا تحت أسرة دينينكوبي الظالمة الفاضحة.

2) أن طريق الإصلاح يكون بالعودة إلى الإسلام لا غير لإقامة نظام عدل.

ونلمس تجسيد هذا المشروع في طريق عودته من “بير” إلى “فوتا” حين وضع خطة محكمة منها:

   أ- تكوين قاعدة دعوية لنشر أفكاره الإصلاحية عن طريق توظيف عامل العصبية وبالتشاور مع من تربطهم به علاقة قرابة.

   ب- توظيف الكلمة وتحريك العواطف الدينية عن طريق جولات مستمرة في القرى المجاورة، وإقناع كبار الشخصيات أصحاب الكلمة المسموعة، وكان خطابه معبأً بقضيتين مركزيتين:

القضية الأولى: الظلم الذي يعاني منه السكان نتيجة حكم دينينكوبي الذي يستبعد الإسلام ويحاربه.

القضية الثانية: التدخل الأجنبي المتمثل في نفوذ جيرانهم الشماليين من البياضيين الذين فرضوا عليهم ” مد حرم”.

وفي هذا الصدد يحسن أن نذكر بأن الشيخ كان عمليا وذلك أنه اعترض على البعثة التي كانت تجوب المنطقة لتحصيل ضريبة ” مد حرم” وبعد ردود من الطرفين كسر الشيخ المكيال على رأس أحدهم فقتل الرجل، وبذلك أنهى ضريبة الذل التي طالما تجرع السكان المرارة والإذلال بسببها.

المحور الرابع/ مبادئ ومواقف:

1) كان يرفض الظلم بكل أشكاله، حارب حركة النخاسة التي انتعشت في تلك الفترة، فكان ينظم عمليات إنقاذ المختطفين وردهم إلى أهليهم.

2) ومن الشواهد لرفضه الظلم أنه رأى مرة طفلا مربوطا في سفينة وهو يقرأ القرآن، فتأثر بذلك وسأل عن سبب ربطه فعلم أنه اختطف من طرف رجل وثني، من هنا طلب الشيخ من المختطفين إطلاق سراح الطفل فرفضوا مما جعله يستعمل القوة لإنقاذ وفعلا أنقذه.

المحور الخامس / تجارب وترتيب أولويات:

1) اتخذ بلدة “جمبو” الموجودة في المناطق الغربية لـ”فوتا” مركزا لدعوته، بعد أن حول حركته إلى تجمع إسلامي واسع.

2) احتك الشيخ بجماعة ” لام تور” بعد أن استنجدت امرأة بالشيخ لينصفها من ظلم تعرضت له، وربح الشيخ هذه المعركة.

3) بعد هذه النكسة استنجد زعيم ” لام تور” بالترازة  البيضانيين وكان أميرهم ” محمد الحبيب”، ونظرا لضخامة هذا الجيش المسلح انهزم الشيخ أمامه فاضطر للرجوع إلى مدينة “كبّلوا” التي ستصبح فيما بعد عاصمة لدولة الأئمة.

4) ثم بعد ترتيب للأولويات قرر الشيخ تصعيد الوضع فاتصل بالحاكم “سلي انجاي” يعرض عليه دعوته فرفض الأخير، ثم بقي الشيخ خارج العاصمة في قرية “حركجر” يعظ الواصلين إليه حتى قويت شوكته، ومن هنا قرر الحاكم “سلي انجاي” الهروب ليلا بالسفينة بعد أن علم أن الوضع لصالح الشيخ … وهكذا دخل الشيخ في العاصمة، فنظم الأمور، وحارب القيلية، بل وجه قوى المنطقة لمحاربة البياضين الذين يمثلون الخطر الحقيقي على المنطقة.

5) خاض الشيخ عدة معارك، وكان النصر حليفه في معظمها… وكان جيشه قويا تَكَوَّن من أهل “فوتا” قوامه العلماء الذين شكلوا السواد الأعظم من “توربي” طبقة النبلاء المتعلمين، لذلك عرفت حركته في بعض المصادر بـ”ثورة توربي” أو “ثورة الفقهاء”.

6) استطاع الشيخ بجيشه وخططه خلال سبع سنوات أن يقلب موازين القوى في المنطقة، وانتقل من موقف الدفاع إلى موقف الهجوم حتى تصدع حكم دينينكوبي رغم دعم القوى الشمالية له.

المحور السادس/ الشيخ ودستور إقامة الدولة

 لم يكن سليمان بال يكن مجرد قائد عسكري، بل كان يحمل مشروعا واضح المعالم لإقامة دولة العدل كما يتجلى ذلك في المبادئ الدستورية التي وضعها قبل استشهاده، يقول – رحمه الله – فيه: ” إن النصر مع الصابرين، أنا لا أدري هل أموت الآن أم لا، فإذا مت فانظروا إماما عادلا زاهدا ورعا، لا يجمع الدنيا لنفسه، ولا لعقبه، وإذا رأيتموه قد كثرت أمواله، فاعزلوه وانهبوه، وإذا امتنع فقاتلوه، واطردوه، لئلا يكون ملكا عضوضا يتوارثه الأبناء وولوا مكانه غيره من أهل العلم والعمل من أي القبائل، ولا تتركوا الملك في قبيلة خاصة، لئلا تدعي الوراثة، بل ملكوا كل مستحق”.

المحور السابع/ الشيخ كأنك تراه

” وأما مفجر هذه الحركة الشيخ سليمان بال فقد جمع إلى جانب العلم والورع والشجاعة وبعد النظر الذي يتجلى في الطرح الذي اعتمده حيث لم يكتف بالتنديد بالسلطات القائمة وحلفائها من الأجانب وإنما ركز على ضرورة إيجاد البديل من خلال المطالبة بنصب إمام مسلم مؤهل يحل محل “ستيغي” وأعوانه من الأجانب في حكم فوتا تورو .

 وقد وصفه المؤرخ الكبير (سري عباس سه) في كتابه: استدراك ما فات وما كاد أن يفوت من أخبار فوت بهذه الكلمات:

 رحم الله محيي الدين، ومعتق الرقاب الشيخ سليمان بال بن السيد رشيد “

المحور الثامن/ استشهاد الشيخ

1) في إطار جهاده ضد الأعداء الشماليين الذين كان يعتبرهم الخطر الحقيقي الذي يهدد أمن البلاد واستقراراها وقع شهيدا في معركة خاضها ضد أولاد الناصر الذين توجه لقتالهم بعد أن أغاروا على بعض القرى.

2) وبهذا طويت صفحة رجل عظيم فَجَّر إحدى أنحج حركات الإصلاح الإسلامي في منطقة غرب إفريقيا، بعد أن وطد لحركته أركانا قوية في جميع أنحاء فوتا تورو.

وأخيرا:

تمثل دولة الأئمة نموذجا جميلا لدولة المعرفة أو يمكن وصفها بأنها كانت دولة الفقهاء، وقد قال عنها آخر بأنها كانت جمهورية انتخابية على أساس الدين.

كانت هذا وذاك، ولكنها بالدرجة الأولى كانت دولة تمتلك مقومات الدولة وأدت رسالة الدولة من المنظور الإسلامية، وهنا سر نجاحها، ومكمن نفوذها.

 

3 تعليقات
  1. شيخ احمد تيجان شخنا كويتا السنونكي الكهيدي يقول

    والله ما احسن هذا العمل الرجوع الى تاريخ الشيوخ. الافاضل. الذين ساهموا في نشر الاسلام. الصخيح. الخالي. عن. الظلم. والقبلية واخيرا. جزاكم الله خير الجزاء

    1. غير معروف يقول

      رقم الهاتف. 41018976

  2. عيسى سيدبي يقول

    من جهل نفسه وماضيه يصعب عليه بناء حاضره ومستقبله

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.