الاستقلال بين أحلام وآلام !

بقلم الكاتب/ شيخ تجان سيك

حصلت السنغال ومثيلاتها الأفريقية على الاستقلال منذ الستينات، وكانت الآمال معقودة على أن تتحرر إفريقيا، وتفك الأغلال من ربقة الاستعباد الممنهج، والاستبداد المستميت، والحد من تدخل النفوذ الأجنبي الذي أدى إلى انهيار أساس إفريقيا، وتوغلها في مستنقعات الكوارث التي لها انعكاسات خطيرة في المجتمع الإفريقي.

 ومع الأسف الشديد، فإن الاستقلال المنشود لم يتحقق إلى يومنا هذا، ولم يتنفس شعب إفريقيا عَرْف الحرية والعدالة الاجتماعية، ولا بريق النهضة الحقيقية، التي طالما كانت الأعناق تشرئب إليها؛ فالسياسة الإفريقية لم تتحرر، وهي مخنوقة بين مطرقة أيدي الأجانب الانتهازيين، وسندان العملاء الطغاة المستبدين، يتصرفون في إدارة الدولة وفق أغراضهم ومصالحهم الشخصية. فالمؤسسات الإفريقية لم تشم رائحة الاستقلال، وقد أنشئت على غرار المؤسسات الدولية لا لأجل التنافس ودراسة قضايا القارة، بل تخدم أجندة كبريات القوى الدولية. فاعلية المؤسسات الافريقية وجدواها واستقلالها في طرح قضايا القارة ودراستها بكل حرية وشفافية محل النظر .

فهل سياستها في إدارة القارة الأفريقية، وفض المنازعات، واقتراح المشاريع الهائلة المنشودة، نابعة من بنات أفكار الأفارقة وقرائحهم، أو تدخلت فيها جماعة الضغط المشبوهة، ذات أفكار متناقضة، ورؤى متباينة عن طبيعة أفريقيا وعقيدتها، وعاداتها، وثقافاتها. فالمؤسسات والقوانين التي نعتز بها، غالبيتها مستوردة من الخارج، يعسر تنزيلها في أرض الواقع ذات نمط معين، وتقاليد، ودين ترسخت جذوره في النفوس.

ومن المفارقات العجيبة، أن نفتخر بالاستقلال فكريا وثقافيا، ونسمع في الحوار العام من يحاول إقناع المخالف عن طريق الاحتجاج بالمؤسسات أو الدساتير الخارجية، مع ما فيها من المخالفات المصادمة لعقيدتنا وأعرافنا، يعلي من شأنها، ويتناسى عن الرؤية الإفريقية الخالصة والتجارب التي لها شأنها في الساحة الفكرية، فكأن المقومات الذاتية لا تسري في أوصال إفريقيا وعروقها.

 لما ذا رفضت إفريقيا أن تستقل فكريا!؟ ماذا أفادتنا التجارب التي استوردناها من الخارج! منذ وقبل الاستقلال؟ هل عجزت إفريقيا أن ترفع رأسا لاستلهام الجوهر النفيس، والكنوز الذهبية التي تقبع في الرؤية الإفريقية، فكأن هذه الرؤية ضد الحضارة ورُقي الاجتماعي والإنساني، فكأنها وباء فتّاك يقضي على حيوية الحياة وعلى السعادة.

فالشعور بالدونية، وعدم الثقة بالكفاءات الحاضرة في الإنسان الافريقي، وإيثار التغريب، والاستلاب الثقافي، يُشكّل عاملَ تثبيط إفريقيا وصرفها عن مشروعها النهضوي.

كلما تقدمت الأيام كلما يتلاشى تفكيرنا الإيجابي نحو الحرية الحقيقية، وتأكيد هويتنا الافريقية، والمطالبة بالاستقلال التام، والإبداع، واستغلال الموارد الطبيعية الزاخرة في أرض إفريقيا الخصبة دون أي تدخل أجنبي.

وعندنا في إفريقيا نخبة من أعلام المفكرين والعلماء لا زالت شُعلتهم التنويرية تتلألأ في الآفاق والأجواء، يبقى فقط من يقترب من تلك الشعلة للاستنارة وللخروج من مآزق الحياة الخانقة منذ قرون على القارة السمراء. ولنا خير مثال على المفكر العملاق، رجل الثقافة والثورة الشيخ “تيرنو سليمان بال” فقد سجل التاريخ في صفحاته أنساقا فكرية تنموية للشيخ تيرنو سليمان بال.

حريُّ بأن تسهم رؤيته البنّاءة في تحرير شعوب إفريقيا بأكملها، وتخليصها من التحديات العصرية والعقبات التي تقف حجر عثرة أمام تقدم الفرد والمجتمعات، والتأكيد على الذات.

فالقيادة الرشيدة التي اقترحها الشيخ سليمان بال، ما زالت راقدة وراكدة في ذاكرة بعيدة المدى، مع ما تزخر من المنهجية، والعدالة، والواقعية، وقابلية الممارسة والتطبيق في واقع المجتمع الإفريقي. 

أملنا كبير في أن تخلع القيادة الإفريقية ثوب التبعية وذوبان الهوية والشخصية الإفريقية في بوتقة الانحطاط العلماني الذي لا يجر الشعب الإفريقي إلا إلى التخلف والرجعية في كل مجالات الحياة، والتخلي عن عقيدتها الصافية.

 فثورة سليمان بال خريطة فريدة من لونها ترسم لنا طريق السعادة والهناء، وإزالة العقبات التي تدمر شخصية الإنسان داخليا وخارجيا.  وقد سبقت ثورته الثورة الفرنسية، وتمتاز عنها بمرجعيتها وأسسها الدينية، ومرونتها، وقابليتها للتطبيق بكل سهولة.

ومع ذلك كله، فالعصرانيون أدعياء التحضُّر والتقدم أبوا إلا أن يتجاهلوا هذه الثورة التاريخية العظيمة، هِيامٌ بالثورة الفرنسية، فكأنها نازلة من السماء! من أمعن النظر في أبعاد ثورة الشيخ سليمان بال وغاياتها النبيلة المرجوة، يدرك يقينا أنها ملائمة لطبيعة الحياة، وسعادة للبشرية جمعاء، تحارب النظام الطبقي برمته، وإجحاف على المواطنين الذين لا صوت لهم في المجتمع، فالأمير أو الرئيس ليس إلا فردا من أفراد المجتمع، أنيط على عاتقه مسؤولية إدارة الدولة ورعاية شؤونها، وليس مسيطرا على المرؤوسين، ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن يشعر بالاستعلاء على غيره، أو يدسّ بأقدامه الجائرة على حقوق المواطنين، وينتهك حرماتهم، وليس له حق مطلق أن يتصرف في ممتلكات الدولة  وفق هواه، فالثراء الفاحش اللاشرعي يعاقب قانونيا في دستوره! والذي ذكرناه قطرة من بحر التشريعات والقوانين التي مازالت العقول السليمة تشيد بمكانتها وعبقرية واضعها.

حري بنا أن نحرر أنفسنا من العدو الداخلي قبل الخارجي، وقد صدق أحد مناضلي العرب حيث يكرر كثيرا ” أخرجوا المستعمِر من قلوبكم يخرجْ من أ رضكم” فالاستلاب الثقافي والاستسلام الفكري، وتسليم زمام أمورنا إلى من لا يرقب فينا إلاًّ ولا ذمة، كل هذا صرع القارة السمراء، وأبعدها عن مصاف الدول النامية التي تحررت ونهضت رغم العقبات الماثلة أمامها، ورغم كونها تتخبط وتسير نحو هدفها في ليل مظلم لا يؤمن فيه العثور ولا الكبوة. أما إفريقيا رغم مقومات الحياة، ورغم المحجة البيضاء التي يحفها النبراس في كل الأنحاء ما زالت راقدة في لحاف الخمول الفكري وعقلية الخنوع والتبعية.

وكان على الدول التي تحتفي بالاستقلال المزيّف، وتهدر أموالا طائلة، أن تتجرأ على النقد الذاتي وعلى الاستبطان الصادق لكشف مدى زيف دعاوى الاستقلال، ومدى واقعية الاستغلال الأجنبي، ونهب خيرات البلد باسم الشراكة، وباسم الإصلاح المتبادل بين البلدين، وباسم العولمة والانفتاح على العالم

تحيا إفريقيا!!

تحيا السنغال!!

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.