أبحاث ومنشورات كلمة الله هي العليا للشيخ أحمد مبكي غيندي فاطمة (شرح وتحقيق للشيخ انجوغو امباكي صمب) الجزء الثالث:

 

الجزء الثالث:

 

المبحث الثالث : الدراسة والتعليق .

 الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا ، والصّلاة والسّلام على ناصر الحقّ بالحقّ ، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين .

وبعد :

فهذا نصّ الكلمة التي أبرزها  بطل الاسلام الشيخ أحمد البكي ابن الشّيخ محمد المصطفى ابن الشيخ أحمد بمب لمّا عرض عليه العلماء السّنغاليّون قانون العائلة .

الشرح والتعليق .

جرت العادة عند المصنفين من علماء المسلمين على الافتتاح باسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وذلك من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في كتبه ورسائله ، وهو من براعة الاستهلال ، وحسن التقديم ، ويعد من خصائص كتب أهل الإسلام التي تتميز بها عن كتب أهل الكفر والشرك والإلحاد .

 و الغرض منه طلب البركة والتوفيق من الله تعالى ، والاستعانة به سبحانه على قول الخير والنطق بالحق والحكم بالعدل ، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلي الله عليه وسلم (( كل كلام أو أمر ذي بالٍ لا يفتح بذكر الله عَزَّ وَجَلَّ فهو أبتر أو قال أقطع )) [55] .

والظاهر أن هذه المقدمة من كلام الناشر أو الناسخ والله أعلم ، وليس من كلام المصنف رحمه الله تعالى ، وفيها إشارة إلى مناسبة كتابة هذه المذكرة ، ويبدوا أن الأصل فيها أنها ورقة مقدمة في ندوة أو حوار كان بين الشيوخ حول مشروع قانون الأحوال الشخصية .  

 قال المصنف رحمه الله تعالى :

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله .

حضرات الإخوان الكرام .

 فقد طالعت ما كتبتم في قضية قانون العائلة الذي وضعته الحكومة السّنغاليّة ليتّخذه الشّعب قانونا يُسيّر عليه أحواله كافّة دينيّة ودنيوية ، فقد احسنتم وأدّيتم مّا أوجب الله عليكم من الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر فجزاكم الله عن الاسلام وعن المسلمين خيرا كثيرا .

الشرح والتعليق .

هنا يبدأ كلام المصنف رحمه الله تعالى ، حيث افتتح كلامه بالحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، ثم بعد ذلك يوجه خطابه إلى المعنيين من الشيوخ ، ويذكر أنه قرأ ما كتبوه حول مشروع القانون لبيان موقفهم منه ، ثم شكرهم على ذلك ، وأكد بأن صنيعهم هذا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على أهل العلم والزعامة الدينية .

وهذا الشكر والاستحسان لما قام به الشيوخ من كمال أدبه رحمه الله تعالى وحسن معاملته لأهل العلم ، حيث لم يهجم عليهم بطرح ما عنده من أفكار وآراء .

وقال المصنف رحمه تعالى :

وأمّا أنا ، فقد قلت قبل هذا إنّ ذلك القانون لا أعتبره قانونا ، ولا أعتقد أنه قانون يليق إخراجه لمجتمع إسلامي ، لتناقض أحكامه مع الآيات القرآنية على طول الخطّ ، وتنافيه مع الأحاديث النبويّة المتواترة ، وخرقه الاجماع القطعي، وخصوصا الأحكام التي تتضمن الأحوال المتعلّقة بالأسرة من نكاح وطلاق وميراث ونفقة ومعاملة الزوجين وبر الوالدين وغير ذلك فمصدر القانون للمجتمع الاسلامي هو الله وحده ، في ما نصّ عليه في كتابه وسنّة نبيه .

الشرح والتعليق .

شرع رحمه الله تعالى في بيان موقفه من مشروع القانون ، مشفوعا بالأدلة والبراهين ، موضحا بأنه لا يعترف به قانونا يلزم المسلمين ، فهو عنده قانون باطل ، لمخالفته في كل وجه لأصول الحكم ومصادر التشريع في الإسلام ، وهي الكتاب والسنة والإجماع ، وخاصة ما وضع له من تشريعات متعلقة بالأحوال الشخصية من أحكام النكاح والطلاق وحقوق الزوجين والميراث ونحوها .

ولم يلتفت رحمه الله إلى ما تذرع به واضعو القانون أن من مصادره الشريعة الإسلامية وعادات الشعوب السنغالية بعد إسلامها ، لكون ذلك من الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعضه ، وقد قال تعالى { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } [56] ، وكونه من التلفيق بين حكم الله وحكم الطاغوت ، قال تعالى { فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }[57] .

ثم ذكر رحمه الله تعالى بأن المشرع الوحيد للأحكام عند المسلمين هو الله وحده ، قال تعالى { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ }[58]  ، وأن حكم الله تعالى وتشريعاته يؤخذ من كالقرآن الكريم والسنة النبوية ، قال تعالى{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ } [59] .

وقد أنكر علماء الإسلام من قبل العمل ب (( الياسق )) الذي وضعه جينكيزخان وحرموا التحاكم إليه ، رغم اشتماله على بعض أحكام الشريعة الإسلامية ، قال ابن كثير رحمه الله تعالى (( وَهُوَ ( الياسق ) عِبَارَةٌ عَنْ كِتَابٍ مَجْمُوعٍ مِنْ أَحْكَامٍ قد اقتبسها من شَرَائِعَ شَتَّى ، مِنَ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ وَالْمِلَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ وغيرها، وَفِيهَا كَثِيرٌ مِنَ الْأَحْكَامِ أَخَذَهَا مِنْ مُجَرَّدِ نظره وهواه ، فصارت في بنيه شرعا متبعا يقدمونه على الحكم بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ))  [60] .

وهذا الذي ذكره بن كثير رحمه الله في شأن ( الياسق ) ينطبق على جل دساتير الدول الإسلامية المعاصرة ، حيث ينص فيها على أن الإسلام دين الدولة ، وأن  الشريعة الإسلامية من مصادرها التي استقت منها ، ونحو ذلك من العبارات الخداعة  ، ولذلك يقول العلامة أبو زهرة رحمه الله تعالى (( وما أشبه الياسق الذي وضعه جنكيزخان بقانون (نابليون ) ، وما جاء بعده من قوانيننا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي القدير))  [61].

وقال المصنف رحمه الله تعالى :

وليس لأيّة سلطة أخرى حقّ في مخالفتهما ولا الخروج عن مّا ورد فيهما من نصوص ، وبذلك يخالف القوانين الوضعيّة التي تتغير بين حين وآخر حسب الظّروف والأزمان  .

الشرح والتعليق .

وبعد أن بين بطلان هذا القانون الوضعي ومخالفته لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، يقرر المصنف رحمه الله بأنه ليس لأية سلطة أخرى لا رئيس الجمهورية ولا مجلس الشعب ولا غيرهما حق في مخالفة أحكام الله ورسوله ولا الخروج عليها ، بأن تسن تشريعات تخالفها أو تضاهيها ، قال تعالى { وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}[62]  .

ذلك لأن الشريعة الإسلامية شريعة ثابتة في أصولها ومبادئها لا تتغير أبدا ، قال تعالى { لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }[63] ، ولأن تغيير أحكام الشريعة لا تكون إلا بخير منها أو مثلها , ولا سبيل إلى ذلك بعد انقطاع الوحي وموت الرسول صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا }[64] .

ومع هذا الثبات في أصول الشريعة الإسلامية ومبادئها ، فإنها قابلة للتطور ومواكبة مستجدات العصر في الفروع ومن الوسائل والآليات ومن المصالح المعتبرة وغيرها من الأمور الاجتهادية المتغيرة حسب الزمان والمكان والإنسان .

وذلك سر خلود الشريعة وبقائها ووفاء بجميع حاجات الإنسان طيلة حياته على وجه البسيطة ، عكس القوانين الوضعية التي تتصف بالتغير والاضطراب والتناقض ، فما أحله اليوم يحرمه غدا ، وما يحرمه غدا يحله بعد غدا حسب أهواء المشرعين ، قال تعالى حكاية عن أهل الجاهلية وتخبطهم في الأحكام والتشريعات {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ }[65] .

ومن عيوب القوانين الوضعية أن ما تتغير من أحكامها وتشريعاتها لا تنضبط بالمصلحة ولا تتصف بالحكمة ، فيوجد في كثير منها إباحة شيء وتحريم نظيرها ، وتحريم شيء وإباحة مثلها ، مما تنزه الشريعة الإسلامية عن مثلها ، قال تعالى { َفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [66] .

وقال المصنف رحمه الله تعالى :

والدّليل على اختصاص الله بالتّشريع قوله تعالى { إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }[67]، ويخاطب النّبي بقوله تعالى { إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ … } [68] ، ويأمر الله تعالى المؤمنين باتّباع الشّريعة وينهى عن اتّباع ما يُخالفها بقوله { اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ } [69] .

الشرح والتعليق .

 عاد المصنف رحمه الله تعالى ليؤكد على اختصاص المولى عز وجل بالتشريع ، وذكر من أدلة ذلك قوله تعالى { إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } [70] ، قال أبو حيان (( أي الحكم لله على الإطلاق وهو الفصل بين الخصمين المختلفين بإيجاب الثواب والعقاب ، وقيل: القضاء بإنزال العذاب وفيه التفويض العام لله تعالى )) [71] ، و كلا التفسيرين صحيح ، لأن حكم الله نوعان ، شرعي : وهو مقتضى خطابه المتعلق بأفعال المكلفين من حيث الفعل أو الترك أو التخيير أو الوضع ، وقدري : وهو ما يحكم بوقوعه ويقدره بمشيئته من الحوادث ، وكلاهما لله تعالى لا يشركه فيه أحد ، فله سبحانه الخلق والأمر ، قال تعالى { أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [72] .

وفي الآية الكريمة ربط بين مسألة الحكم والعبادة ، وذلك لما بينهما من علاقة وثيقة جدا ، فالطاعة المطلقة في الأحكام داخلة في مفهوم العبادة ، ومن أطاع حاكما أو عالما طاعة مطلقا لا يفرق فيها بين الحلال والحرام ، ولا بين المصلحة والمفسدة ، فقد عبده وأشرك به مع الله تعالى ، ولا فرق بينه وبين من يسجد للأصنام أو يطلب العون من الجن والشياطين ، وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب، فقال: (( يا عدي اطرح هذا الوثن من عنقك ، فطرحته فانتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة ، فقرأ هذه الآية { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ …} [73] ، حتى فرغ منها، فقلت: إنا لسنا نعبدهم ، فقال: (( أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ، ويحلون ما حرم الله فتستحلونه؟ )) قلت: بلى، قال: (( فتلك عبادتهم )) [74] .

وذكر رحمه الله تعالى من الأدلة قوله تعالى { إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ … } [75]  ، وفي الآية الكريمة أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بصفته حاكما ورئيسا للدولة الإسلامية أن يحكم بالشريعة الإسلامية وحدها دون غيرها من الشرائع والقوانين ، قال ابن عطية رحمه الله تعالى (( في هذه الآية تشريف للنبي صلى الله عليه وسلم وتفويض إليه، وتقويم أيضا على الجادة في الحكم )) [76] .

وبعد أن ذكر بعض الأدلة التي خاطب الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم ، وكل ما نابه في من الأمراء في إقامة الدين وسياسة الدنيا بها ، أتى بدليل وخطاب للمؤمنين وأفراد المجتمع الإسلامي ، وهو قوله تعالى { اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ }[77] ، قال القرطبي رحمه الله تعالى (( قوله تعالى: { اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ } يعني الكتاب والسنة ، قال الله تعالى:{ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } [78] ، وقالت فرقة : هذا أمر يعم النبي صلى الله عليه وسلم وأمته ، والظاهر أنه أمر لجميع الناس دونه ، أي اتبعوا ملة الإسلام والقرآن، وأحلوا حلاله وحرموا حرامه، وامتثلوا أمره ، واجتنبوا نهيه ، ودلت الآية على ترك اتباع الآراء مع وجود النص)) [79] .

فالواجب إذن على الأمراء والحكام والشعوب العمل بشريعة الإسلام ونبذ كل ما خالفها من الشرائع والقوانين الوضعية ، كل حسن مسؤوليته في ذلك .

ولا يجوز للأمراء والحكام أن يتركوا الحكم بالشريعة الإسلامية مجاراة لأهواء شعوبهم ، أو خضوعا لضغوط الكفار والمنافقين .

 ولا يحل للشعوب المسلمة أن يتحاكموا إلى الطواغيت وقد أمرو أن يكفروا بها ، وعليهم أن يطالبوا أمرائهم وحكامهم بتطبيق الشريعة الإسلامية ، لما فيها من صلاح دينهم ودنياهم ، ولا يقبلوا منهم غير ذلك ، قال تعالى { وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}[80].

وقال المصنف رحمه الله تعالى :

ويحرم تحريما قاطعا الخروج عن نصوص الشّريعة ويعتبر العامل بغير الشّريعة كافرا وفاسقا وظالما , ويعتبر متمرّدا على الحكم الشّرعي {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } [81] ، { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [82] ، { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } [83] ، والمؤمن الذي يختار من الأحكام مالم يختَر الله فهو ضالّ { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا } [84] .

الشرح والتعليق .

هذه فتوى من المصنف رحمه الله تعالى في تحريم العمل بالقوانين الوضعية المخالفة للشريعة الإسلامية ، حيث يصرح فيها بالتحريم القاطع  ، الذي لا خلاف فيه بين علماء الإسلام قديما وحديثا ، ووصف  ذلك بأنه  تمرد وعناد والعياذ بالله ، واستدل على ذلك بالآيات الثلاثة المشهورة في سورة المائدة ، وهي قوله تعالى { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } [85]  ، وقوله تعالى {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } [86]  ، وقوله تعالى { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }  [87] .

وفي الآيات الكريمات بيان لما يعتري الحاكم بغير ما أنزل الله من حكم يختلف باختلاف الأحوال ، إذ قد يكون الحكم بغير ما أنزل الله كفرا ، أو ظلما ، أو فسقا ، قال ابن عباس رضي الله عنهما ((من جحد ما أنزل الله فقد كفر ، ومن أقر به ولم يحكم فهو ظالم فاسق )) [88] ، وقال السدي رحمه الله تعالى ((ومن لم يحكم بما أنزلت  فتركه عمدا، أو جار وهو يعلم، فهو من الكافرين به )) [89] .

و ما أثر عن السلف رضي الله عنهم من التفصيل في الحكم على الحاكم بغير ما أنزل الله تعالى منطبق على الحكم في قضية أو قضيتين بسبب جهل أو هوى في النفس ، وأما نبذ الشريعة جملة واستبدال القوانين الوضعية بها عالما مختارا فهذا كفر صريح وردة صريحة عن الإسلام ، قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى (( إن من الكفر الأكبر المستبين تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الروح الأمين على قلب محمد ليكون من المنذرين ، بلسان عربي مبين ، في الحكم على العالمين))[90].

 

يتبع………

 

الهوامش والإحالات:

 

[55] مسند أحمد ، ( 8 / 395 ) ، الناشر دار الحديث – القاهرة 1416 هـ ، السنن الكبرى ، للنسائي ( 9 / 185 ) ، الناشر مؤسسة الرسالة –بيروت 1421 هـ ، وقال الشيخ أحمد محمد شاكر في تحقيقه للمسند : (( إسناده صحيح، رواه السيوطي بألفاظ متعددة: منها “كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه “بالحمد لله” أقطع وهذه الرواية أخرجها ابن ماجة، والبيهقي في السنن عن أبي هريرة، ورمز لها السيوطي في الجامع الصغير بالحسن،. ومنها: “كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه “ببسم الله الرحمن الرحيم” أقطع” رواه عبد القادر الرهاوي في الأربعين عن أبي هريرة، ورمز له السيوطي في الجامع الصغير بالضعف، ومنها: “كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله والصلاة علي فهو أقطع، أبنر، ممحوق من كل بركة” رواه الرهاوي عن أبي هريرة )) ( 8 / 395 )

[56] سورة البقرة ، الآية 85

[57] سورة البقرة ، الآية 256

[58] سورة الشورى ، الآية 21

[59] سورة المائدة ، الآية 92

[60]

[61]

[62] سورة الرعد ، الآية 41

[63] سورة يونس ، الآية 64

[64] سورة البقرة ، الآية 106

[65] سورة التوبة ، الآية 37

[66] سورة النساء ، الآية 82

[67] سورة يوسف ، الآية 40

[68] سورة النساء ، الآية 105

[69] سورة الأعراف ، الآية 3

[70] سورة يوسف ، الآية 40

[71] البحر المحيط ، تأليف أبو حيان محمد بن يوسف الأندلسي ، 4 / 531 ، الناشر دار الفكر –بيروت 1420 هـ

[72] سورة الأعراف ، الآية 54

[73] سورة التوبة ، الآية 31

[74] سنن الترمذي ( 5 / 278 ) ، والمعجم الكبير للطبراني ( 17 / 92 )

[75] سورة النساء ، الآية 105

[76] المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ، تأليف أبو محمد عبد الحق بن غالب المشهور بابن عطية ، 2 / 108 ، الناشر دار الكتب العلمية –بيروت 1422 هـ

[77] سورة الأعراف ، الآية 3

[78] سورة الحشر ، الآية 7

[79] الجامع لأحكام القرآن ، تأليف أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي ، 7 / 161

[80] سورة المائدة ، الآيتان 49 ، 50

[81] سورة المائدة ، الآية 44

[82] سورة المائدة ، الآية 47

[83] سورة المائدة ، الآية 45

[84] سورة الأحزاب الآية 36

[85] سورة المائدة ، الآية 44

[86] سورة المائدة ، الآية 45

[87] سورة المائدة ، الآية 47

[88] تفسير القرآن العظيم ، تأليف أبو الفداء إسماعيل بن عمرو بن كثير ، 3 / 119 ، الناشر دار طيبة للنشر والتوزيع 1420 هـ

[89] المصدر نفسه ، 3 / 119

[90] شرح تحكيم القوانين الوضعية ، تأليف الشيخ سفر بن عبد الرحمن الحوالي ، ص 6 ( بدون بيانات النشر )

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.