نكبتنا و”استقلالهم”، بيان صحفي صادر عن سفارة دولة فلسطين بمناسبة الذكرى الثانية والسبعين من نكبة فلسطين.

يحتفل الإسرائيليون في هذا اليوم وبكل فرح بالذكرى الثانية والسبعين لما يسمونه بـ”عيد الاستقلال”، ونحيي نحن الفلسطينيون في نفس التاريخ ذكرى “نكبتنا” بكل حزن.

 ففي ١٥ مايو/أيار من العام ١٩٤٨، ومع انتهاء فترة الانتداب البريطاني، أعلن قيام “دولة اسرائيل” على أرض فلسطين التاريخية، هذا الكيان الذي تشكل بفضل التحالف الإمبريالي والاستيطاني بإشراف مباشر من بريطانيا العظمى في بداية القرن السابق، وقد ورثتها في زمن لاحق قوى عظمى أخرى، هي الولايات المتحدة الأمريكية ولغاية الآن.

إن حرب “الاستقلال” التي يحتفل بها الإسرائيليون كانت التجسيد الحقيقي لأعمال إرهابية ارتكبتها الميليشيات الصهيونية، وما عرف لاحقا، بجيش “الدفاع الاسرائيلي”، تلك التي ارتكبت أكثر من ٣٠ مجزرة، وقتلت أكثر من ١٥ ألف فلسطيني، ودمرت بشكل ممنهج ٥٣١ مدينة وقرية، وطردت ما يقارب ٩٥٠ ألف من أصحاب الأرض الأصليين ألى أماكن لجوء وشتات داخل وخارج الوطن، أي تهجير ما نسبته ثلثي الشعب الفلسطيني من حينها ولغاية الآن.

ومع نهاية تلك الحرب الاستئصالية، سيطرت “إسرائيل” بالقوة والغطرسة على ما نسبته ٧٨٪؜ من فلسطين التاريخية، معلنة بدء شطب فلسطين “مؤقتا” من الخارطة الجيوسياسة للعالم وميلاد قضية شعب يرنو إلى وطنه السليب.

إن الاستقلال “المزور” لم يكن سوى حرب إبادة بشرية استهدفت وجود الشعب الأصلي فوق هذه الأرض بهدف استبداله بسكان آخرين تجمعوا من بقاع العالم المتناثرة بفعل توافر عناصر المصلحة والأيديولوجية الدينية.

وفي الوقت الحاضر، تكللت سياسة وممارسات التطهير العرقي بإنتاج شعب من اللاجئين زادوا عن سبعة ملايين فلسطيني موزعين على ٥٨ مخيمًا للجوء في أربعة بلدان، لينفرد الشعب الفلسطيني بخصوصية كونه من الشعوب النادرة التي يعيش جزء من مواطنيه كلاجئين أو عديمي الجنسية حتى في داخل وطنهم.

اثنان وسبعون عامًا كافية لتتصدر القضية الفلسطينية قضايا شعوب العالم بالنظر لسنوات المعاناة الطويلة وعدد الضحايا، ولتصبح فلسطين المستوطنة الاخيرة على وجه البسيطة.

في العام ٢٠٢٠، أخذت النكبة بعدا تراجيديا جديدا ضمن ما أعلنت عنه الإدارة الأمريكية برئاسة “ترامب” عن صفقة “العصر” والتي أنشأت قواعد جديدة متعارضة مع منظومة القانون الدولي وحقوق الشعوب بتقرير مصيرها، وبهدف واحد ووحيد يتمحور حول تحصين دولة “إسرائيل اليهودية” على حساب تصفية القضية الفلسطينية.

أما دولة “فلسطين” بحسب هذه الصفقة “الصفعة” فهي دولة بلا حدود وبلا سيادة وبلا عاصمة في القدس، وقبل كل شيء بلا أي اعتراف بحقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض بحسب قرارات الأمم المتحدة، ويضاف عليها إلغاء وكالة “الأونروا” للاجئين الفلسطينيين بصفتها “الشاهد الأبرز على حقيقة النكبة” والضامن للمسؤولية القانونية والتاريخية ازاء أولئك الضحايا.

بتاريخ ٢٠ نيسان الماضي، اتفقت الأحزاب اليمينية الاسرائيلية بزعامة “نتنياهو” و “غينتس” على تشكيل حكومة بالتناوب، وذلك بعد احتدام المنافسة بين الكتلتين خلال ثلاثة انتخابات متتالية، وكانت نقطة الاتفاق بينهما هي كيفية تسريع ضم أجزاء من الضفة الغربية الفلسطينية ضمن إجراءات رسمية سيتم تداولها في مقتبل شهر تموز القادم.

وبالطبع، فإن البيت الأبيض قد أعطى مسبقا الضوء الأخضر، وفقًا لصفقة “العصر” المعلنة حديثا، وما تصريح وزير الخارجية الأمريكي في تل أبيب يوم أول أمس إلا تتويجا لهذا التواطؤ الكامل لصالح مشروع الضم، حينما قال: “إن إسرائيل لها الحق في فرض سيادتها الكاملة على الضفة الغربية، وإن قرار الضم يخص إسرائيل وحدها”.

أمام هذه السياسة الانحيازية الكاملة، يقف العالم مترددا وليس هنالك حتى الآن أية آليات دولية لمنع الضم الإسرائيلي المقرر ولا حتى إجراءات عقابية ضدها.

وفي آخر تصريحاته أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أن القيادة الفلسطينية لن تقف مكتوفة الأيدي أمام المخطط الإسرائيلي وأنه بمجرد أن تعلن “إسرائيل” عن ضم “ولو سنتيمترا واحدًا من الأرض الفلسطينية، سواء من غور وادي الاْردن، أو البحر الميت، أو الحرم الإبراهيمي بمدينة الخليل، أو بضم المستوطنات اليهودية المنتشرة في داخل المناطق الفلسطينية، فإن القيادة ستعتبر نفسها في حل من جميع الاتفاقيات والتفاهمات التي وقعت عليها مع الجانبين الإسرائيلي والأمريكي”، أي بقول آخر اعتبارها لاغية وباطلة.

إن الاحتفال بما يسمى “استقلال إسرائيل”، يعتبر احتقارا للذاكرة الجماعية للشعب الفلسطيني صاحب الحق الأصلي في فلسطين التاريخية، وبدون أن يتم تصحيح الخطأ التاريخي الذي تعرض له الشعب الفلسطيني والاعتراف بالمسؤولية القانونية والتاريخية عن نكبته، وتطبيق حق الفلسطينيين بالعودة وبتقرير المصير، فإن الاعتراف والتطبيع مع “إسرائيل” سيكون بمثابة الضوء الأخضر في استمرار النكبة واستئصال الفلسطينيين من أرضهم، وتشجيع الاستيطان وإحلال نظام أبارتهايد على حساب السكان الأصليين، وبالتالي إنهاء كل أمل  في الوصول لتسوية سياسية وسلمية لهذا الصراع الطويل.

منذ تاريخ النكبة، ينضوي الشعب الفلسطيني في معركة وجودية بكامل تفاصيلها تستهدف أساسًا الحفاظ على أرضه وإِرثه التاريخِيَيْنِ وهويته الوطنية، ومن أجل ذلك، واجه الفلسطينيون وما زالوا بكل شجاعة وتضحية كافة آليات الاحتلال والاستيطان “اليهودي” الإسرائيلي ومنظومتهم  القانونية العنصرية والقمعية، وقدم الفلسطينيون الغالي والنفيس من شهداء وجرحى وأسرى ولاجئين ثمنا للحرية والكرامة.

وفي هذا المقام، يطالب الشعب الفلسطيني وقيادته مجددًا العالم بأسره كي يتدخل على كل الأصعدة والمستويات الممكنة وبشكل سريع وعاجل لإنقاذ وحماية الحياة والحق الفلسطينيَيْن قبل فوات الأوان، مدركين ضرورة إجبار دولة “الاحتلال” الإسرائيلي على الانصياع للقانون الدولي ولقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.صورة لأعلام فلسطين والرايات السوداء فوق مقرات السفارة بدكار(السنغال) تعبيرا عن آلام النكبة المستمرة وتصميم الشعب الفلسطيني على حقه بالعودة وتقرير المصير ومقاومة النسيان مهما طال الزمان

وإلى حين ذلك، سيستمر الفلسطينيون بنضالهم العادل لنصرة حقوقهم المشروعة، وسيستمرون على حلم العودة وسيسيرون بلا كلل ولا ملل نحو الاستقلال، وسيحيون بالرغم من القمع والظلم والعنصرية ذكريات وأسماء مدنهم وقراهم المهدمة، وسينسجون الأمل بِغَدٍ مشرق من فوق أنقاض منازلهم، وأَشْلاء شهدائهم ومن أنين لاجئيهم وأسراهم.

جيل بعد جيل، وموجة وراء موجة، حتى الحرية والعودة والاستقلال في دولة فلسطينية ذات سيادة وعاصمتها القدس الشريف ولا بديل عنها عاصمة.

 

حرر في دكار، ١٥/٥/٢٠٢٠

 سفارة دولة فلسطين في السنغال

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.