من وظائف المشرفين على حملات الحج

(*) نجوغو صمب

منزلة الحج في الإسلام.

الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام ، قال صلى الله عليه وسلم ( بني الإسلام على خمس : شهادة ان لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت ) رواه البخاري ومسلم
وهو فرض على كل مسلم مكلف قادر عليه ، قال تعالى ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) . ( آل عمران 97)

مشروعية إمارة الحج.

إن إمارة الحج سنة مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد استخلف النبي صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد على مكة وأمره بأن يصلي بالناس ويحج بهم ، وكان معه معاذ بن جبل رضي الله عنه ، وأما أول من تقلد إمارة الحج من خارج مكة فهو أبو بكر الصديق رضي الله عنه سنة تسع للهجرة ( إمارة الحج في العصر العباسي ، ص 1 فما بعدها ، للباحث سليمان صالح كامل ) ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعثه في الحجة التي أمره النبي صلى الله عليه وسلم عليها قبل حجة الوداع يوم النحر في رهط يؤذن في الناس ( لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ) ( رواه مسلم ) ، وبعد نزول سورة براءة أرسل النبي صلى الله عليه وسلم عليا على إثره ليبلغها أبا بكر كي يقرأها على الناس في الموسم ، وحج أبو بكر في ثلاث مائة حاج ، (المصدر نفسه ، ص 3 ) ، وفي السنة العاشرة حج النبي بالناس حجة الوداع وأمرهم بأن يقتدوا به وياخذو عنه المناسك ، وكان يقول لهم في المشاعر ( خذوا عني مناسككم ) ( السنن الكبرى للبيهقي ) ، ( المصدر نفسه ، ص 4 ) ، وفي سنة إحدى عشرة للهجرة في خلافة أبي بكر حج عمر بن الخطاب بالناس بأمر من الخليفة لانشغاله بحرب الردة ، وفي السنة التالية تولى أبو بكر إمارة الحج بنفسه . ( المصدرنفسه ، ص 5)
ولما تولى عمر بن الخطاب الخلافة ولى إمارة الحج في السنة الأولى عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ، وبعدها كان هو الذي يحج بالناس ويقوم برئاسة شؤون الحج بنفسه ،
وكذلك ولي عثمان بن عفان رضي الله عنه إمارة الحج في السنة الأولى من خلافته ، ثم بعد ذلك كان هو الذي يحج بالناس إلا في السنة الأخيرة من خلافته ولى فيها على الحج عبد الله بن عباس رضي الله عنهما . ( المصدرنفسه ، ص 6)
وفي خلافة علي بن أبي طالب تولى إمارة الحج عبيد الله بن عباس وقثم بن عباس رضي الله عنهم . ( المصدر، نفسه ، ص 7)
وهكذا اعتنى أئمة المسلمين في كل عصر بهذه الوظيفة الجليلة ، وكانوا يولون عليها الفقهاء العدول والعلماء الثقات .

ولاية الحج.

يقول الإمام الماوردي رحمه الله تعالى ( وهذه الولاية ضربان احدهما أن تكون على تسيير الحجاج ، والثاني على إقامة الحج … ) الى ان قال ( وإن كانت الو لاية على إقامة الحج فهو فيه بمنزلة الإمام في إقامة الصلاة … ) ( الأحكام السلطانية ، ص 108 فما بعدها ) .
ولاشك ان هذا التمييز بين الشرعي والإداري في ولاية الحج تابع للمصلحة ويرجع النظر فيه إلى ولي الأمر أو من يقوم مقامه من الإدارات الحكومية المخولة ، أو القطاعات الأهلية المرخصة .

إمارة الحج في العصر الحديث.

وفي عصرنا هذا يتولى أمور الحج الداخلية وزارة خاصة بالحجة في المملكة العربية السعودية ، وتقوم بإدارة شؤون الحج الإدارية والدينية ، وتسهر على توفير الخدمات اللازمة في مكة والمدينة والمواقيت والمشاعر ، وتشرف على حملات الحج من الخارج بعثات رسمية وأخرى أهلية ، تمثل الدول التي تأتي منها الحجاج ،ويشرف عليها الموظفون الإداريون والعلماء والمفتون من تلك الدول .
هذا ، وقد جدت نوازل كثيرة في إمارة الحج وإدارتها ، بعضها سياسية مثل ما يتعلق بحجاج الأقليات الإسلامية ، وحجاج اغلب الدول الأوروبية والأمريكية ، أو حجاج البلدان التي يحكمها العلمانيون أو غير المسلمين ، ككثير من البلاد الإسلامية في أفريقيا وغيرها ، او حجاج البلدان المحتلة كفلسطين والعراق مثلا .
ومن النوازل أيضا الحملات الأهلية للحج التي تعد بمثابة شركات سياحية وقد تكون ملكا لمسلمين أو لغير مسلمين ، وقد تقودها رجال أو نساء ، ويكون على رأسها علماء وفقهاء في أغلب الأحيان ، بل وتوجد الآن حملات حج تابعة لجماعات وطوائف وقبائل وأحزاب سياسية .

من وظائف المشرفين على حملات الحج.

وبناء على ما سبق ذكره من مشروعية إمارة الحج وما طرأ في حياة المسلمين المعاصرة من نوازل تتعلق بالحج والحجاج ، فإن على المشرفين على حملات الحج مسؤولية جسيمة ووظائف شرعية جليلة ، وفيما يلي ملخصها :

أولا : الشروط والآداب.

1- الإخلاص وتجريد القصد لله تعالى، قال تعالى ( وأتموا الحج والعمرة لله ) ( البقرة 196) وقال صلى الله عليه وسلم ( إنما للأعمال بالنيات ) (رواه البخاري ومسلم ) ، وعلى المشرف على الحملات ان يخلص نيته لله تعالى ، وأن يكون قصده تعليم الناس وارشادهم .

2- الفقه في الدين .
لأن المعول عليه في بيان أحكام الحج وإفتاء الحجاج هو المشرف الديني على الحملة ، ولا يمكن ان يقوم بذلك ما لم يكن على قدر من الفقه ، وحظ من العلم ، قال تعالى ( فاسالوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون ) ( النحل 43) ، ويشترط في المشرف على الحملة ( أن يكون عالما بمناسك الحج وأحكامه ، عارفا بمواقيته وأيامه ) ( الأحكام السلطانية ، ص 112 )

3- العدالة وحسن الخلق وأن يكون قدوة .
فالناس ينظرون إلى المشرفين على الحملات بعين التوفير والإجلال ،`وذلك لخطورة منزلتهم وعظم مسؤوليتهم ، وإذا كان الحجاج مأمورين بالعفة والوقار والرزانة فأئمتهم ورؤوسهم من باب الأولى.

4- المعرفة بالمواقيت.
من تمام فقه الحج معرفة المواقيت والمشاعر وتبين حدودها والالمام بأحكامها ، وإذا كان ذلك ليس في مقدور جميع الحجاج ، ويعذرون بجهل تفاصيلها ، فإن على المشرفين على الحملات ان يبذلوا كل ما في وسعهم للإلمام بفقه وجغرافيا المشاعر المقدسة .

5- الحرص على ما ينفع الحجاج والنصح لهم
حتى يؤدوا حجهم على الوجه المشروع ، ولا يسألونهم في ذلك أجرا أو يبتغون به جاه أو منزلة .

6- عدم التعصب لمذهب أو طائفة.
فالحج مجتمع إسلامي عام ومظهر من مظاهر وحدة المسلمين ، ويجب تجريده من العصبيات والولاءات والحزبيات.

7- التيسير في الفتوى والتبشير في الدعوة أثناء الحج.

وذلك منهج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده ، وطريقة علماء الإسلام الثقات ، فعلى المشرف الديني ان لا يشدد على من تحت امارته من الحجاج ،وعليه أن يراعي الضعفاء والعجزة وضرورات الرفقة والصحبة ، وإكراهات الإدارة والتنظيمات ، كل ذلك بما يتناسب مع نصوص الشرع ومقاصدها بلا إفراط ولا تفريط ، قال صلى الله عليه وسلم ( يسروا ولا تعسروا ، بشروا ولا تنفروا ) ، ( رواه البخاري ) وكان صلى الله عليه وسلم يسأل عن تقديم بعض المناسك على بعض ، فيقول ( افعل ولا حرج ) ( رواه البخاري ومسلم ) ، ( و ليس له أن ينكر عليهم ما يسوغ فعله ، إلا ما يخاف أن بجعله الجاهل قدوة فيه ) ( الاحكام السلطانية ، ص 114 )

8- القوة والأمانة .

وبعض المشرفين على حملات الحج في حكم المستأجر وخير المستأجرين الأقوياء الأمناء ، وبقوتهم وأمانتهم يقومون بما ينوطون عليهم من الواجبات دون تهاون أو تحايل.

ثانيا : الوظائف .

من وظائف المشرفين على الحج ما يلي :
1- إمامة الحجاج في الصلوات سواء في طريقهم إلى الحج أو عند وصولهم إلى مكة وعند النزول في المشاعر ، وإذا كانوا قريبا من المسجد النبوي أو المسجد الحرام أو مسجد الخيف ونحوها صلوا فيها خلف أئمتها ، ولا بأس ان يقدم في الصلاة من الحجاج الذين معه الأسعد بشروط الإمامة من حيث القراءة والفقه والسن والفضل لقوله صلى الله عليه وسلم ( يؤم القوم أقراهم لكتاب الله ، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة …) ( رواه الترمذي )

2 إمامة الحجاج في أداء المناسك .

وعلى المشرف ان يحج بمن خلفه حج رسول الله صلى الله عليه وسلم ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، فيريهم هديه وطريقته في الحج ، التي تشمل أعماله وأقواله وتقريراته وما استنبطه العلماء من ذلك كله استنباطا صحيحا ، ولا يتكلف الحج على قانون مذهب معين أو يقصد مخالفته ، وليتخذ بين ذلك سبيلا ، قال الماوردي رحمه الله ( ويجوز لوالي الحجيج أن يفتي من استفتاه إذا كان فقيها ، وإن لم يجز له أن يحكم … ، وليس له أن يحمل الناس في المناسك على مذهبه … ) ( الأحكام السلطانية ، ص 114 ) .

3 تعليم الحجاج وإرشادهم.

ومن مهمة المشرف على الحملات في الحج ان يعلم الحجاج ما يحتاجون إليه من أمور دينهم كأحكام الطهارة والصلاة وآداب السفر والصحبة ، ويفتيهم فيما تعرض لهم من أحوال في الحج وغيرها ، ويلتزم في تعليمه وإرشاده بالرفق والإيجاز ، ويبتعد عن الغلظة والتعمق في ذكر الخلاف وسوق الأقوال ، وعليه أن يعلم من اشتغل منهم بالتجارة موجز أحكام البيع والشراء والصرف والحوالة ، ونحوها من المعاملات المالية .

4 الوعظ والتذكير
وينتهز المشرف فرصة الحج وإقبال الناس على الله ، فيذكرهم بأهمية الإخلاص ، وضرورة الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ويحذرهم من الشرك والبدع والخرافات ، كما يحذرهم من المخالفات التي يرتكبها بعض الحجاج قبل وأثناء وبعد الحج ، ويحثهم على التوبة من الذنوب والإقلاع عن المعاصي بعد عودتهم من الحج كيوم ولدتهم أمهاتهم إن شاء الله .
5- الخطابة في الحجيج يوم عرفة ، في المخيمات التابعة لحملته ، قال الماوردي ( فإذا خطبها ذكر الناس فيها ما يلزمهم من أركان الحج ومناسكه ، وما يحرم عليهم من محظوراته ، ثم يصلي بهم بعد الخطبة ، صلاة الظهر والعصر ، جامعا بينهما في وقت الظهر … ) ( الأحكام السلطانية ، ص 112 )

وأخيرا .
فالواجب على الحكومات و الحملات الأهلية تولية أهل العلم والفقه والورع على الحجاج ، وعدم التفريط في ذلك لأي سبب من الأسباب ، قال تعالى ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها … ) والأمانات هنا كما قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله الأموال والولايات .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم .