بقلم: الدكتور نجوغو امباكي صمب
الحلقة (2)
تعريف (المقاصد) في اللغة والاصطلاح:-
المقاصد جمع مقصد ، بفتح أو كسر الصاد المهملة ، من قصد يقصد قصدا ، والقصد في اللغة يأتي لمعان منها إتيان الشيء ، والتوجه إليه وأمه سواء بنية أو بفعل ، والإصابة وعدم الميل عن الغرض ، والاستقامة وعدم التطرف والانحراف، والتوسط في الأمور ، قال ابن فارس[1] رحمه الله (( الْقَافُ وَالصَّادُ وَالدَّالُ أُصُولٌ ثَلَاثَةٌ، يَدُلُّ أَحَدُهَا عَلَى إِتْيَانِ شَيْءٍ وَأَمِّهِ، وَالْآخَرُ عَلَى اكْتِنَازٍ فِي الشَّيْءِ ، فَالْأَصْلُ: قَصَدْتُهُ قَصْدًا وَمَقْصَدًا ، وَمِنَ الْبَابِ، أَقْصَدَهُ السَّهْمُ، إِذَا أَصَابَهُ فَقُتِلَ مَكَانَهُ، وَكَأَنَّهُ قِيلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَحِدْ عَنْهُ … )) [2]، وقال الفيروز آبادي [3] صاحب القاموس المحيط رحمه الله (( القَصْدُ: اسْتِقامَةُ الطريقِ، والاعْتِمادُ، والأَمُّ، قَصَدَه، وله، وإليه، يَقْصِدُه، وضِدُّ الإِفْراطِ )) [4] .
فمقاصد الشيء إذن حسب هذه التعريفات من أشهر أئمة العربية هي: كل ما يتوجه إليه ، ويراد إتيانه وإصابته ، بفعل أسبابه وسلوك الطريق المؤدية إليه ، دون ما ينتج من الفعل عن خطأ أو إكراه أو نسيان .
وأما المقاصد في الاصطلاح: فهي الغايات والمرامي والنيات من الأقوال والتصرفات والأحكام ، يقال مقاصد الكتاب أي ما يراد من تأليفه ، ومقاصد البيع والشراء أي ما يترتب من عقده الصحيح ، ومقاصد الشريعة أي الغايات والأسرار التي جاءت من أجلها ، وهكذا دواليك …
تعريف (الدعوة) في اللغة والاصطلاح.
الدعوة لغة من دعا يدعو دعاء ودعوة ، وهي بمعنى الطلب و الاستمالة إلى الشيء بلفظ ونحوه ، قال ابن فارس رحمه الله ((الدَّالُ وَالْعَيْنُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنْ تُمِيلَ الشَّيْءَ إِلَيْكَ بِصَوْتٍ وَكَلَامٍ يَكُونُ مِنْكَ … ، وَدَاعِيَةُ اللَّبَنِ: مَا يُتْرَكُ فِي الضَّرْعِ لِيَدْعُوَ مَا بَعْدَهُ … ، وَتَدَاعَتِ الْحِيطَانُ، وَذَلِكَ إِذَا سَقَطَ وَاحِدٌ، وَآخَرُ بَعْدَهُ، فَكَأَنَّ الْأَوَّلَ دَعَا الثَّانِيَ، وَرُبَّمَا قَالُوا: دَاعَيْنَاهَا عَلَيْهِمْ، إِذَا هَدَمْنَاهَا وَاحِدًا بَعْدَ آخَرَ، وَدَوَاعِي الدَّهْرِ: صُرُوفُهُ، كَأَنَّهَا تُمِيلُ الْحَوَادِثَ ، وَلِبَنِي فُلَانٍ أَدْعِيَةٌ يَتَدَاعَوْنَ بِهَا، وَهِيَ مِثْلُ الْأُغْلُوطَةِ، كَأَنَّهُ يَدْعُو الْمَسْئُولَ إِلَى إِخْرَاجِ مَا يُعَمِّيهِ عَلَيْهِ … ))[5] ، وفي مختار الصحاح (((الدَّعْوَةُ) إِلَى الطَّعَامِ بِالْفَتْحِ ، يُقَالُ: كُنَّا فِي دَعْوَةِ فُلَانٍ وَمَدْعَاةِ فُلَانٍ ، وَهُوَ مَصْدَرٌ وَالْمُرَادُ بِهِمَا الدُّعَاءُ إِلَى الطَّعَامِ ، وَ (الدِّعْوَةُ) بِالْكَسْرِ فِي النَّسَبِ وَ (الدَّعْوَى) أَيْضًا هَذَا أَكْثَرُ كَلَامِ الْعَرَبِ ))[6] ، وجاء في لسان العرب لابن منظور[7] رحمه الله : (( الدعوة : المَرة الواحدة من الدّعاء … ، والدُّعاة : قومٌ يدْعون إلى بَيعة هدىً أو ضلالةٍ، واحدُهم: داعٍ. ورجُل داعِيَة، إذا كان يدعو الناس إلى دِين أو بدعة، وأُدخِلت الهاء في داعية للمبالغة)) [8] ، وهذا في المعنى العام للدعوة ، أما الدعوة في الإسلام فلا يكون إلا إلى الخير ، والدعاة إليه لا يأمرون إلا بالمعروف، ولا ينهون إلا عن المنكر .
وأما الدعوة الإسلامية: فقد عرفها العلماء بتعريفات كثيرة ومتنوعة ، ومنها :
قول شيخ الإسلام رحمه الله في التعريف بها: ((الدعوة إلى الله هي الدعوة إلى الإيمان به وبما جاءت به رسله بتصديقهم فيما أخبروا به ، وطاعتهم فيما أمروا))[9].
وقول الشيخ محمد الخضر حسين [10]رحمه الله أنها: ((حث الناس على الخير والهدى ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ليفوزوا بسعادة العاجل والآجل ))[11] .
وقال الشيخ محمد أبو الفتح البيانوني هي ((تبليغ الإسلام للناس ، وتعليمه إياهم ، وتطبيقه في واقع الحياة )) [12] .
والدعوة إلى الإسلام هي وظيفة الأنبياء المرسلين ومن تبعهم من المؤمنين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر في كل زمان ومكان ، فقد بعث الله تعالى في كل أمة رسولا يدعون إلى الإيمان به وطاعته ، قال تعالى { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ }[13]، وقال تعالى عن أتباع الأنبياء والمرسلين السابقين عليهم الصلاة والسلام {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ }[14] ، وقال تعالى مخاطبا أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهي آخر الأمم { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }[15] .
التعريف بمقاصد الدعوة الإسلامية:
ومن خلال ما سبق من تعريف ل (المقاصد) و لـ(الدعوة)، يمكن أن نتوصل إلى تعريف لمقاصد الدعوة الإسلامية ، ألا وهو: ((الوظائف و الغايات و الحكم التي بعث الله تعالى من أجلها الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام)).
وذلك لأن الله تعالى إنما خلق الإنس والجن لعبادته ، قال تعالى { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }[16] ، ولا سبيل للناس إلى معرفة الخالق المعبود بالحق عز وجل ، ولا إلى معرفة حقوقه الواجبة له سبحانه إلا عن طريق الوحي ، الأمر الذى أحوجهم إلى وسائط بينهم وبين الله تعالى ، يبلغون عنه رسالاته إلى الناس ، ويعلمونهم ما أنزله عليهم من الكتاب والحكمة ويزكونهم ، فاختار الله تعالى من بين البشر أطهرهم وأزكاهم ، وكلفهم القيام بأهم الوظائف وتحقيق أشرف الغايات ، وهو تعريف الناس بربهم وتعبيدهم له وحده لا شريك له .
وقد بين الله تعالى في القرآن الكريم الوظائف والغايات والحكم في بعثة الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام في مواضع كثيرة ، وأكد النبي صلى الله عليه وسلم عليها في أحاديثه الصحيحة ، وتحدث أهل العلم من السلف والخلف عن مقاصد الدعوة وشرحوها في كتبهم ومصنفاتهم ، كما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى .
يتبع ….
والله ولي التوفيق والسداد
المراجع:
[1] هو أحمد بن فارس بن زكريا اللغوي الرازي، أحد رجال خراسان وعلمائها وأئمة أدبائها، غلب عليه علم الفقه ولسان العرب، فشهر به ، وكان إماماً في ذلك . انظر : ترتيب المدارك وتقريب المسالك ، تأليف أبو الفضل القاضي عياض بن موسى اليحصبي ، 7/84 ، الناشر مطبعة فضالة – المغرب 1983 م . [2]معجم مقاييس اللغة ، تأليف أحمد بن فارس بن زكريا القزويني ، 5/95 ، الناشر دار الفكر 1399هـ[3] هو مُحَمَّد بن يَعْقُوب بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الشِّيرَازِيّ الفيروز أبادي، ولد سنة تسع وَعشْرين وَسَبْعمائة بكارزين، وَله من التصانيف: الْقَامُوس الْمُحِيط فِي اللُّغَة، اللامع الْعلم العجاب، الْجَامِع بَين الْمُحكم والعباب ، مَاتَ لَيْلَة الْعشْرين من شَوَّال سنة سِتّ عشرَة وَثَمَانمِائَة . انظر : بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة ، تأليف عبد الرحمن بن ابي بكر السيوطي 1/273 ، الناشر المكتبة العصرية –صيدا .
[4] القاموس المحيط ، تأليف مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي ، ص310 ، الناشر مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع –بيروت 1426هـ
[5] معجم مقاييس اللغة ، 2/279 ، 280
[6] مختار الصحاح ، تأليف زين الدين أبو عبد الله محمد بن ابي بكر بن عبد القادر الحني الرازي ، ص 105 ، الناشر المكتبة العصرية –بيروت 1420 هـ
[7] مُحَمَّد بن مكرم بن عَليّ الإفْرِيقِي الْمصْرِيّ ، ولد فِي الْمحرم سنة ثَلَاثِينَ وسِتمِائَة، َكَانَ عَارِفًا بالنحو واللغة والتاريخ وَالْكِتَابَة، مَاتَ فِي شعْبَان سنة إِحْدَى عشرَة وَسَبْعمائة. انظر: بغية الوعاة 2/248 .
[8] لسان العرب ، تأليف محمد بن مكرم بن علي ، بن منظور الإفريقي ،14/ 58 ، 59 ، الناشر دار صادر –بيروت 1414 هـ
[9] مجموع الفتاوى ، تأليف أحمد بن عبد الحليم ، بن تيمية ، 15 / 157 ، الناشر مجمع الملك فهد لطبعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة – 1416 هـ
[10] محمد الخضر بن الحسين بن علي بن عمر الحسني التونسي: عالم إسلامي أديب باحث، يقول الشعر، من أعضاء المجمعين العربيين بدمشق والقاهرة، وممن تولوا مشيخة الأزهر ، ولد سنة 1295 هـ زار الجزائر وسورية ثم استقر في مصر وتوفي بالقاهرة 1377 هـ ، انظر : الأعلام ، تأليف خير الدين بن محمود الزركلي ، 6/113 ، الناشر دار العلم للملايين -2002 م .
[11] المدخل إلى علم الدعوة ، تأليف محمد أبو الفتح البيانوني ، ص 14 ، الناشر مؤسسة الرسالة 1414 هـ
[12] المدخل إلى الدعوة ، تأليف ص 23
[13] سورة النحل ، الآية 36
[14] سورة السجدة الآية 24
[15] سورة آل عمران ، الآية 104