المجلس الدستوري والمسؤولية التاريخية
أمام التحايل السافر الذي يمارسه الدولة لانتهاك القانون و التلاعب به من إجل إقصاء خصم سياسي، و حرمانه من حقه في المشاركة في الانتخابات لا يسع المجلس الدستوري -و هو يتمتع بالاستقلالية و الشعور بالمسئولية الجسيمة على عاتقه تجاه الشعب و التاريخ- غير رد الحقوق إلى أصحابها و استعادة روح القضاء المتمثلة بمساواة جميع المواطنين أمامه، سواء منهم الغني أو الفقير، الحاكم أو المعارض، و ذلك بقبول ترشح عثمان سونكو الذي هو مطلب شعبي و واحب قانوني و ضرورة أخلاقية.
إن رفض ترشح عثمان سونكو تماشيا مع مراوغات السلطة التي تجاوزت كل الحدود الأخلاقية و القانونية يعني الانهيار الكامل لدولة القانون و انبطاح المؤسسات السياسية أمام رغبات الحاكم ذي السلطة المطلقة و فتح الباب على مصراعيه أمام انشقاق وطني خطير.
في الجولة الثالثة من المواجهة مع النظام وريث الاستعمار بعد جولات مارس 2021 و يونيو 2023 عندما تم القبض على الزعيم سونكو و بإيعاز منه فضل الشباب الوطني الصبر الاستراتيجي على قمع النظام و استفزازاته المتكررة نظرا لقرب تحقق هدف المشروع بعد أشهر قليلة من إجراء الانتخابات على أمل مشاركة الزعيم سونكو فيها الذي خطط بعناية لكي يورط النظام في اعتقاله ليسقط بذلك حكمه الغيابي في قضية أجي صار، و يمهد الطريق أمام مشاركته في الانتخابات مربكا بذلك حسابات و مراوغات النظام.
لقد كان الثمن غاليا لدى الباستيفيين من أجل الحفاظ على استقرار البلد و تأمين المشروع و هم يرون زعيمهم يخوض إضرابا بعد ٱخر و يسوء حالته الصحية و ينال منه ألسنة السوء و هو وراء القضبان أو على سرير المرض لا يملك حق الرد رغم امتلاءهم بالحماسة المتوقدة و تمتعهم بالجاهزية التامة لمواصلة الحراك الميداني و تفعيل الزخم الثوري.
إنه لا يخفى على متجرد من التعصب للولاءات و المصالح أن وراء الهدوء الظاهر في الواقع السنغالي براكين من الغضب و الاستياء نتيجة سوء الحكم و إدارة الدولة و انتهاك الحقوق و الحريات و السجن العشوائي و الانفلات من العقاب في قضايا الفساد و اختلاس المال العام, إضافة إلى غلاء الأسعار و صعوبة المعيشة، و قد تفجر طوفانا قاسيا يجر البلاد إلى آفاق مظلمة إذا لم يوجد لها متنفسا صحيحا يجنب البلاد الفوضى.
إن الشعب السنغالي بحاجة إلى حكمة أعضاء المجلس الدستوري للشعور بالأمان و تعزيز وحدته و استقراره لقبول ما يفرضه عليهم منطق القانون و المصلحة العليا للوطن.
و القضاء السنغالي بحاجة إلى حكمتهم و استقلاليتهم لتلميع صورته و مسح ما لعق به من عار ألحقه به أيادي الساسة من أجل مصالحهم الشخصية و الحزبية، و استعادة ثقة الشعب السنغالي الذي فقده بعد أن صار في صف السلطة ضد الشعب و في صف الأقوياء ضد الضعفاء.
و الديمقراطية السنغالية هي الأخرى بحاجة إلى حكمتهم و استقلاليتهم للحفاظ على روحها و جوهرها؛ فأي ديمقراطية حقيقية في العالم تحكم بإبعاد مرشح هو الأقوى ضمن المنافسين و الأكثف حضورا و الأكثر شعبية و الأوسع تمثيلا انتزع أكبر المدن الاستراتيجية في الانتخابات البلدية و دفعها إلى ما يقرب من التعادل في الانتخابات البرلمانية, و كاد يحرمها من الأغلبية و هو لم يكن أصلا في قوائم الترشيح في سابقة لم يسبق لها مثيل في تاريخ السياسة السنغالية إلا إذا كانت ديمقراطية من نوع الديمقراطية العبثية في الشرق الأوسط حيث التسعات الأربع و النتائج المعروفة سلفا.
بقي على المجلس الدستوري أن يستمع إلى ضميره و يتحمل مسئوليته التاريخية لإنقاذ الوطن و صيانة النظام القضائي و حماية الديمقراطية السنغالية؛ فهذا ما يأمله منه الشعب السنغالي صاحب السيادة و السلطة الحقيقة.
بقلم الكاتب/ عبد القادر عبد الرزاق انجاي