قراءة في المشهد الخليجي والتطورات الأخيرة

شيخ أحمد جينغ

تفاقمت في الآونة الأخيرة علاقة كل من المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين وتبعتها مصر فسحبت هذه الدول سفراءها من الدوحة، ومنح مهلة 14 يوما لرعايا قطر من مغادرة أراضيها، وإغلاق كافة الحدود البرية والبحرية والجوية لقطر مع هذه الدول، وجاءت هذه الخطوة التصعيدية على خلفية تصريحات نسبت لأمير قطر وتمس من إجماع دول مجلس التعاون الخليجي وسياساتها على حد وصف هذه الدول، ومن جانبها نفت قطر صحة هذه التصريحات، وأرجعت ذلك إلى اختراق تعرضت له وكالة الأنباء القطرية من قبل قراصنة لم يتم الكشف بعد عن هويتهم.
ومن خلال متابعتي لتطورات الأزمة الخليجية، بدءا من موقف الولايات المتحدة الأمريكية التي أشادت بالدور القطري في محاربة الإرهاب، وكذلك بيان وزارة الدفاع البنتاغون الذي ثمن تعاون قطر، وأن لا تفكير في نقل قاعدتها العسكرية، بالإضافة إلى موقف كل من روسيا والصين الذي عبرتا فيه عن قلقهما لما يحدث، وحجم الاتصالات والتضامن الكبير الذي حظي به قطر، والعروض الكثيرة للوساطة من دول صديقة كما صرح به وزير الخارجية القطرية بالأمس، وعدم تجاوب أغلب الدول بقرار المقاطعة، وصمود قطر على سياساتها خلال الفترة الماضية، وارتفاع مستوى أداء قناة الجزيرة القطرية في حربها الإعلامية التي أحرزت قصب السبق فيها مرغمة أنف قناة العربية وغيرها من القنوات المنافسة، أضف إلى ذلك استقبال أمير قطر للعلماء والوجهاء في مأدبة إفطار وعلى رأسهم العلامة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وتقبيله رأسه أمام عدسات الكاميرا في تحد مكشوف ورسالة واضحة أن قطر غير مستعدة للتنازل عن شيء من سياساتها وخاصة تلك التي تدعم الجماعات الإسلامية المعتدلة والوسطية ممثلة في شيخهم القرضاوي، وكذلك موقفها من الانقلاب العسكري في مصر، كل هذه المعطيات تدل على أن هذه الدول المقاطعة مواقفها هشة مقابل الموقف القوى جدا من قطر، فهو الأقوى إعلاميا، وهو الأقوى من حيث مساندة الجماهير في وسائل التواصل الاجتماعي والهاشتاغات، وهو الأقوى سياسيا، والدليل على قوة موقفها سياسيا تأجيل خطاب لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الذي كان مزمعا عقده وبثه أمس، وأرجئ بناءا على طلب كويتي لتهيئة الأجواء لنجاح مبادرتها في الصلح بين الفرقاء، وكلي يقين أن الشيخ تميم كان سيلقي خطابا سيحدث دويا لما يحمله من دلالات ورسائل سياسة قوية !!
أتوقع أن هذه الدول سارعت فراهنت في كل ما حدث على وعود من ترامب في قمة الرياض الأخيرة فبان لها خلال الفترة الماضية من المقاطعة ضد الدوحة أن الرجل غير معني بشيء ولا يعول عليه؛ وأكبر دليل على ما أقول مباركة هذه الدول بالمبادرة الكويتية من أول وهلة فلا أتصور أن يكون لهذا التصعيد الكبير والحصار الخانق ضد قطر تأثير قوي في ردع قطر ومع ذلك يرحبون بالمصالحة الآن وفق شروط كويتية دون أن يذيقوا قطر جحيم هذا التصعيد لترتدع وإلى الأبد، قطر وعلى لسان وزير خارجيتها قال بأن هذا الحصار لن يؤثر على قطر في شيء كبير، وأن بلاده اتخذت كل الاحتياطات اللازمة لمواجهة خطوة ومخاطر كهذه منذ أن تفاقمت المشكلة بينها وبين هذه الدول ما أدى إلى سحب السفراء.
ومن جهة أخرى: كل من يمعن النظر يجد أن الموقف السعودي في حربها على الحوثيين ومواجهة إيران في المنطقة لا ينسجم مع التصعيد ضد قطر أو أية دولة سنية في التحالف الإسلامي؛ ذلك أن الحرب في اليمن في بداياتها والتحديات التي تجابه المملكة قائمة أكثر من أي وقت مضى.
ولست أدري كيف يتم إنهاء هذه الأزمة وعلى أية شروط، بيد أن ما يمكن الجزم به أن قطر ماضية على سياساتها الخارجية والإعلامية ولن تقبل بأي تدخل أو وصاية في سيادتها كما جاء على لسان وزير الخارجية القطري بالأمس وأكده كثير من المحللين السياسيين من قطر.
نسأل الله أن يلهم حكام هذه الدول جميعا رشدهم، وأن ينشغلوا بالعدو الحقيقي ممثلا في الكيان الصهيوني والدولة الصفوية بعيدا عن تأجيج فتن داخلية تعمل على شرخ بنية المكون السني، ومعالجة كل الخلافات عن طريق الحوار والإقناع بعيدا عن التصعيد ولغة التهديد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.