غرباءُ على درب أسلافهم
(*) آدم غي أم عبد الله
الحمد لله رب العالمين، والصّلاة والسّلام على أشرف المرسلين محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أمّا بعد…
فإن اللهَ سبحانه وتعالى اصطفى من بين مخلوقاته أناساً، بكتاب ربهم متمسكون، وبنهج نبيّهم-صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الكرام-رضوان الله عليهم- سائرون، وعلى نشر الدعوة الإسلامية المحضة قائمون، مستمدين من المنبع الأصيل” الكتاب والسّنة” مقتدين بفهم السّلفِ الأمّة.
قذف الله في قلوبهم نورَ البصيرة، وأنار لهم طريقَ الحقِ المبينِ الذي يقودهم إلى الجنة.
حبُ السنةِ فيهم سجيّة، والعملِ بها سليقة. كان السّلفُ-رضوان الله تعالى عليهم- أحرص النّاسِ اهتمامًا بنشر العقيدةِ الإسلاميةِ الصّافية، وأشدَّهم اعتناءً وتبحرًا بالأحاديثِ النّبويةِ الشّريفةِ روايةً ودرايةً، وأكثرهم حرصًا من تمييز الصّحيحِ والسّقيمِ في الأحاديث، وأعظمهم تحملاً وصبرًا على الأذى، وأرحبهم بالخلاف صدرًا.
فليس شيمتَهم تأويلٌ في الآيات الذكِر الحكيمِ، ولا وضعُ حديثٍ في غير المحل لصالح بضاعةٍ معروضة؛ ليكسبوا قلوبَ الجهّالِ بتأويلٍ فاسدٍ، أوتحريفٍ زائفٍ، أو فهمٍ خاطئ. جعلوا كتبَ السنةِ أنيساتٍ لهم، واتّخذوا العلماءَ الرّبانيين رفقاءَ لهم،لم يتفاخروا بالأنساب الطّائلة، ولم يطمعوا في المناصب العاجلةِ الفانية.
رفضوا الذّلَ والاستغلالَ والاستعبادَ، مسلحين بخيرِ الأسلحة : دلائلٌ دامغة وبراهينٌ واضحة، حجّةٌ بارزة ونصوصٌ صحيحةٌ، يُفحمون بها أصحابَ الأهواءِ الذين يُحدثون في الشّريعةِ الغرّاءِ.
رجالٌ – بكل ما تحمل الكلمةُ من مدلول- دافعوا عن السّنة، وقمعوا البدعة، أبَوا أن يشتروا دينَهم بمتاعٍ قليلٍ من متاع الدنيا الحقيرة، أو مصلحةٍ من مصالح الدّنيوية الزائلة.
بحثوا عن العلم الصّحيحِ؛ فوجدوا الحقَ والحقيقة مدبرين عن الخزعبلات، والضّلالاتِ، والطامات، والبدع المُجحِفة المنتشرة.
تمسكوا بتعاليمِ الدينِ السَّمحاء مؤمنين إيمانًا راسخًا أنّ الدّين كمُل يومَ أنْ حجّ المصطفى-صلى الله عليه وسلم حجّةَ الوداع.
لذا فالهجوماتُ تتوالى إليهم في كل لحظة وحين، والإتهاماتُ تتجدد بلا أدنى حياء، فيُوصَفون أحيانًا بالحُسّاد، وتارة بالفُسّاق، أو بعديمي الأخلاق، أوبإرهابيين حينا آخر، وغيرها من الألفاظ التي تنسب إليهم ظلمًا وجورًا مع أنهم بريئون منها براءةَ الذئبِ من دم ابن يعقوب.
متى أصبح اتباعُ السنةِ جرمًا؟ وهل المدافع لدينه يستحق هذا كله؟! حقًا، إنّ هذه النعوتَ اللاأخلاقية لا تصدر إلا من أفواه المفسدين الماكرين الذين يريدون بذلك نصرةَ الباطلِ على الحق، وهكذا شأن كل مفسدٍ يسعي في الأرض فسادًا، لا يعمل خيرًا، ولا يحبّه للغير، يحتال كيدًا، ويأتي بالافتراءات ظانًا الفلاحَ والنجاحَ، كلا بل سيُبطل ويُضمحل ما يسعى إليه ” إنّ الله لا يصلح عمل المفسدين”[1] “ولا يحيقُ المكرُ السّيءُ إلا بأهله”[2].
صبرًا أيّها الغريبُ صبرًا فلستَ بِدعًا مَمّن هُوجم، فما عن الإمام أحمد بن نصر الخزاعي، والإمام أحمد بن حنبل، وشيخ الإسلام ابن تيمة- وأمثالهم-عنك ببعيد، عذّبوا ضروبًا من العذاب ولم ينقص ذلك من تمسكهم شيئا، ولم يتراجعوا قط، بل أبلوا بلاءً حسنًا، وضربوا أروع المثلِ فصاروا ممّن علت شهرتُهم في الآفاق.
فعليكم بالصّبر يا شبابَ الأمة، وسيروا على درب أسلافكم من الصّحابة والتّابعين ومن تبعهم بإحسان، فالظّفر لكم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبًا.
الهوامش
[1] سورة يونس81
[2] سورة فاطر43