علاقات التعاون السنغالية الفرنسية: هذيان تحويل العلوم والتكنولوجيا

محمد باسوم (*)

كلما حلّت بنا مصيبة من قبل تلكم الدولة العنيدة التي تتمادى في إلحاق الضرر بنا من حين لآخر أستحضر بعض التجارب الأليمة التي عاشها أجدادنا في القرون الظالمة المظلمة.. ولم أستغرب حين سجلنا أول مصاب بوباء كرونا من قبل مواطن من تلك الدولة “فرنسا أعني” دخلت البلاد دون مراقبة جادة وصارمة كما هو الحال في البلدان الجادة، وكان من المفروض منع دخول مواطني من الدولة التي انتشر فيها وباء كورونا لكن الحكومة- الحالية والسابقة – ما زالت تستثني فرنسا من قراراتها حتى وإن كانت تضر بالمصلحة العامة أو الأمن القومي..

كنت قد كتبت مقالة -في السنة الماضية – باللغة التركية بعنوان: علاقات التعاون السنغالية الفرنسية: هذيان تحويل العلوم والتكنولوجيا. ورأيت- من المفيد- ترجمتها للقارئ العربي ليعم الفائدة.

وإليكم الترجمة:

بعد وصول سينغور -أول رئيس السنغالي- إلى السلطة كثيرا ما يتردد في خطاباته بأنه سيصيّر مدينة دكار (عاصمة السنغال) مثل مدينة باريس.  يبدو أن الشعب فهم من خطابه أنه يريد تطوير المدينة في مجال التكنولوجيا والبنية التحتية والعلوم والصناعة إلخ.. لكن سينغور كان يقصد -على ما يبدو- تغيير نمط حياة مدينة دكار مثل باريس تماما، مثل التحدث باللغة الفرنسية بالدرجة الأولى بلهجة وصوت تشبه لهجة وصوت المواطن الفرنسي الأصيل، وكذلك تبنّي الثقافة الفرنسية في التصرفات والسلوك، وتسمية الشوارع الكبرى في دكار بشخصيات فرنسية مستعمرة أو شخصيات موالية للنظام الفرنسي وثقافته.

كان سينغور يعشق الفرنسية وقد وصل إلى درجة أنه- حين يتكلم الفرنسية- لا يبالي ما إذا كان ارتكب كذبا في خطابه أو لا، وإنما كان يهمه أن لا يرتكب خطأ لغويا أو نحويا.

في سنة بين 1920 و 1930 تم ابتعاث مجموعة من الطلبة السنغاليين إلى فرنسا لغرض دراسة العلوم والتكنولوجيا ثم- بعد الرجوع – ترجمة هذه العلوم إلى اللغات المحلية (مثل المشروع الذي قام به السلطان عبد الحميد في أواخر الدولة العثمانية) لكن ثلثي الطلبة الذين بقوا في فرنسا تكيفوا وتأقلموا وتزوجوا هناك ولم يسمع منهم خبرا. أما العدد القليل الذي نجح في إنهاء الدراسة الجامعية رجع إلى البلد غسيل المخ ويفكر بعقلية فرنسية ويتهم الشعب بالجهل والتخلف.

لا تزال الحكومة السنغالية تكرر ابتعاث الطلبة وما زال هذا السيناريو يتكرر كل سنة.

في عام 2018 تم على الأقل تحديد عشرة آلاف (10.000) طالب سنغالي مسجل في الجامعات الفرنسية- دون ذكر عدد الخريجين في العقود المنصرمة- لكن الأرقام تشير إلى أن مساهمة جهود الدراسات العليا في الاقتصاد السنغالي هو 0 بالمئة (0%).

 منذ بداية ابتعاث الطلبة إلى فرنسا إلى اليوم مضى عليه مئة سنة دون إنجاز يذكر ونجاح يفتخر به، لكن الحكومة السنغالية مصرّة على ابتعاث الطلبة في كل سنة بحسابها الخاص.. وأكثر الطلبة الناجحين يفضلون البقاء في فرنسا ويعملون في الشركات الفرنسية، نتيجة فشل الحكومات المتتالية في ترسيخ قيم حب الوطن فيهم منذ الروضة إلى الثانوية، فيتم تجنيسهم هناك فتذهب جهود الحكومة سدى.

تعدّ فرنسا أول دولة أجنبية مستثمرة في السنغال منذ الاستقلال، ولا يقل عدد الشركات الفرنسية في البلد عن 300 شركة في 2014، ومع هذا لم تستطع أن تدعي الحكومة السنغالية أن الدولة رائدة أو ناجحة ومكتفية في صناعة أي شي في مجال العلوم والتكنولوجيا، كما الحال بين أمريكا وفييتنام.

لو قرأت خطاب نيكولاس سركوزي في زيارته للسنغال سنة 2007، وخطاب فرنسوا هولاند في 2012 وخطاب ماكرون في 2018 وحذفت أسماءهم من أعلى الورقة سيصعب عليك معرفة أي من الخطابات يرجع إلى من لتشابه في التعبير، وتجديد للعهد ،واستمرار في الهيمنة. منذ تأسيس المنظمة العالمية للفرنكفونية التي هي أداة فرنسا القوية لتمكين سيطرتها التامة على الدول الإفريقية الفرنكفونية، وتتجه سياسة فرنسا لعرقلة أي محاولة من دول الفرنكفونية لتكثيف الجهود في التركيز على العلوم والتكنولوجيا، وتحاول فرنسا عبر هذه المنظمة توجيه الجهود إلى اللعب والطرب مثل تنظيم البطولات الأولمبية وما شابها.

تعتبر السنغال في قائمة عشرة الدول المنتجة بالفستق لكنها عجزت عن الاكتفاء بإيراد الزيت نتيجة نقص المعدات والتكنولوجيا البسيطة.

ما زالت دولة السنغال أو الدول الفرنكفونية الإفريقية تجهل أو تتجاهل بأن فرنسا ليست ضمن قائمة عشر الدول الصناعية الكبرى فتتجه إلى دول أخرى.

 لو اطلعنا على الاتفاقيات بين السنغال وفرنسا في الخمسين سنة الماضية لوجدنا أن فرنسا قد حققت الغرض من طرفها فيبقى الطرف الآخر هو الخاسر في كل نقطة.

الخلاصة: فرنسا ليست مهد العلوم والتكنولوجيا، ولو افترضنا جدلا أنها المهد، لن تكون أدنى احتمال تصدير العلوم والتكنولوجيا إلى إفريقيا، وإنما يهمها تصدير ثقافتها والتأثير على العقلية الإفريقية..

 

(*) باحث في الاقتصاد الإسلامي – تركيا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.