سيدي الأمين انياس الغائب الحاضر والرّاحل الخالد

عبد القادر انجاي عبد الرزاق

رحل الرجل العظيم والمثقف الكبير والمناضل الشجاع والبطل المغوار والثائر الأبي السيد سيدي الأمين انياس، فذهبت برحيله قلعة حصينة من قلاع الدين والوطن والإنسانية ، قلعة لطالما دافعت عن بيضة الناس فصدت هجمة ضده وقاومت هجوما عليه ، ولطالما دافعت عن كرامة الوطن فنافحت دوما من أجل تحقيق استقلاليته وحفظ ديمقراطيته وحماية تراثه، ولطالما دافعت عن الإنسانية فناصرت المظلومين والمستضعفين في الداخل السنغالي وخارجه وفي مقدمتهم  الفلسطينيين في قضيتهم العادلة وكبرى قضايا المسلمين التي كرّس لها الراحل حياته مناصرا و مناضلا دونما ملل .

رحيل هذا الرجل العظيم السيد سيدي الأمين انياس خسارة كبيرة وفاجعة مؤلمة ومصيبة جليلة بالنسبة للشعب السنغالي كله وللأمة الإسلامية جمعاء، بل و للنوع الإنساني بأجمعه؛ إذ كان رمزا من رموز الوطنية وعلما من أعلام الإسلام وأيقونة من أيقونات الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان بلا نزاع .

ورحيل هذه الشخصية العظيمة السيد سيدي الأمين انياس يمثل فراغا كبيرا في كل الساحات الدينية والفكرية والإعلامية والنضالية السنغالية إذ كان الرجل قد ملأ الدنيا وشغل الناس بما هو إيجابي و بناء و هادف :

فهو في ساحة الدين: العالم المتدين الذى أضاف إلى كرم الأصل شرف المسيرة ، وغيّر المفهوم السائد بين الناس عن رجل الدين الذى يصوره درويشا متبتّلا في خلوته ومعتزلا بسجادته و سبحته عن المجتمع، و ينحصر دوره في القيام بالعقيقة عن المولودين والصلاة على الجنائز والدعاء للناس في أعقاب المناسبات المختلفة واستقبال الهدايا من الأتباع ، دون أن يكون له رأي مسموع أو توجيه معتبر في حياة الناس اليومية وأوضاعهم المعيشية وظروفهم السياسية والاقتصادية ، ودون أن يكون له مشروع مجتمعي هادف وطموح ، أو إنجاز جبار ورائد في مجالات الحياة المختلفة من فكر وإعلام وسياسة واقتصاد … لقد غيّر فقيدنا هذا المفهوم عن رجل الدين وبرهن بتجربته الشخصية الفريدة وبما أنجزه من مكانة علمية واجتماعية متميزة وقدرة قيادة متفوقة ومؤسسة إعلامية رائدة أن رجل الدين يمكن أن يكون أيضا رجل الأعمال المستثمر ورجل الفكر المستنير ورجل القيادة الموجه ورجل النضال المقاوم إلى جانب كونه متدينا صالحا ورعا تقيا .

وهو في ساحة الفكر : المفكر الواسع الاطّلاع والكاتب المنتج المعطاء والباحث المدقق الذى يخوض المعارك الفكرية فيصول ويجول بقلمه السيال وفكره الثاقب فتظهر براعته وطول باعه ورسوخ قدمه في الفكر والثقافة.

وهو في ساحة الإعلام المبادر الرائد والمؤسس المكوّن والخطيب المفوّه الذى خرج من بين يديه أعلام هذا الفن ممن أصبحوا رؤساء هيئات إعلامية وصحفيين في أجهزة إعلامية مختلفة. وإليه يرجع الفضل بنسبة كبيرة في تطور الإعلام الحر واستقلاليته ودوره الحيوي في تقدم ديمقراطيتنا وحمايتها . وقد أسس مؤسسة إعلامية رائدة هي (و الفجر) التي تعتبر دعامة من دعائم الديمقراطية السنغالية وصوت المهمشين في المجتمع ، و التي تنقل دائما أنات المحرومين إلى الرأي العام السنغالي وإلى السلطات السنغالية.

وهو في ساحة النضال: المناضل البطل و الثائر المقدام الذى حمل قضايا الإسلام و الوطنية والإنسانية ونافح عنها كل ما تعرضت لاعتداء أو هجوم. ولقد استغل الرجل مكانته الدينية ومقدرته القيادية ووسيلته الإعلامية لا ليعيش لنفسه ولو شاءه لفعل وإنما ليعيش لقضية هي قضية الإسلام والوطن و لإنسانية وأبلى بلاء حسنا في الانتصار لها فكان بحق رمزا للعمل الإسلامي وأيقونة للنضال الوطني ووسام شرف للحرية والديمقراطية وحقوق الانسان.

ولقد وقف بجانب الفئة المستعربة التي يحسب منها فكرا وثقافة – و هو فخر لكل مستعرب وحامل للثقافة العربية الإسلامية حيث رفع رؤوسهم عالية بمواقفه البطولية وإنجازاته العظيمة – فناصر قضيتهم وقدم لهم بتجربته الشخصية النموذج العملي الذى يجب أن يتبعوه لكي يخرجوا من خانة التهميش التي يعيشون فيها وهو المبادرة و الإقدام و التحدي للتغيير والإنجاز  قبل انتظار أي شيء من أحد.

إن شخصية السيد سيدي الأمين انياس من الشخصيات الثورية التي تعتبر من الدعائم القوية التي تحقق التوازن وترسّخ العدالة في المجتمعات وتصد عنها الجور والعدوان إذ إن مجرد استحضار ردة فعلها العنيفة على الظلم والعدوان و الفساد – مع ما لها من المكانة الاجتماعية والعلمية ، والقدرة على التأثير، والحيادية عن التجاذبات والاصطفافات السياسية التي تكسبها القبول والاحترام بين المواطنين – يكفي رادعا عن التفكير في  الإقدام على تصرف يضر بمصلحة المجتمع. وكذلك يمثل غياب هذه الشخصيات الثورية خسارة كبيرة بالنسبة للمجتمعات الإنسانية.

والسنغال تمر بمرحلة حرجة من تاريخها وتقبل على مستقبل تحفه التحديات والأخطار الكثيرة فإن صوتك الهادي المرشد ومواقفك البطولية الثائرة ستوحشنا حتما في هذه الظروف المدلهمة ، فمن لمواجهة الطغيان والطغاة مثلك ؟ و من لفضح العمالة والعملاء مثلك ؟ ومن لمحاربة الشر وأهل الشر مثلك ؟

لكن الطريق الذى رسمته للشعب السنغالي سيبقى بعد  غيابك وسيظل صوتك الهادي الثائر يرنّ في وجدان الشعب السنغالي في كل وقت ينير له الطريق ، و صداك سيظل يتردد في أعماقه في كل أزمة يهدي خطواته كما يتردد فيها صدى سلفك الصالح : الشيخ أحمد بامبا، الحاج مالك سي ، الحاج إبراهيم انياس ، الدباغ ، الشيخ أحمد التيجاني سي …

لقد غبت عنا بجسمك لكنك حاضر فينا بروحك، ولقد رحلت عنا بنفسك لكنك خالد فينا بأثرك .

رحمك الله يا من يبكيك المعاني الجميلة في الحياة : يبكيك الإسلام والوطن والإنسانية والحرية والديمقراطية وحقوق الانسان والعدالة والنضال والثورة  …وقد عشت بها ومن  أجلها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.