سونكو وخطابه السياسي …قراءة تداولية
الحاج مصطفى امباكي
التاريخ:يونيو 2017م
المناسبة: الانتخابات البرلمانية السنغالية
جراء ذلك الاستحقاق الانتخابي ختمت مقالتي التي دارت حول أحداثها بعبارة(من لا يزال عنده بصيص أمل من كلام السياسيين فعليه أن لا يحيد عن عثمان سونكو لأنها آخر حصان من طروادة قد يصدق صهيله )
وعلى رغم تراجعي من هذه الحصرية المؤكدة التي مارستها في تلك الجملة، فإني لم أكن على بينة ولا على أساس من الظن يومها أنني بعد عام ونصف سأجدني مضطرا إلى الحديث مرة أخرى عن حصان طروادة ذاك، حيث شهدت الأيام تقلبات كانت كفيلة بوضع ذلك الشاب على هرم الجدل السياسي، حيث نفخ في روحه نفثة من حياة كانت أن تندثر، ونتجت منها عاصفة من اللغط والجدل المتكررين، وبحثا عن علة ذلك قد يكون الاعتماد على تحليل نمط الخطاب الذي أحدث هذه العاصفة ضروريا، وبالرجوع إلى تفرقة العالم السويسري دوسيير[1] بين اللغة والكلام حيث جعل الأولى انتماء وضعيا بينما ينتمي الثاني إلى حقل الاستعمال بغض النظر عن حالتها البنيوية حسب تعبير الأستاذ عموري السعد [2]، فإن القراءة التداولية تكفل لنا بوضعنا أمام شفافية الكلمات وملامحها التي تختفي عن الأعين، وفي سبيل ذلك التحليل التدوالي نحاول الاستعانة بعينة من كلمات وملامح قد تكون شيفرات تضع المراقب أمام الأسباب والقوة الغائبة التي نشاهد نتائجها وتتلخص هذه الشفيرات في:
1- رمزية الخطاب:إن التحليل النقدي بكافة أشكاله ومناهجه يعتمد على مقاربات تستنبط أشياء تتحكم في لاوعي الإنسان وتؤثر فيه تأثيرا بالغا، ومن ثم قراءة مكونات الخطاب وأكبر مرآة دلالية لأي خطاب ما هو سياقه، حيث إنه هو المفتاح السحري لحل أي معضلة بنائية تواجهنا، والسياق هنا أوسع مما يتصوره البعض، فهنا السياق تندرج حوله الحالة الوطنية والأحداث العالمية واستدعاء التاريخ وطموح المتكلم وذهنية المتلقي، كل هذه الأشياء تتشارك في إنتاجه فلا بد من استصحابها جمعاء، كما أن تحديد رمزية الخطاب يقودنا إلى دراسة الظاهرة العالمية المتمثلة في تولية الشبان لرئاسة الدول وبتجوال بسيط بين قارات العالم يمكن الأخذ بنموذج أوباما وماكرون وبول كاغامي كمثال، لكن مع أول مقاربة بسيطة ستسقط بول كاغامي من المعادلة، نظرا لاستثنائية حالته وتباينها عن البقية، من حيث توليه لبلد يختلف عن السنغال وفرنسا وأمريكا، حيث أنه ورث دولة متمزقة الأشلاء، كما أن تكوينه العسكري الذي اكتسبه كقائد عصابة في الحرب الأهلية الرواندية جعل ذهنيته مختلفة تماما عن غيره، أما مع أوباما وماكرون _الذين توليا دولا ذات مؤسسات قائمة كالسنغال_فأرى أنه إلى نموذج ساكن البيت الأبيض سابقا أقرب من نموذج ساكن قصر الإليزيه وذلك لأمور منها:
أ_ تركيزهما التام_سونكو وأوباما_ في خطاباتهما الانتخابية غلى الطبقة المهمشة وجعلها محور كلامهم، والمعول الرئيسي لبناء قاعدتهم الانتخابية، بينما يكفي في ذكر الخلاف حول هذه النقطة بينهما وبين ماكرون أن الأخير يلقب برئيس الأغنياء.
ب_من حيث المسيرة العملية حيث أن كلا الرجلين كان نائبا برلمانيا لوطنه، بينما ماكرون تسلم حقيبة وزارة ما قبل أن يستقيل منها، وخبرة البرلماني _كما تجب_أكثر شمولية من الوزير.
ج_ خلق تاريخ جديد نسبيا: فينما كان أوباما يرى نفسه كمرشح يقرع بابا جديدا في تاريخ أمريكا بكونه أسود اللون، فمواطننا يرى بأن توليته ستكون تجربة مختلفة بكونه يمثل حقبة من تجربة نمط معين من الشبان لسدة رئاسة بلد التيرانغا.
د_ الاعتماد بشكل جدي على وسائل التواصل أكثر من الوسائل التقليدية حتى صار يدعى _استهزاء_بمرشح وسائل التواصل_ وهو الأمر الذي اعتمد عليه أوباما أيام دعايته الانتخابية وكانت ذلك سابقة في تاريخ العالم المتحضر بينما في فرنسا كان العكس هو السائد.
هـ _ الحدة في الكلام:هنا يقترب نموذج سونكو من ماكرون فإني أرى _على خلاف أنصاره_أن ردوده حادة وخارجة أحيانا عن اللباقة المنشودة على طريقة إيمانويل ماكرون، وهو أمر قد يمكن إرجاعه إلى الطبيعة الشبابية المتسمة بحدة الدم لكنه على كل حال ليس إيجابيا بل هو سلبي جدا بينما في الجهة المقابلة ترى الرئيس الأمريكي السابق أكثر لباقة منهما معا، ولعل الحادثة التي قال له فيها أحد الجماهير(أيها الرئيس أنت تكذب )ورده المهذب يومها خير دليل على ما ذهبت إليه.
2_تبسيط المسائل الاقتصادية :أعظم إنجاز حققه سونكو_حسب رأيي_هو أنه بسط المسائل الاقتصادية وجعلها حديثا بين العامة بعد أن كانت من قبل حديث النخبويين ومجالهم الخاص فلا يقتحمها سواهم، بعد أن أحاطوها بسياج من الأرقام الهائلة وجعلوها حكرا على غيرهم، وهو _تبسيط الأشياء_ أمر في حد ذاته يعد فتحا مبينا في تاريخ العلوم فسقراط على جلالة قدره في تاريخ الفلسفة يعد أكبر إنجاز له هو: إنزاله الفلسفة من السماء إلى الأرض. ورجوعا إلى تاريخنا الوطني لم يكن يحدث أي جدل ذات مغنى_بين العامة خاصة_ حول ثرواتنا الطبيعية وكيفية توزيعها قبل سونكو، وكمثال فقط :لقد بيع مناجم الذهب والفوسفاط لمصانع غربية في عهد الرئيس الراحل بطريقة بشعة ولم يحدث ذلك جدلا اجتماعيا كبيرا كما يجب بخلاف الزخم الذي أحدثته عقود بترولنا وغازنا، وبغض الطرف عن هل ما يقوله سونكو واقع أم دعاية انتخابية أم إنه يعمل لصالح جهات مختلفة فإننا كمواطنيين نشكره على إثارة هذا الجدل والذي بلا شك سيحدث تغييرا ولو على المستوى البعيد لأنها ستكون ككلب حراسة لما يستقبل من عقود ستوقع.
3- المعجم الانتخابي:وهنا قد نضطر إلى أن نكون تفككين فكلمة كالنظام (SYSTEM BI)على رغم تحفظي منها_ يمثل تملصا وخروجا تاما وبراءة كاملة من أي خطا سياسي وقع فيه الوطن منذ 55عاما وكيف لا وكل من حكموا تجمعهم تلك الكلمة بل هي تمتد لتشمل كل من شاركو في مسيرة الفوضى من المافياويين أيا كانت طبقتهم، وهي سلاح ذو حدين لأنها مصطلح لم تحدد ملامحه بعد وقد يكون عائقا له لعقد صفقات انتخابية كما هو متوقع، وهو في هذه الحالة سيكون مضطرا إلى استدعاء تاريخه الخطابي في لحظة مفصلية ستكون أية زلة فيها حجر انتحار يودي بكم هائل من الأسهم الانتخابية المتكسبة سلفا.
أما كلمة (ثراوتنا الطبيعية) فهي المصطلح الذي انطلقت منه أسطورته الشخصية وهو الذي أظهره للعامة كمدافع عن مصالحهم، بل قد يكون المصطلح الأكثر حضورا في خطاباته فلم هذا الاهتمام الزائد به ؟هل لأنه حجر الزاوية في تقدمنا المنشود؟ليست بالضرورة وتجربة سنغافورة خير دليل.هل كانت سلما لتقديم نفسه إلىينا كمحامي عن حقوقنا المسلوبة؟لاأدري.هل لأنه يدافع عن مصالح شركات خسرت الرهان في سباق الفوز ؟ولا أدري هل لأنه نقطة الضعف للحكومة الحالية؟لا أدري……
أما عن كلمة الاستقلال الذاتي وكل ما يدور حوله فهي الكلمة التي أغرت كثيرا من المثقفين والنخبة في مؤازرته، وكيف لا وقد شاخ في الأرواح تاريخ طويل من انتظار تلك اللحظة أو على الأقل من يجعلنا نؤمن بأن تلك اللحظة ممكنة، وإلا فأي عظمة أكبر من إعلان نية الخروج من الفرنك سيفا في عقر فرنسا دون أن يعلن ذلك من قبل في خطاباته في السنغال، طبعا _شخصيا أرى_ أنها دلالة رمزية ورسالة قوية بغض الطرف عن مآلاتها فلا بد من تحية شجاعة اللحظة تلك وكأنه يتمثل يومها بقول (الطيب الصالح) [3] (جئتكم غازيا في عقر داركم أنا بقية السم الذي حقنتم به شرايين التاريخ )
إذن تلك غيض من فيض من تحليل تداولي أرى أنه ضروري لفهم أي برنامج انتخابي وإلا فإن الكلمات خداعة كما نعترف أيضا بأن التأويل أحيانا أيضا تكون …….
[1] عالم سويسري مشهرو وهو صاحب نظرية ثنائية اللغة
[2] أستاذ محاضر في جامعة بجاية
[3] روائي سوداني من أشهر رواياته(موسم الهجرة إلى الشمال)