سونكو … وانتصار المبدأ و الفكرة
عبد القادر عبد الرزاق انجاي
سونكو … وانتصار المبدأ والفكرة
فلا نصرا حقيقيا للمرء حيث خان مبادئه ولو جلب له ذلك السلطة أو المال … ولا هزيمة إطلاقا حيث ثبت المرء على مبادئه وصمد عليها حتى النهاية و لو نصبت له المشانق أو حفرت له الأخاديد.
مفاهيم النصر والهزيمة٫ النجاح أو الفشل تختلف حسب النزعات مكيافيلية أو ربانية وحسب الميول مادية أو أخلاقية.
ما يسميه ميكيافيلي النزعة والطبع نصرا هو ما يعتبره رباني النزعة والطبع هزيمة، و العكس صحيح.
النصر عند سونكو و أمثاله هو الصدق و الأمانة و الإخلاص و الوفاء و الصراحة في كل ظرف و مع كل أحد، وهذا التصور منه للنصر ما جعله عثمانا متميزا عن غيره من الساسة لأنه ليس مثلهم إذ يكذبون و يخونون ويتلونون من أجل الوصول على السلطة. و لولاه لما وصل إلى ما وصل إليه من قبول لدى الشعب السنغالي. ومطالبته بالتخلي عنه هو مطالبته بالتخلي عن معدن طبعه و منبع شرفه و مصدر قبوله وشعبيته الوافرة.
و الهزيمة في قاموس عثمان هي أن تكذب و تخون شعبك و تتلون كالحرباء من أجل الوصول إلى السلطة: إذ هو حسب الثورة التجديدية التي فجرها يرى أن الوسيلة ينبغي أن تكون شريقة كغايتها، و السلطة ليست هدفا في حد ذاتها لكنها ٱلة لجعل الواقع السنغالي أفضل في روحانياته و مادياته.
وعن أي هزيمة يتحدثون؟
و ملايين السنغاليون الذين وقفوا لنصرته في ملحمتي مارس 2021 و يونيو 2023 ما زالوا موجودين تحن أفئدتهم شوقا إليه و تلهج ألسنتهم باسمه و هم اليوم أكثر قناعة بمشروعه و بقضيته النبيلة، ينتظرون ساعة الصفر في توقيت الثورة لتحقيق حلمه و مشروعه لسنغال أفضل.
أجل، للثورة توقيت يربك الحسابات والتوقعات فليست تمشي هي الثورة بريموت كونترول تتحرك بنقرة و تتوقف بنقرة؛ إنها أحاسيس غضب و مشاعر استياء تتراكم ثم تتخمر من فعل الظلم و الاضطهاد لتنفجر لحظة الوقوع على الشرارة المفجرة! وهذه الشرارة لا أحد غير الله يعرف متى وكيف و أين…؟
فهي في فرنسا أزمة الخبز و في تونس إحراق شاب نفسه وهكذا… و الشرارة طبعا ليست مولدة الثورة في أساسها بل المثيرة في الضمائر المآسي التي تراكمت سنين و تدفع إلى الانتفاضة الحاسمة لأخذ الثأر.
فالنصر النهائي ما زال في متناول أيدينا حسب توقيت الثورة وحقائقها و هنا الفكرة و المبدأ.
و لقد حقق سونكو مع ذلك انتصارات مرحلية عظمى على النظام من أثمن ما يكون النصر بالنسبة للقائد المصلح.
ففي معركة الرأي العام انتصر على النظام بكل ما لديه من جهاز الدولة و ترسانة القمح و ٱلة الدعاية و مصادر التمويل حين أفشل سعيه لإقناع الرأي العام بأنه فاسق و فاسد و سارق و متمرد كازاماسي و متطرف جهادي و نجح بفضل الله في كسب قلوب الشعب السنغالي بمسيرته الشريفة و خطابه الصادق رغم هول الأكاذيب و المؤامرات.
و في ميدان البرامج انتصر على النظام حين سواهم على الأرض بانتقاداته الوجيهة و أفكاره القيمة و اقتراحاته المهمة لتحويل البلد إلى مصاف الدول العظمى. و عندما عجزوا عن مواجهته في ميدان الأفكار و النقاش البناء نزلوا إلى الحضيض ليواجهوا خطابه العلمي و برامجه العملية بلغة الجنس و المجون.
و في ميدان السياسة انتصر على النظام حين هزمهم في أهم المدن الاستراتيجية في المحليات و في مقدمتها دكار، و حين جعل السلطة تخسر الأغلبية المطلقة في البرلمانيات لأول مرة في تاريخ السنغال و هو لم يكن في قوائم الترشيح كنائب.
و في ميدان بناء الرؤية انتصر على النظام أعظم انتصار عليهم حين كشف عن لثامهم و حصرهم في بوتقة واحدة؛ فقام النظام بجميع مكوناته و تفرعاته من سلطة و معارضة و رجال إعلام و رجال أعلام و رجال دين جبهة واحدة لمواجهته.
انتصر سونكو على النظام حين دفعه إلى حرب وجودية تخلى فيها عن كل أخلاقيات التنافس السياسي واستعمل فيها كل الأسلحة المحظورة لتحييده ليرى الشعب السنغالي وجه النظام القبيح دون أي مكياج قانوني أو أخلاقي.
سيدي عثمان فأنت في بيتك أو في السجن فعلت الأهم بعد أن قدمت كل شيء لشعبك: فماذا أبقيت؟ وقد دفنت في التربة بذرة حب الوطن لتنمو في الآفاق وأشعلت في الضمائر شرارة الثورة لتنفجر في الميادين وأيقظت الهم التحرري ليشق طريقه إلى الأمجاد.
فرضي الله عنك كما رضي عنك شعبك.