زيارة تنسيقية الجمعيات و الحركات الاسلامية فى السنغال إلى طوبى: المنطلق و الجدوى
(*) عبد القادر انجاي
ما بين مستبشر بها خيرا و مستحسن لها من الاتجاهين: الحركي و الطرقي, أورافض لها و مشئمز منها من الاتجاه الحركي, أو شامت بها و منتهز لها من الاتجاه الطرقي ليصفي حساباته الخاصة مع القوم. هكذا تباينت ردود أفعال المتابعين حول زيارة تنسيقية الجمعيات و الحركات الاسلامية فى السنغال لمدينة طوبى المحروسة.
إنه زخم كبير خلفته الزيارة بحجم رمزيتها و جدواها و هي زيارة نود أن نؤكد أنها ليست الأولى من نوعها لأكثر فصائل الحركة الاسلامية فى السنغال منذ نشأتها و إلى الآن من حيث الفكرة و الهدف. و إنما الجديد هذه المرة توسع الدائرة لتشمل جمعيات دعوية أخرى فى الساحة بفضل الإطار الذى احتضنها و هي تنسيقية الجمعيات و الحركات الاسلامية فى السنغال الوليدة. و التى أرادت أن تعمل فى تناغم مع إخوة الدين و الأرض و النسب فى وطننا السنغال
سواء من رجال الدين أو من رجال السياسة أو من رجال المجتمع المدني. تناغم من شأنه حفظ نسيجنا الاجتماعي و الحفاظ على تماسكنا الداخلي و وحدتنا الوطنية. جاءت الزيارة لتوثق أواصر القربى و لتحفظ وشيجة الأخوة الاسلامية و الوطنية بجولة تفقدية ودية لن تترك بيتا من البيوتات الدينية فى السنغال إلا طرقتها وفق ما خططت لها.
فهي ليست وليدة ظرف قاهر أو واقع ضاغط لكنها نابعة من منطلق الإيمان لدى التنسيقية بالعيش المشترك السلمي فى ظل الاختلاف المنهجي و العمل المشترك لرفع التحديات التى تواجه أمتنا و التعاون المشترك لمضاعفة رصيد أمتنا من الأمن و الاستقرار و التلاحم المجتمعي و رفع مستوى مناعة جبهتنا الداخلية ضد التفتت.
لقيت الزيارة ترحيبا لدى العقلاء من الجانبين الحركي و الطرقي وأملوا منها خيرا باعتبارها خطوة تاريخية لصناعة مستقبل مشرق لوطننا يسوده الوئام و التعارف و التعاون بين المسلمين. إلا أن شبابا محسوبين من بعض الحركات الاسلامية امتعضوا لها و أهالوا على مشائخهم وابل النقد و العتاب فى قصور رؤية مثير. فبينما يمد الشيوخ جسور التواصل مع إخوة الدين و الأرض و الدم لصناعة المستقبل يناقش الشباب طريقة الجلسة , نبرة الصوت , حتمية الصدام و التنافر فى محيط إقليمي و دولي يتقطع أشلاء و
يضطرب بالصراعات المأدلجة, و ذاك فرق ما بين حكمة الشيوخ و حماسة الشباب مشوبة بمراهقة فكرية صارخة.
و فى الجانب الآخر من الاتجاه الطرقي أظهر البعض ممن ينقصهم الوعي و المسئولية انتهازية فكرية فاضحة فى الزيارة ليقطعوا ما أمر الله به أن يوصل و يفتتوا ما التحم من الوشائج نصرة ــ زعمواــ لتوجههم الفكري و نكاية بمخالفيهم فتصوروا الأمر خضوعا للأمر الواقع و تراجعا عن المنهج.
الواقع أن كلتا الفئتين يجمعهما قصور النظر و ضيق الأفق و عدم الإلمام بفحوى الزيارة ومراميها, فليست الزيارة نتيجة تغير لقناعة و تحول عن عقيدة بعد تقييم المنهج و مراجعة المسار و لا هي رضوخ لضغط الظروف أو قبول لهذا النهج أو ذاك و إنما هي زيارة أتت لصلة رحم الأخوة الوطنية و الوفاء بواجب الأخوة الاسلامية منطلقا و هدفا.
و مهما يكن من أمر فإن الزيارة آتت أكلها و سعد بها المسئولون والعقلاء من الجانبين و جزء عريض من قواعد الاتجاهين. و لنا أن نقول باطمئنان أنها كانت زيارة ناجحة لأنها أولا: انطلقت من قناعة فكرية راسخة لدى التنسيقية بالتعايش السلمي و قبول الآخر على الرغم من خلافاتنا فى الفكر و الاتجاه و هو ما قرره الاسلام فى كتاب الله تعالى و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم وطبقه المسلمون فى
حضارتهم و تاريخهم كله. ولأنها ثانيا: تدخل ضمن رؤية بعيدة تبنتها التنسيقية هي صمام الأمان من الاجترار فى دوامة الانقسام المجتمعي الذى يحاول أعداء أمتنا خلق حالة متقدمة منه فى وطننا لقضاء مآرب خاصة بهم على حساب وحدتنا و تماسكنا, و هي وحدها السبيل لبقاء علم السنغال مرفرفا فى السماء و فى ظله كل الألوان من الأعراق و الأفكار مختلفة و متجانسة فى آن واحد, تصدح فى ترنيمها دوما و فى اتساق مطرد: ( أنا السنغال ) “شعب واحد” “هدف واحد” “إيمان واحد”.