حسن الترابي مشوار النضال و أبعاد التجديد
أ. مختار كبي (*)
مضى عامان على ترجل الفارس حسن الترابي عليه رحمة الله تعالى و كأن القدر قرر أن يظل مكانه شاغرا فلا يسد أحد مكانه. لقد لعب دوره باقتدار و تفان منقطع النظير فى النهوض بأمة أصابها الهوان و التخلف المرير دهرا مديدا و رفع سقف إنجازات عالية فى الفكر و الحركة و النضال و التأثير.
وقف الترابي فى مقدمة الصف من معركة التغيير و خلفه جيل من أصحاب التوجه الاسلامي فنقلوا المشروع الإسلامي من أروقة الجامعات الى فضاء المجتمع فالدولة و الصعيد العالمي. و كان فى كل المراحل و الأطوار الرائد الذى لا يكذب أهله و العازم الذى لا تلين له قناة فطاف بين السجون صابرا محتسبا و بين المنابر خطيبا و مرشدا و بين المناصب مصلحا و مخططا تضع لبنة تلو الاخرى لبناء المشروع الإسلامي. ثم خرج من كل المعارك التى خاضها طاهر اليد و القلب نقي الضمير و خلف من بعده تجربة دعوية ثرية هي محل اعتبار و إجلال لكثير من تيارات الفكر الاسلامي.
لم يكن الترابي أول قائد أو زعيم توافيه المنية فى وقت مفصلي من مسيرة الأمة و فى حالة من التأهب و الاستنفار للصعود بالمشروع الإسلامي و هو يتجه صوب مآلات تتوق إليها الأعناق و تصبو إليه الآمال.
و لقد خلا من قبله الرسل و الأنبياء الكرام و المصلحون الأتقياء فقام مقام من مضوا من خلف عدول حافظوا على الجذوة مشتعلة و أناروا الدرب لمن لحق بالمسيرة.
قرأت كل كتابات الشيخ الترابي بداية من كتابه (الصلاة عماد الدين) الى (آثار الإيمان فى الحياة) و تابعت أفكاره التجديدية للفكر الإسلامي و نظرياته القرآنية و تفسيره التوحيدي فانتهت بي الجولة إلى أنه مجتهد مصلح و مجدد جريء و مصلح موهوب.
قدم الشيخ الترابي إضافات فكرية نوعية شغلت الساحة الفكرية منذ عقود فانقسم الناس فيها ما بين ناقدين و متحاملين فى بعض الأحيان متحايلين فى أحيان أخرى نبذوه بكل الألقاب لكن ظل الطود راسخا شامخا. و حين انجلى غبار المعركة الفكرية اعترف الكثير من المتجردين بان مسلكه فى الفتوى و التوجيه مسلك أصيل و له فيه أسوة من علماء السلف و الخلف و إن كان كل يؤخذ من قوله و يرد.
حظيت باللقاء بالشيخ الترابي فى ظروف متباينة و فى أوضاع مختلفة فما رأيت فى أحد ثباتا و ثقة و يقينا و بعد نظر بالمآلات مثل ما لاحظت عنده. رأيته بعد خروجه من سجن النميري فى الثمانينات يخطب فى جامعة الخرطوم و هو يتناول سورة القصص و يشرح حالة الاستضعاف و مبشرات التمكين وتحدياته و ابتلاءات المسيرة التى لا تنقطع و التى تتطلب استجابات ترقى إلى مستواها. ثم رايته فيما بعد و قد خرج من سجن الانقلاب فى لقاء للحركة التى كانت تعد العدة و ترسم الخطة لمسيرة جديدة و قد حضر اللقاء نخبة من قادة الفكر و الرأي من خيرة أبناء الحركة و كانت المداولات تدور حول دور الحركة فى الوضع الجديد فجاد كل بما عنده و كان الشيخ فى ركنه متابعا و مسجلا باهتمام. ثم كان مسك الختام من عنده بكلمات موجزات نسخت كل المداولات و رسمت آفاقا جديدة و إطارا جديدا للحركة و أوعية دعوية وصلت إلى الفضاء العالمي بعد الصعيد الوطني.
ثم رايته بعد عدة اشهر فى جلسات للاتجاه الاسلامي و قد خسر الانتخابات العامة بعد جولات من الانتصارات و النجاحات تحت إشراف ذلك القائد الفذ و البطل الشجاع الشيخ محمد عثمان محجوب الذى كان يبدو فى تلك الايام و كأنه أسد هصور أصيب من كبرياءه فظل يعد العدة لافتراس العدو فى أول فرصة عابرة و لكن كلمات الشيخ حسن الترابي صرفت الأنظار عن الخسارة بل حولتها الى فرصة سانحة لنشر الدعوة و التفرغ للعمل الفكري و التو عوي و بناء المؤسسات الشبابية المفتوحة الجامعة التى تحصن الشباب من فتن الحزبية و الاحتكار الفكري و التقوقع الطائفي و انقطاع قنوات التواصل مع المجتمع .
حظيت فى أغلب الأحيان التى زرت فيها السودان باللقاء بالشيخ حسن الترابي رغم ظروف ذلك الوقت الصعبة فأخرج من عنده و قد فك لنا ألغازا فكرية محيرة و أنار لنا السبيل و رسم لنا ملامح المسرح العالمي و ما يشهده من صراعات فكرية و نزوح الأفكار من المشرق الى المغرب و من المغرب إلى المشرق و هكذا دواليك…
و فى آخر مرة رأيته تطرق إلى النزعة الجنوبية و الدور الافريقي المرتقب فى الشأن العالمي و المسيرة البشرية.
مضى عامان من ترجل الفارس حسن الترابي رحمه الله و كان النبع قد نضب فهل من مبعوث جديد يربط أهل القبلة برابطة الملة الإبراهيمية فيوحدها و يقودها لمواجهة طغيان الغرب و كبرياءه و حضارته الشهوانية.
اللهم عجل! فإن الأمة فى حاجة إلى جيل جديد من طراز ذلك الشيخ ليخوض المرحلة العالمية التى نرقبها من معركة التغيير.
اللهم تقبل عبدك حسن الترابي من عبادك الصالحين فى أعلى عليين و أدخله جنة الفردوس مع الذين انعمت عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين .
(*) القيادي البارز في الحركة الإسلامية السنغالية ورئيس التجمع الإسلامي (الوحدة) بالسنغال