حتى لا تغرق السفينة !
(*) الشيخ انجوغو صمب
موازين…….
ان من هدي القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة العدل والإنصاف في التعامل مع الآخرين ، او عند الحكم عليهم او على أفعالهم ، قال تعالى ( ولا يجرمنكم شنآن قوم على ان لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ) ، وقال تعالى (وزنوا بالقسطاس المستقيم ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمن حكم على من نطق بالشهادة بالكفر (اشققت عن قلبه ) .
وقد تقرر في الشرع ان الحكم على الأفراد والأعمال والطوائف بما غلب عليها من حق او باطل ، و من خير او شر ، ومن مصلحة او مفسدة ، وأن لا كمال إلا لله ، ولا عصمة إلا لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا تجتمع الأمة على ضلالة ، وكل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن أئمة المسلمين المتبوعين من أهل الاجتهاد تجب محبتهم وموالاتهم وطاعتهم في المعروف ، واعذارهم فيما أخطأوا فيه ، لما تواتر عنهم من الاجتهاد في طاعة الله ورسوله وموافقة شرع الله حسب وسعهم و طاقتهم ، فأعمالهم الصالحة كالماء الكثير ،والأخطاء اقذار ،وإذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث .
التصوف مذاهب وآراء !
ثم ان التصوف وأهله كثر فيه الكلام قديما وحديثا ، واختلف فيه أهل العلم خلافا كبيرا ، فذهبت طائفة إلى ذمهم مطلقا ، وذهبت طائفة أخرى إلى مدحهم وتزكيتهم مطلقا ، فيما رأت طائفة ثالثة ان في التصوف ما يمدح وفيه ما يذم ، وهذا خلاصة ما ذكره أهل العلم والفتوى عن التصوف والصوفية ، وقد نصر كل قول من هذه الأقوال جماعة من أهل العلم والدعاة والمصلحين ، ولعل سبب اختلافهم في هذا الحكم يرجع إلى اختلاف المراحل التي مر بها التصوف ، وتفاوت المنتسبين إلى الصوفية في العلم والعمل ،و كثرة من ينتسب إلى التصوف من غير أهله ، ولقلة النقد والمراجعة للتراث الصوفي من قبل الصوفية أنفسهم .
التصوف والصوفية في تاريخ السنغال .
وللتصوف والصوفية في غرب إفريقية عموما وفي السنغال خصوصا تاريخ عريق وتأثير عميق ، فاغلب علماء السنغال ودعاتها ومصلحيها صوفية ، وكثير منهم كانوا ينتسبون إلى طرق صوفية معروفة ، ويربون اتباعهم على وفق تعاليم تلك الطرق ومناهجها ، وقد ابلى الشيوخ رحمهم الله تعالى بلاء حسنا في نشر الإسلام وتعليم الناس ومقاومة المستعمرين ، وحفظ الهوية الإسلامية للسنغال والسنغاليين ، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء .
حركات إصلاحية .
ومنذ الخمسينات من القرن التاسع عشرة الماضي انبثقت الصحوة الإسلامية المباركة في ديار السنغال ، وكان من أهم عواملها البعثات العلمية الخارجية إلى الدول العربية ، وظهور الجمعيات الإسلامية والحركات الإصلاحية ، وانتشار المعاهد والمدارس الشرعية النظامية ، مما ادى الى ظهور جيل من العلماء والدعاة من ذوي التوجه التغييري الإصلاحي ، فجددوا في الخطاب الديني ودعوا إلى تصحيح المفاهيم الخاطئة ، واحيوا كثيرا مما اندرس مع معالم الهدى والرشاد ، وهم في ذلك يعتبرون أنفسهم حلقة متصلة بما سبقتها من سلسلة الدعوات الإصلاحية ، وامتدادا طبيعيا لجيل العلماء والشيوخ السابقين ، رغم وجود الفروق والاختلافات التي تعود إلى الظروف العلمية والاجتماعية والزمانية .
ومنذ ذلك الوقت والصحوة الإسلامية تتنامي وتنتشر وينتسب إلى تياره العام شرائح مختلفة من الشباب والشيوخ ومن الرجال والنساء ، وكاي حركة إصلاحية في كل زمان فقد لقي دعاة جيل الصحوة مشاكل عديدة وعقبات كؤودة ، بعضها من العلمانيين المعادين لكل مشروع إسلامي ، وبعضها من بعض المنتسبين الى المؤسسة الطرقية الذين يعتبرونهم مختلفين عنهم في المذهب والطريقة والمسلك ، ومع ذلك كان التعايش السلمي سيد الموقف ، والحجاج العلمي سلاح كل فريق ، إلا في حالات استثنائية نادرة يحدث فيها تطرف ذات اليمين ، او ذات الشمال .
صراع الطوائف والحالة السنغالية .
كانت الحالة السنغالية استثناء من قاعدة الحروب الفكرية والصراعات الطائفية المشتعلة في العالم ولم تزل إلى الآن والحمد لله ، ذلك ﻻن السنغاليين بطبيعتهم شعب مسالم ، والحركات الإسلامية فيها أهل وسطية واعتدال في الجملة ، ومشايخ الصوفية فيها أهل شفقة ورحمة وحلم ،والساسة والحكام اهل كياسة وذكاء ، ولو كان الأمر على خلاف ما ذكر بأن تتبنى الحركات الإسلامية في السنغال منهج التكفير والتفجير لا قدر الله ، ويخرج مشايخ الصوفية عن حلمهم وسمتهم لا سمح الله ، ويتخبط الحكام والساسة في تدبير الشأن العام عياذا بالله ، إذن لاشتعلت في السنغال لا أذن الله حروب طائفية وأهلية لا تبقي سلفيا ولا صوفيا ولا علمانيا .
حتى لا تغرق السفينة !
وحتى لا تغرق السفينة وسط الامواج المتلاطمة وتصل إلى بر الامان فلا بد من الرجوع الى هدي القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وهدي السلف الصالح وقواعد التعامل بالحسنى واسس التعايش السلمي ، فلنرد خلافاتنا إلى الكتاب والسنة وإلى الله ورسوله ، و نتحاور فيما بيننا بالحجة والبرهان ، فإن توصلنا إلى اتفاق على شيء تعاونا عليه ووسعنا دائرته وغلبنا جانبه ، وإذا تفاوتت اجتهاداتنا في مسائل او تباينت مواقفنا في قضايا ولم تختلف بسببها قلوبنا ، فلينصح فيها بعضنا لبعض ، ثم ليعذر بعضنا بعضا .
خروقات ……..
وان هذه السفينة لتغرق ان لم يتداركنا الله بلطفه بشيء واحد فقط لا غير ألا وهو الغلو وهو مجاوزة الحد المشروع في الأقوال اوالأفعال او التصورات ، وعليه فإن انتشار الشرك و البدع والخرافات والجهل بالدين والإلحاد في أسماء الله وصفاته والإساءة الى شعائر الإسلام وشرائعه خروق في السفينة ، وكذلك التكفير والتبديع والتفسيق لمن لا يستحقها شرعا ، و السب والشتم والفجور في الخصومة ، واتهام النيات ، والتعميم في الاحكام على الافراد والطوائف ، وعدم الحكمة في الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم اعتبار المصالح والمفاسد ، وعدم النظر إلى مآلات الامور كل ذلك خروق في السفينة .
ومن الخروق في السفينة أيضا اي قرار سياسي ظالم او حكم قضائي جائر في حق اي مواطن بريء ، او اي تمييز طائفي او مذهبي بين المواطنين .
ولا شك عندي ولا ريب ان كل هذه الخروق المغرقة للسفينة موضع إدانة وانكار لدى العقلاء ، وهم الغالبية العظمى من الدعاة والشيوخ والساسة ، ولم يبق إلا ان يمنع كل رأس من معه من الأتباع والأنصار بل ومن غيرهم من ارتكاب اى خرق من شانه ان يغرق السفينة ، فإن فعلوا ذلك نجت السفينة ومن فيها ، وإلا غرقت وهلك من فيها أجمعين ، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال : قال صلى الله عليه وسلم (( مثل القائم في حدود الله والواقع فيها ممثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها ، فكان الذي في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم ،فقالوا لو انا خرقنا من نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعا ، وأن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا )) رواه البخاري .
(*) كاتب وباحث في قضايا الفكر والدعوة