جائزة الوزير محمد بمبا انجاي لفنِّ الرواية لسنة 2017
محمد نياغ
ظلت الرواية منذ نشأتها الأولى إلى أن استوت على سوقها قائمةً تشُقُّ جلباب طريقها إلى مرافئ عالم القراء، وأفياء مدائن الأدباء المطلعين المثقفين؛ لتغرس في مكامن نبضات قلوبهم المتعةَ واللذةَ والنشوةَ.
كانت الرواية على مر العصور، وكر الدهور، مصدرَ المتعة، ومورداً يستقي منه القراءُ حيناً ثقافاتِ المجتمعات الباديةِ والحاضرةِ، التي يمارسُها أفرادُها حقيقةً كانتْ أو خيالًا، كما أَنَّها مِرآةٌ لحياةِ سَوادٍ منَ الناس. فبرزَ في بَاحتها الخصبةِ أساطينُ ملأُوا فَلكَ المكتباتِ بُدُوراً ساطعاتٍ منْ مجراتِ الروايات المختلفة، التي تحمل في طياتها أضواءً من جُموحِ الخيال، ورقةِ العواطف، ورهافة الأحاسيس، ومنارة الأفكار الثاقبةِ.
علاوةً على ذلك فإن الروايةَ العربيةَ وإن كان الجيل السابقُ من أحكم بذورها، فإن للأجيالِ الحالية أياديَ بيضاءَ، ظلت تمد الرواية بعرائس المؤلفات الآسرةِ، فكان من هؤلاء الروائيين الأدباء الأخ الباحث الروائِيُّ المقتدر/ أبوبكر انجاي، الذي رأت مجموعة أخبار السنغال، وصفحة سينخبار بمتابعتهما الدوامة لأقلام العقول العبقرية، والكتبة المهرة، أن تتوجاه بجائزة الأستاذ محمد بامبا انجاي لفن الرواية؛ لكونه أفضلَ روائيٍّ سنغاليٍّ لعام 2017م.
والحق يقال: إن الروائيَّ يستحق أكثر من هذه الجائزة، بل أهلٌ بأن تهدى إليه الدنيا وما حوت؛ لكون روايته كاملةً شاملةً، استوعت جميع عناصر الرواية التي رسمها الأدباء والنقاد، ولعل المطلع على هذه الرواية يكتنه قدرته في حبك الكلمات، وسبك العبارات التي تجعل القارئ يسجد على محرابه؛ لاستمداد ما ينضوي عليه المؤلَّفُ من نتاج الخيال الرائع، ورهافة الأسلوب، الذي يترك المطلع يتملى على عرشه، وهو يقرأ الرواية وبيده القهوة، فتعتريه النشوة من جهتين.
وقد تجلى فيها صاحبها روائيّاً محترفاً، وحكيماً أصقلت خواطرَه التجاربُ، وهذبته الممارسات اليومية والمطالعات المتكررة. بيد أنه يَنْقُصُه أمران: قدرتُه الفائقةُ على مراعاة اتزان ترنيمة الأسلوب السلس، الذي اكتَنفَ مَآقِيَ قلمِهِ السيَّالِ، وتقيدُه المركِّزُ على بيضة موضعه الأساس، الذي لم يجعله يَشرِدُ ذهنَه خارج الدائرة التي يحوم حولها، أَضفْ إلى ذلك تصويراتِهِ البديعةَ، واستعاراته الخلابة، التي تُدريكَ أن الراويَ تَسرحُ الأفكارُ وتَتَماهَى فِي فضاء ذاكرته الذكيةِ الواسعِ، وتجدُه أحيانا يَتقمَّص بردَةَ محفوظ نجيب المصري، وحيناً آخر يرتدي حلةَ مصطفى صادق الرافعي الفضفافة الموشحة بشذرات الكلمات المُنَمْنَمَةِ، والعبارات المنمقة.
ويجدر الذكر أن الروائي استوحى فكرة روايته من محيط مجتمعه الذي يموج بكثير من الموضوعات الحية التي ما زالت في قائمة الانتظار، لمن ينفض عنها الغبار، ويكشف عنها وعثاء الليل والنهار، لتخرج من رحم الإهمال والإفال، إلى عالم الإعمال. ومن هنا نَندُب شعراءَ السنغال ورواتها إلى أن يُهرَعُوا إليها؛ لتزويد المكتبات السنغالية بمثل هذه الدرر، ولفت انتباه الشباب المبتدئين إلى ما يجب ترجمته من كنور البلاد إلى بطون الصحف والأوراق شعراً ونثراً.
ويظهر للقارئ المتفحص أن الروائيَّ حاول في الرواية المزج بين الكلاسيكية والرومانسية، حيث أشار بطرف خفي أن التقاليد والعادات النبيلة ينبغي الحفاظ عليها، بينما يصبو إلى أن المعاصرة والالتفات إلى ما جادت بها الأيام والليالي من التغيرات والمستجدات جديرة بالاعتناء بها، زد على ذلك أنه احتفل بالجانب الرمزي الذي دل عليه عنوان الرواية (جريمة ولكن).
والباحث أبوبكر انجاي –حفظه الله-من الشباب الذين يشتفهم حب الاطلاع، ومصاولة الكتب، ومنافثة المؤلفات، يظهر ذلك واضحاً لمن أدمن في قراءة روايته قراءة متأنية، أو ألقى إليها نظرةً فاحِصةً، ومن هنا أُهيبُ بكل السنغاليين إلى اقتناء الرواية وتلاوتها تلاوة ناقدٍ فاحِصٍ.
ولا ينبغي الإغفال عن أن الروائي وصل إلى هذه الدرجة بعد أن تجشم صعوبات التعلم، ومشقات الدراسة، وتحديات أقَضَّتْ مَضجعَه، وألزمته الأرق والسهر على المهارق والقراطيس، فمنذ أن رأى النور عام 1991م وشعر والده العزيز إبراهيم انجاي بأن شعاع العقل والرشد بدأ يدبُّ في شرايينه، وملامحَ الإدارك تَشعُّ من داخله؛ لَقَّنَهُ كتاب الله حتى حفظه على يديه عن ظهر قلب، وتلقى منه تعاليمه الأولى من العلوم اللغوية والشرعية، وبعد أن أنهى المرحلة الابتدائية من مدرسة والده، التحق بمعهد الحاج عبد الله نياس بكولخ؛ ليملأ من بقي في قلبه من فراغات العلم فحصل على الشهادة الإعدادية، ومن ثم توجه إلى جمهورية مصر العربية عام 2009م فالتحق بالأزهر وحصل على الشهادة الثانوية العلمية عام 2012م ثم التحق بجامعة الأزهر الشريف حيث واصل مسيرته الدراسية في كلية الزراعة- قسم الصناعات الغذائية- التي تخرج فيها سنة 2016م.
ولم يحتكر الروائي أفكارَه وطموحاتِه على تخصصه فحسب بل تعداه؛ ليبرهن للعالم أن العلم أوسع نطاقا من أن يحصر في التخصصات، وليأخذ من كل شيء بطرف، فسعى جاهدا حتى حصل على: دبلوم الصيدلة.
وبجانب رواية “جريمة ولكن” فإن للأديب أعمالًا أدبيةً أخرى، لعلها لم تر النور بعد، منها:
الحلم الضائع (رواية )
بائعة السمك(قصة قصيرة )
حفلة تنكر ( مسرحية )
TAW BU GOOR (سيناريو)
وينضاف إلى هذا أن الروائي منذ أن قَفَل راجعاً من جمهورية مصر العربية لم يبق مكتوفَ الأيادي بل انخرط في سلك العمل لإفادة شعبه وبلده، فعمل:
مكوناً غذائيًّا في كلية الزراعة (isaa) في تياس، وما زال.
كما أنه حالياً قيد التكوين في جامعة شيخ أنت جوب -كلية العلوم وتقنيات التربية والتكوين قسم العربية.
ولا شك أن سيرة كهذه، وجهوداً عكست راءت لنا من خلالها شدة عزائمه، وشكيمته- جديرة بأن يترقب من صاحبه بروق إبداعات وابتكارات أخرى، تملأ الساحة السنغالية مؤلفات وكتابات في مجالات عدة.
ونحن إذ نكتب عنه هذه السطور نريد لفت الأنظار إلى أن القراءة الحرة هي التي تتمخض من رحمها الحرى تلك الأقلام النيرة التي تحرك وجدان القراء، ولذلك ينبغي للطلاب والبُحَّاثِ أن يصرفوا إليها اهتمامهم وعنايتهم صباحَ مساءَ، ليلَ نهارَ.
والمجموعتان إذ تقلدانه هذه الجاهزة تقدمان له باقات من التهاني والتبريكات، متَمَنِّيَتَيْنِ له مزيدا من التألق، والتحليقِ في فلك الإبداع، وفضاء الابتكار والاختراع، دَاعِيَتَيْنِ اللهَ جل وعلا أن يتحف قلبه بنور العلم، وضياء المعرفة، ويسبل عليه غطاء الصحو والعافية.
وختاما قمن بالإشارة أن الشخص المسمى بهذه الجائز قامة علمية شامخة، وأسوة يحتذى به في مجال القراءة والكتابة، فقد أسهم كثيراً في خدمة الإسلام ونشر بنت عدنان في الربوع السنغالية، بكل ما أوتي من قدرة، وحريٌّ أن نحذوَ به -نحن الشبابَ-حذوة القُذَّةِ بالقُذَّةِ؛ لنصل بالبلاد إلى محطة السلام ومراسي الأمان.