تداعيات الولاية الثالثة لماكي سال على الانتخابات السنغالية الرئاسية لعام 2024م
الكاتب/ عبد الرحمن إبراهيم كان
إن الانتخابات السنغالية الرئاسية لعام 2024م أوشكت على الأبواب وحملت معها ملفات ساخنة وصاخبة في آن واحد. حيث يُعتبر النقاش عن صلاحية الولاية الثالثة هو الضجّة السياسية الأكثر تداولا في المجتمع السنغالي بين السلطة والمعارضة، وأصبحت أكثر المبادرات السياسية والقضائية والتنفيذية والفكرية في الدولة حاليا تخدم الاستراتيجيات الممكِّنة على الفوز في الانتخابات السنغالية الرئاسية لعام 2024م.
إن الحديث المنتشر سياسيا حول صلاحية الولاية الثالثة لرئيس الجمهورية ماكي صال يفيد إلى مدى أهمية هذا الملف للشعب السنغاليّ ودوره الحاسم في الانتخابات السنغالية الرئاسية لعام 2024م، في حين يتطلّع مؤيدو الرئيس إلى إعطائه فرصة أخرى لاعتبارات سياسية وأخرى تعتمد على تفسيرات فلسفية مؤيدة له، ومعارضوه يتمنّون تنازله عن عرش الرئاسة تطبيقا للقانون واحتراما لكلمته، ويعملون على منعه من التّرشّح، وإن وُجد لترشّحه طريقا يسعون لمنعه من العودة لرئاسة الجمهورية بالتنديد السياسي والتصويت الانتخابيّ.
ولزومًا على الفاعلين السياسيين تناول الملف بشكلٍ فائض، والعمل على وضع آليات مشتركة للحدّ من الأضرار التي يمكن أن تؤدّى إلى انهيارات في النظام السياسي السنغاليّ. وعليه يمكن أن نُجمل خطورة تداعيات ملف الولاية الثالثة على المشهد السياسي السنغالي، وخاصة على الانتخابات السنغالية الرئاسية لعام 2024م، وذلك بالإجابة على الأسئلة التالية:
على ماذا تستند حكومة ماكي صال لخوض الانتخابات السنغالية الرئاسية لعام 2024م؟
إن رغبة الحكومة السنغالية الحالية في التمسّك بالسلطة تقتضي منها العمل على استغلال ملف الاغتصاب لزعيم المعارضة عثمان سونكو، إمّا بإعاقة ترشّحه في الانتخابات الرئاسية، أو العمل على تقليص شعبيّته بوضع آليات محددة لتشويه صورته، وقدْ بدأت بوادر ذلك في كتابات بعض الشخصيات السياسية والإعلامية كالأطروحات الجديدة للكاتب الإعلامي شيخ يرم سك في كتابه (ماكي صال أمام التّاريخ).
هذا علمًا أن الحكومة بقيت تعمل على وضع خطط محكّمة لمنع تكرار أحداث الشغب والعنف التي شهدتها السنغال في شهر مارس ٢٠٢١م أثناء استجواب قاضي التحقيق عثمان سونكو للمرة الأولى حول ملف الاغتصاب، وسببت تلك الأحداث فقدان الأرواح والممتلكات، وتأثرت الدولة بتبعات اقتصادية ودبلوماسية. وكإجراءات استباقية، نوعت الحكومة من استرايجياتها ورفعت مستوى جاهزيتها لأي مواجهات قد تحدث مستقبلا. فعلى سبيل المثال الإجراءات العسكرية الجديدة المتمثلة في التجنيد وشراء المعدات العسكرية الحديثة واستيرادها من دول مختلفة وغيرها من التدابير.
عودا إلى بدء، كل تلك المخاوف جعلت السّلطة الحاكمة تتخذ خطوات الخناق على عثمان سونكو باضطهاده ورقابته وحرمانه من السفر؛ وذلك ربما لمنعه من الترشّح في الانتخابات الرئاسية القادمة، أو تمهيدًا للولاية الثالثة للرئيس ماكي صال، أو عملاً على إطاحته من الساحة السياسية لكونه يحمل أطروحات سياسية جديدة تقوم على تكافؤ الفرص في التعاون الدوليّ، ومراجعة جميع السياسات المالية للدولة إن هو تولّى السلطة. فضلا عن إعادة دراسة أبرز العقود المبرمة مع بعض الشركات والمؤسسات الدولية وغيرها .
من ناحية أخرى، يُمكن أن يُطْرَحَ سؤالٌ محوريٌّ في هذا الصدد، ألا وهو: هل هناك إمكانية إدانة عثمان سونكو في ملف الاغتصاب الذي بان للجميع خلّوه عن أي دليل جنائي؟ وهكذا يمكن القول بأنه حتى الآن لم تُظهر التحقيقات شيئًا يمكن إدانته به؛ ولكن ليس ذلك بمستعصٍ على من يُريد الإطاحة به ما دام الملف في مصنع القضاء. هل يمكن تصوُّر قضية قانونية ليس بها دليل إدانة معلنة، تُحوّل إلى الغرفة الجنائية حيث تحكم الموبقات!
من هنا لزم الإدراك عن مدى توفّر الجاهزية في وضع الإعاقات القضائية لمنعه من الترشّح في الانتخابات السنغالية الرئاسية لعام 2024م، أو للقضاء على سيرته السياسية بأي طريقة كانتْ، وليس بالضرورة أن تتم الإعاقة بالإدانة فقط. فهناك طرق أخرى لفعل ذلك، فالقانون الوضعيّ ببعض نظرياته الشاذّة التي وضعها البشر يحمل في نصوصه المحتملة عشرات النظريّات والمكائد والثغرات. ومع ذلك كله، فلو تم الأمر بهذا الشكل فإن الحكومة سوف تدفع الثمن غاليًا؛ حيثُ لا يترك هواة التغيير الأمر إلا بالمقاومة المناهضة.
كيف يمكن تحقيق حُلم التغيير السياسيّ وصدّ حكومة ماكي صال من الذهاب إلى الولاية الثالثة؟
من أجل منع الولاية الثالثة، وتحقيقًا لحُلم التغيير السياسيّ في دولة السنغال، ومع هذه الأوضاع السياسية والقانونية الحرجة التي يمر بها زعيم المعارضة عثمان سونكو، فهو لا يرى إلا المقاومة الشعبيّة كحلّ للحدّ من إعاقة مسيرته السياسية. ففي خطابه الأخير الذي بدى للناظرين فيه أنه يقوم بإعلان شرس ضدّ الحكومة جراء إحالة ملفه القضائي إلى الغرفة الجنائية، حيث دعا إلى المقاومة كحقّ سياسي، ودلّل لتلك المبادرة أسبابًا، من بينها:
- إعلانه بعداوة العدالة السنغالية ضدّه بما فيهم قاضي التحقيق.
- التلاعب السياسي في رقابته قضائيًا، وحرمانه من السفر، وعدم استجواب العديد ممّن تلطّخت أيديهم في المؤامرة بحجج واهية.
- اعتباره رئيس الدولة جانيًا بتهمة الخيانة العظمى.
هذه كلها، يعتبرها أسباباً وجيهة للمقاومة لحماية مصالح الوطن. ومع ذلك، فإن هذه الخطوة تحُفّها الكثير من المخاطر، وقد تكون حفرةً عميقة في السياسية السنغالية؛ لأنها تحتمل فقدان الأرواح، وضياع الاستقرار السياسي، وخسارة الجهات الدبلوماسية الدولية والاقليمية العديد من مصالحها الاستثمارية وغيرها، ومن ثم عرقلة الانتخابات السنغالية الرئاسية لعام 2024م.
هل انحصر الصراع بين الرئيس ماكي صال وعثمان سونكو دون المعارضة الأخرى؟
في قراءة المشهد السياسي السنغالي الحالي، لا يلزم حصر الصراع بين رئيس الجمهورية ماكي صال وعثمان سونكو؛ فهناك أحزاب سياسية معارضة أخرى، بعضها تحالف مع حزب سونكو في ملفات سياسية كبيرة، وأحزاب أخرى -بأقل درجة -تحاول إعمال الاستقلال الذاتيّ مع محاولة في تغيير الطرح بأسلوب مغاير؛ إلّا أن صخب صلاحية الولاية الثالثة غطّى على تلك المحاولات، وتحَوّلَ بذلك صورة المشهد السياسي إلى ثنائية المسار.
ولا يُسْتبعًد تصعيد رجل سياسي جديد من الحزب الرئاسي كبديل لماكي صال أو من يضمن ولاءه التام للحزب والكتلة الحاكمة في حالة رأى الحزب من مصلحته عدم ترشح ماكي سال من أجل إدحاض حجة سونكو بتشبث ماكي سال للولاية الثالثة، ومن هنا قد تحدث إرباكات في جموعة سونكو ومناصريه؛ بل والأحزاب المتحالفة معه. قد يكون احتمال تصعيد شخصية جديدة لحزب ماكي سال ضئيلا لكنه يظل قائما ومسوغاته قوية.
ما دور المجلس الدستوري وماذا يتوقع من الدول الإقليمية والدولية لحل هذه المعضلة السياسية؟
قد حسم المجلس الدستوري السنغاليّ تحديد الولاية الرئاسية في فترتين سنة ٢٠٠١م، كما تأكّد ذلك في استفتاء ٢٠١٦م، وصرح رئيس الدولة ماكي صال في أكثر من مقام على ضرورة الالتزام بالفترتين في الولايات الرئاسية. وعليه، ستكون الحجة القانونية التي يستند عليها مؤيدو الولاية الثالثة في إعطاء الرئيس ماكي صال بطاقة الترشّح لـ “الانتخابات السنغالية الرئاسية لعام 2024م” تلاعبًا دستوريا بأيدي أعضاء المجلس الدستوري إن هم صادقوا على ذلك.
وعلى ضوء هذه المعطيات يُنتظر دور الدول الإقليمية في المنطقة والدول الكبرى على التدخل الإيجابيّ من أجل حوار شامل يخدم مصلحة دولة السنغال والمنطقة.
خلاصة
وللخروج من هذا المأزق، فلا بُدّ من الهدنة السياسية بين الأحزاب السياسية، والعمل على تحقيق جلسات تشاوريّة وفتح قنوات حوار متعددة المستويات لضمان الانتقال السلمي للسلطة وتهيئ المناخ الودي لدخول حلبة الانتخابات السنغالية الرئاسية لعام 2024م وتحقيق المصالح العامة، والعمل على تطوير العمل الإداريّ السياسي في السنغال. وهذا يتطلب الابتعاد عن شخصنة المشاريع السياسية، وتقديم رؤى الإصلاح والتغيير، وتكون لدى القادة السياسيين والعسكريين ثقافة التنازل من أجمل حماية هذه الجمهورية العظيمة من الانهيار السياسيّ، كما ينبغي تفعيل المساحات القانونية اللازمة كالاستفتاء والاستثناءات لحلّ مثل هذه الأزمات.