تاريخ العناية بمقاصد الدعوة الإسلامية
بقلم الدكتور/ انجوغو امباكي صمب
الحلقة (5)
إن دين الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام دين واحد، وهو الإسلام الذي بمعنى الانقياد التام لله تعالى، قال تعالى {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ }[1]، وروى الطبري عن قتادة[2] رحمه الله في تفسير قوله :{ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ } : (( شهادة أنّ لا إله إلا الله، والإقرار بما جاء به من عند الله، وهو دين الله الذي شرع لنفسه، وبعث به رسله، ودلّ عليه أولياءه، لا يقبل غيرَه ولا يجزى إلا به))[3].
وقال تعالى{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ } [4]، أي: (( شرع لكم من الدين ما شرع لقوم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى، ثم بين ذلك بقوله تعالى{ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ }: وهو توحيد الله وطاعته، والإيمان برسله وكتبه وبيوم الجزاء، وبسائر ما يكون الرجل بإقامته مسلما، ولم يرد الشرائع التي هي مصالح الأمم على حسب أحوالها، فإنها مختلفة متفاوتة ))[5].
وقال صلى الله عليه وسلم ((الأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد )) [6]، ((ومعنى الحديث أن أصل دينهم واحد ، وهو التوحيد وإن اختلفت فروع الشرائع )) [7].
وكل هذا يقتضي أن يكون المقصد العام لبعثتهم واحدا، وأن تكون وظائفهم في رسالاتهم في الجملة متفقة وغير مختلفة، قال تعالى{ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ } [8]، أي (( ولقد بعثنا أيها الناس في كلّ أمة سلفت قبلكم رسولا كما بعثنا فيكم بأن اعبدوا الله وحده لا شريك له، وأفردوا له الطاعة، وأخلصوا له العبادة {وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} يقول: وابعدوا من الشيطان، واحذروا أن يغويكم، ويصدْكم عن سبيل الله )) [9].
قال الشيخ أحمد غلوش متحدثا عن حكمة وسر وحدة رسالات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ((لأن اشتراك الرسل في قضية ما، يشير إلى أهمية هذه القضية، ويؤكد تجذرها في الحياة الاجتماعية، ويوضح حقيقة وحدة الدين واشتراك الرسل جميعا في تبليغه، والتحرك به للناس))[10].
ولعل من الحكم والأسرار أيضا وحدانية مرسلهم عز وجل ، فالله تعالى رب العالمين وإلههم ومليكهم، وقد خلقهم ليعبدون ولا يشركوا به شيئا، ولذلك أرسل إليهم رسله عليهم الصلاة والسلام، قال تعالى { وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}[11]، وقال تعالى {الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ }[12]، فالرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام أجمعين من عند الله تعالى، فلو أنهم بعثوا من قبل آلهة وأرباب متعددين في ذواتهم، ومختلفين في مقاصدهم وغاياتهم، لاستحالت أن تتفق مقاصد بعثتهم أو تتحد وظائفهم، قال تعالى{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا }[13]، أي (( أفلا يتدبر المبيتون غير الذي تقول لهم يا محمد كتاب الله, فيعلموا حجة الله عليهم في طاعتك واتباع أمرك, وأن الذي أتيتهم به من التنزيل من عند ربهم , لاتساق معانيه وائتلاف أحكامه وتأييد بعضه بعضا بالتصديق , وشهادة بعضه لبعض بالتحقيق؛ فإن ذلك لو كان من عند غير الله لاختلفت أحكامه وتناقضت معانيه وأبان بعضه عن فساد بعض)) [14].
وكما صح هذا المعنى في القرآن الكريم وما بعث به النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم ، يصح فيما بعث به الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام من أصول الشرائع، حيث تدل وحدة موضوعها والتقاء مقاصدها وشهادة بعضها لبعض على أنهم جميعا من عند الله الواحد الأحد .
يتبع ….
[1] سورة آل عمران ، الآية 19
[2] قتادة بن دعامة السدوسي وكان يكنى أبا الخطاب ، وكان ثقة مأمونا حجة في الحديث ، وكان يقول بشيء من القدر، توفي رحمه الله سنة ثماني عشرة ومائة ، وقيل سبع عشرة ومائة ، رحمه الله تعالى . انظر : الطبقات الكبرى ، تأليف أبو عبد الله محمد بن سعد ، 7/171 ، الناشر دار الكتب العلمية –بيروت 1410هـ
[3] تفسير الطبري ، 6 / 273
[4] سورة الشورى ، الآية 13
[5] الجامع لأحكام القرآن ، تأليف أبو عبد الله محمد بن احمد القرطبي، 16 / 9
[6] صحيح البخاري ، 4 / 167 ، برقم ( 3443 ) ، ومسند أحمد 15 / 153 ، برقم 9268 ، ط مؤسسة الرسالة -1421 هـ
[7] فتح الباري شرح صحيح البخاري ، تأليف أحمد بن علي بن حجر ، 6 / 489 ، ط دار المعرفة –بيروت 1379 هـ
[8] سورة النحل الآية 36
[9] جامع البيان ، 17 / 201
[10] دعوة الرسل ، تأليف أحمد غلوش ، ص 485 ، ط مؤسسة الرسالة – 1423 هـ
[11] سورة المائدة الآية 32
[12] سورة غافر الآية 70
[13] سورة النساء ، الآية 82
[14] جامع البيان 7/251