المفتش علي غي الابن اللوغاوي فارس سقط في الوغى
بقلم المفتش/ فاضل سار
الشباب حماة الدعوات الجديدة وقلعتها، لما يحملون من دماء جديدة، وحماسة متوقدة، وطموحات دافعة، لتحقيق أهداف المشارب التي يعتنقونها، ولقد قدر لجماعة عباد الرحمن أن تحتضن شبابا حالفوها منذ نشأتها، واستقوت بهم في معركتها الوجودية والتنظيرية، في البلاد، وكان المفتش علي غي الابن الأنموذج المتألق لهؤلاء الشباب الذين ضحوا بدنياهم لخدمة الدعوة الإصلاحية عبر تنظيم جماعة عباد الرحمن، فأضاف إليها إضافات نوعية، وحركها تحريكا ودفعها دفعة للتألق والارتقاء.
المفتش علي غي الابن الولادة والدراسة:
ولد المفتش علي بن محمد غي سنة 1964م في لوغا، وتلقى تعلمه الابتدائي في مدرسة منار الهدى للشيخ أحمد المبارك لوح، وبعده شارك في مسابقة الالتحاق بدار المعلمين ( ثانوية محمد الفاضل امباكي )، التي خصصت للتكوين الأكاديمي إلى جانب البيداغوجي الذي يؤهل المتخرج للتعليم في المدارس الابتدائية العمومية. ولقد وفق الأخ علي غي بالتخرج بعد إكمال سنوات الدراسة، في تلك المدرسة التكوينية، فعين في إقليم ( كولدا ) كمعلم، ثم في ( كيل غي) وأخيرا في ( لوغا ) مسقط رأسه، ثم خاض مسابقة خاصة للالتحاق بجامعة شيخ أنت جوب دكار، حيث حصل على ليسانس وماجستير، وفورا في السنة التي ناقش رسالة الماجستير شارك في مسابقة لمهنة التفتيش والتوجيه التربوي، فالتحق بكلية العلوم وتكنولوجيا التربية والتكوين التابعة لجامعة شيخ أنت جوب، وبعد سنتين من التكوين تخرج كمفتش، وعين في مفتشية التربية والتكوين بلوغا، على أن القيمة المضافة التي يتميز بها المفتش علي غي أن هذه الانجازات المتراكمة حققها في مدة قياسية غير اعتيادية. وشاء قدر الله أن لا يمكث في وظيفة التفتيش الجديدة أكثر من أربعة أشهر، بعد هذه الجهود المقدرة للوصول إلى هذه الرتبة العالية. لله في خلقه شؤون.
المفتش علي غي والدعوة الإصلاحية:
كان للمفتش علي غي حماسة منقطع النظير للدعوة الإصلاحية في السنغال، وفي المؤسسة التي تمثلها آنذاك جماعة عباد الرحمن، وقد خطط لنفسه حمل عبء هذه الدعوة الإصلاحية بإعداد نفسه أكاديميا، علميا وروحيا، وشمر عن ساعد الجد للوصول إلى تلك المرامي، فالتحق بجامعة شيخ أنت جوب، وكان يتنقل أسبوعيا بين لوغا ودكار، بظروف صعبة ووضع المعلم الضئيل، ليتأهل أكاديميا كي يكون على مستوى التحدي للعمل الإصلاحي الذي أعداؤه في الساحة كانوا له بالمرصاد، كما دأب أن يصرح لي في لقاءاتنا.
وبالنسبة للتكوين الإسلامي والعلوم الشرعية فكان له مشروع رصد ضخم للمستجدات من المؤلفات الإسلامية والحركية واقتنائها بسرعة فائقة، وقراءتها بشغف، ليكون قياديا حركيا يفقه دينه ويواكب زمنه.
وعلى مستوى الواقع الحركي التنظيمي كان يشارك في جميع المعارك الفكرية والاجتماعية والتنظيمية، وسط الشباب والشيوخ، والرجال والنساء، لدفع الحركة إلى الأمام، ولتنال المصداقية والحرمة اللازمتين من المجتمع، فكنا نراه يجوب البلاد طولا وعرضا، بمحاضرات ودروس تكوينية، في شتى موضوعات الساحة التي تمس حياة الحركة الإصلاحية، في السنغال وفي الخارج، وينصح الشباب، برفع طموحاتهم والاستعداد لرفع التحدي، والشيوخ، بتعزيز الجدية للحفاظ على المكاسب، وكان خير أنموذج لهذه المثل الحركية التي دعا إليها، رحمة الله عليه.
ولم يكن المفتش علي غي راضيا لواقع الحركة الإصلاحية في السنغال وفي الخارج، من التقصير في جوانب من مواقف استراتيجية، فكان له مشروع إصلاح من الداخل، حاول تنفيذه وبذل في سبيله جهودا مقدرة، ولكن المنية لم تمهله على إكماله، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وفاة المفتش علي غي الابن:
لوكان للإنسان أي تحكم في الحياة لاختار أبناء التيار الإصلاحي في السنغال أن يبقى معهم المفتش علي غي لدفع مشروعهم الإصلاحي إلى الأمام، وتعزيز مكتسباته في الساحة المحلية والدولية، لو كان للبقاء في هذه الدنيا ثمن يفتدى به لضحى المفتش علي غي بأغلى ما عنده، كي يمهل حتى ينجز مشروعه الإصلاحي الغالي، ولكن الله الحكيم الذي أعلم بخير العباد اختار أن يعجل اللقاء بعبده المجد الطموح الذي قدم الكثير للعمل الإصلاحي في السنغال، واستشرف له مستقبلا باهرا، واستعد وجعل نفسه من الجنود الذين يضحون أنفسهم لتحقيق ذلكم المستقبل الواعد، ولكن الله العلي القدير الحكيم والمدبر فاجأنا بالمصاب الجلل 11 أكتوبر 2002م، في مسقط رأسه لوغا، ودفن في مدينة طوبى – حرسها الله تعالى -.
فتوفي الشاب ذو المشروع النبيل وهو مقبل على العمر مستعد أكاديميا وعلميا، روحيا وحركيا ليخوض أمواج معركة الإصلاح، إلا أنه شاء القدر، وسقط الفارس، ولا نملك إلا أن نقول: ” إن لله ما أعطى وله ما أخذ، ولا نقول إلا ما يرضي الرب”
اللهم اغفر لعبدك علي بن محمد غي وأسكنه فسيح جناتك وألهم أهله الصبر والسلوان واحشره مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.