القراءة لك أروع تسلية للروح يا إمام الذهبي

بقلم الكاتب/ جبريل عائشة لي (السماوي)

وكثيرا ما أتسّلل تحت سدول اللّيل.. متدثّرا بكتاب أو متوسّدا برواية أو مضطجعا على تقرير سياسي أو منكبّا على منشورة علمية في المواقع التواصل الاجتماعي ..لأمارس فنّ القراءة…هروبا من ضجيج النّفس والفوضى التي تملئ أضلعي …ولعلّ أروع صديق سامرتٌ معه في رحلة البحث عن الذات..عند هذه الآونة الأخيرة..هو العلامة شمس الدين الذهبي. مع كتابه العظيم سير أعلام النبلاء، هذا الكتاب الذي يحجب ضوءه شعاع كل الكتب حول التنمية البشرية. ويكفيك سير أعلام النبلاء عن قراءة سطور مارك مانسون وكتب جيمس كلير وورقات ديل كارينجي …

فأرى أنّ هذا الكتاب الجليل يكفي للمسلم مشروعا للعثور على ذاته الحقيقي، لردع هجمات النفس الأمارة بالسوء داخله…بالاقبال إلى معانقة حياة العظماء والمصالحة مع سير النبلاء والاستماع إلى تعاليم ونصائح أعظم من مشوا تحت هذه المعمورة الإلهية.

إنّ بعض الصفحات في هذا الكتاب العملاق جعلتني أعيش التناقض بين الفينة والأخرى، وأنا أهضم فقراته هضما وأمتصّ من رٌضابه العذب مصّا عابرا..أحيانا أبتسم فرحا على اكتشاف درر العلم وجٌزر المعرفة. وأحيانا أغرق ضائعا تحت دموعي وأنّاتي تفاعلا مع بعض الحكايات والقصص التي يذكرها الامام الذهبي رحمه الله رحمة واسعة .

وإليك بعض ما قرأتها في هذه الرحلة التي أتمتّع بالمعاناة فيها ومكابدة التعب بها ….قراءة وتصفّحًا وسهرًا وتأمّلاّ.

قال الامام الذهبي كان فِي جيش هارونْ الرّشِيد عِشرونَ ألْف مُجاهِد، لا يَكتبون أسْماءهم فِي ديوان الجُند، فلا يَأخُذونَ رواتبهم كَي لا يعرِفهُم أحدٌ إلّا الله . هذه الفقرة تقشعرّ منها أفئدة عشّاق الاخلاص والذين يريدون صناعة سرّ بينهم وبين مالك الأكوان.

وعندما كان الذهبي يترجم للدﺳﺘﻮاﺋﻲ، ذكر بأنّ الامام الدستوائي قال : ﻭاﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﺃﺳﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺃﻗﻮﻝ ﺇﻧﻲ ﺫﻫﺒﺖ ﻳﻮﻣًﺎ ﻗﻂ ﺃﻃﻠﺐ اﻟﺤﺪﻳﺚ، ﺃﺭﻳﺪ ﺑﻪ ﻭﺟﻪ اﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ! ثم علق على كلامه هذا فقال: ولا أنا والله. صديقي القارئ ستلتقط في عناقيد هذا الكتاب الحلوة أروع ما دوّنه التاريخ في الاخلاص والتوخّي من التورّط في الأنا والتمحور حول الذات .

ويقول الهبي : كان عمرو بن يعقوب يتهجد الليل ويبكي مرددًا: إلهي أنا عمرو الذي تعلمه ولستُ الذي يعرفه الناس.
لمثل هذا الحوار المباشر مع الرب سبحانه وتعالى كان السلف يجرون خلف الليل، يتسابقون للوصول إلى الله. وتتجافى جنوبهم عن المضاجع خوفا وطمعا .

وذكر الإمام صيحة الامام الزهري للشباب حيث كتب …قال ابن الماجشون : قال لنا محمد بن شهاب الزهري ونحن فتية : أيها الفتية لا تحقروا أنفسَكم لحداثة أسنانكم فقد كان عمر بن الخطاب إذا نزل به أمر استشار الشباب يبتغي بذلك حدةَ عقولهم.

ومما قرأتٌ في الكتاب … لما مات المحدث أحمد الشيرازي جاء رجل إلى ابنه فقال: رأيت أباك في النوم، وهو في المحراب واقف في جامع شيراز وعليه حُلّة وعلى رأسه تاج مكلَّل بالجواهر، فقلت: مافعل الله بك؟ قال غفر لي وأكرمني وأدخلني الجنة، فقلت بماذا؟ قال: بكثرة صلاتي على النبي.

ما أعظم الصلاة عليك يا رسول الخير وينبوع النور .

الرحلة مع الذهبي فوق سفينة سير أعلام النبلاء رحلة روحية عذبة إلى جزر الأولياء والعظماء من سلف هذه الأمة …
وجميع هؤلاء الأولياء مجرّد كواكب يدورون حول فلك ولاية رسول الله عليه الصلاة والسلام. وهنا يكمن عظمة رسول هذه الأمة . فقد صنع أعظم رجال على مرّ التاريخ، ثم رجع إلى السّماء صلوات ربي وسلامه عليه .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.