عبد الرحمن إبراهيم كان
أقامت دولتا السّنغال وماليزيا علاقات دبلوماسيّة لمدة 33 عاما وتعاونتا في مختلف المجالات مثل التجارة والاستثمار[1]. وتشهد العلاقة الثّنائيّة بين السنغال وماليزيا خلال هذه السنوات تطوّرا ملحوظا، أساسها الاعتراف الثنائيّ واحترام القانون الدوليّ، وازدهار الدّولتين في السياسة العالميّة. وتكفي الإشارة إلى متانة العلاقة بينهما وجود السّفارة الماليزية في دكار، والسّفارة السنغاليّة في كوالالمبور حيث أنّ الأخير تم تأسيسها في دكار منذ سنة 1992م. وأظهرت دولة السنغال جدّيتها في الشّراكة بشراء أرض في منطقة بوتراجايا الرائدة لبناء سفارتها فيها منذ سنة 2009م؛ ولم تأت هذه الخطوات الجريئة عن سدى وإنّما من إرادة قويّة جادّة تسعى إلى إيجاد أرضيّة التعاون بين الدّولتين في المجال السّياسي والاقتصادي والثّقافي. وينضاف إلى ذلك تشابه الدّولتين نسبيّا في جانب استلهامهما التراث الإسلاميّ. وتؤكّد الزيارة الرسميّة الأولى لرئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد مع عدد كبير من رجال الأعمال للسنغال مدى تجذّر العلاقة بين البلدين ومدى عظمة فرص التعاون وجدارتها. فهي زيارة من أجل تحقيق حلم التبادل التجاريّ والاقتصادي بين ماليزيا وأفريقيا على أعتاب المؤتمر الأفريقيّ الثالث للنهضة بحضور رؤساء أفارقة وعدد هائل من رجال الأعمال بتاريخ 16 يناير 2019م.
في المبادرات .. شراكات جادّة
وبما أنّ السّنغال تحتلّ مكانة مرموقة على الصعيد الأفريقيّ، وللاستقرار فيها كلمته، إضافة إلى التطوّر الملحوظ في علاقاتها الخارجيّة، وتمدّد نهضتها الدّاخليّة. ولهذه الأسباب وغيرها، وجدت ماليزيا فرصتها نحو أفريقيا عموما والسنغال خصوصا تبعاً للدّول العظمى كالصّين وأمريكا وغيرها. وتوجد في السنغال شركات ماليزيّة مثل بتروناس وغيرها تقوم بدور بارز في توفير احتياجات الوطن. ففي 2008م، بلغ إجمال التجارة بين البلدين 15 مليون دولار مع الاستمرار في تعزيز التعاون الاقتصاديّ[2]. وقد تمّ التوقيع على العديد من الاتفاقيّات الاستثماريّة وفي مجال توليد الطاقة والبناء، واتفاقيات أخرى للتعاون مع السنغال في توريد النقل الالكترونيّ للقطارات السريعة. زيادة على تولّى الشركة الماليزيّة iris مسؤوليّة التعاون مع السنغال في توريد المواد الخاصّة لصناعة البطاقات والهويّات الوطنيّة وغيرها[3]. وقد بلغ إجمالي حجم التبادل التجاري بين البلدين في عام 2017 ما يقارب 372.6 مليون رينجيت ماليزي ، وسجلت الصادرات الماليزية إلى السنغال 364.5 مليون رينجيت ماليزي ، وبلغت الواردات من السنغال 8.1 مليون رينجيت ماليزي[4].وتشمل الصادرات إلى السنغال زيوت النخيل وغيرها من المنتجات الزراعية والمواد الغذائية، في حين تشمل الواردات من السنغال المنتجات القائمة على القطن والأسمدة والمعادن والمواد الكيميائية والحديد.
وتشهد السفيرة الماليزية في السنغال شاذلين زين العابدين عمق المبادرات بين الدولتين مشيرة إلى أنّ دولة السنغال استفادت كثيرا من تجارب ماليزيا وخاصّة فيما يتعلّق بالتخطيط واستراتيجيّات التنمية الوطنيّة، ومثّلت لذلك المركز الإداريّ الجديد للسنغال في جومنياجو والذي اعتُمد على بنائه فكرا وتخطيطا على رؤية المركز الإداريّ بوتراجايا في ماليزيا[5]، كما أكّدت أنّ لهذا السبب يجب على الشركات الماليزية القيام بالاستثمار في السنغال لتعدّد الفرص فيها.
وفي المقابل، فإنّ دولة السنغال بقيت مبادرة في شراكات عدّة مع دولة ماليزيا وأبرزها في مجال التمويل الإسلامي وإصدار الصكوك، وقد أرسلت حكومة السنغال[6] وزير البحث والتعليم العالي ماري تيو نيان والمتعاونين معه إلى ماليزيا سنة 2017م لبحث سبل التعاون في تعزيز التعليم والاستفادة من تجربة ماليزيا في التمويل الإسلاميّ، وفي أثناء الزيارة أكّد الوزير نوايا الحكومة السنغاليّة في إيجاد جامعة عريقة تكون قادرة على حمل عبء تطوير البحوث والدّراسات في الماليّة الإسلاميّة.
مهاتير محمّد في السنغال .. هل من تفسير؟
مهاتير محمّد، الرجل السياسيّ البارع، والقائد الملهم، مفجّر النهضة في ماليزيا، كان رئيسا لوزراء ماليزيا بداية من سنة 1982م إلى 2003م واستقال من العمل السياسيّ بعد نجاح باهر ونقله دولة ماليزيا من دولة فقيرة إلى دولة صناعيّة كبرى في آسيا. وعاد للحكم في سنة 2018م بعد أن فشى الفساد في البلد، وعزم على دخول الانتخابات من جديد فخرج منها فائزا بقيادة ماليزيا من جديد، وبعمر 92 عاما يصبح أكبر الحكام أعمارا في العالم.
وقد أتى هذا الرجل الخبير في السياسة العالمية زائرا أفريقيا، وحاضرا لمؤتمر النهضة الإفريقية الثالث؛ وكأنها رسالة لتحوّل جديد في السياسات الأفريقيّة، وتريد رؤساء أفريقيا بذلك فتح صفحات جديدة وتوسيع أفقها في العلاقات العالمية مع قادة آسيا والاستفادة من تجاربها. وللسنغال من هذه الزيارة نصيب من أجل مزيد من الاتفاقيّات وكسب ثقة رجال الأعمال من ماليزيا. ولا شكّ في أن ماليزيا تحمل نواياها بهذه الزيارة إلى الاستفادة من الفرص الاستثمارية والتجارية وخاصّة مع تزامن اكتشاف الغاز والبترول في السنغال. وقد حاولت السفيرة الماليزيّة في دكار إعطاء صورة موجزة للماليزيين عن السنغال[7]، وتحفيزهم من أجل الشّراكات الجادّة بين مواطني البلدين؛ وكأنها تفسّر زيارة مهاتير للسنغال عبارة عن اقتناء لفرص الاستثمار ولتوطيد العلاقة واكتشاف الحقيقة عن أفريقيا؛ حيث أن السائد في المجتمعات الآسيويّة الجهل عن أفريقيا. فالسفيرة ترى أنّ السنغال دولة رائعة، وسواحلها جذّابة، ومشروعها الاقتصاديّ في تطوّر، وهي دولة غنيّة بالموارد، والشّعب سعيد، والبساطة في حياتهم واضحة والأعمال فيها قائمة على جذب المستثمرين.
والملاحظ أن العلاقات بين البلدين لا تزال في تطوّر ملحوظ، والمساعي الجادّة من الطرفين ستكون نقطة انطلاق جديد لبناء تكامل ثنائيّ رائع في مجال التجارة والاستثمار.
[1] Malaysian companies urged to seek trade, investment opportunities in Senegal. https://www.nst.com.my/news/nation/2019/01/451225/malaysian-companies-urged-seek-trade-investment-opportunities-senegal
[2] Malaysia–Senegal relations. https://en.wikipedia.org/wiki/Malaysia%E2%80%93Senegal_relations#Further_reading
[3] Good prospects for Senegal’s future. https://www.nst.com.my/opinion/columnists/2018/02/337815/good-prospects-senegals-future
[4] نفس المصدر
[5] Malaysian companies urged to seek trade, investment opportunities in Senegal. https://www.nst.com.my/news/nation/2019/01/451225/malaysian-companies-urged-seek-trade-investment-opportunities-senegal
[6] visite-du-ministre-mary-teuw-niane-en-malaisie-. http://www.mesr.gouv.sn/visite-du-ministre-mary-teuw-niane-en-malaisie-les-2-pays-signent-un-accord-de-cooperation-dans-lenseignement-superieur-et-la-recherche-universitaire/
[7] Dr M arrives in Senegal for Africa conference. https://www.nst.com.my/news/nation/2019/01/451435/dr-m-arrives-senegal-africa-conference