العلاقات التركية السنغالية.. نحو شراكة جديدة
(*) محمد بشير جوب
شهدت العلاقات التركية الإفريقية جملة من التغيرات، ومع وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم سنة 2002م، ازداد الحماس التركي تجاه القارة السمراء، فصارت سياستها أكثر ديناميكية واستباقية من ذي قبل، فعلى الصعيد التجاري والسياسي والثقافي، ضاعفت تركيا جهودها، وأعلنت عام 2005م عام أفريقيا، وأصبحت بعد ذلك لاعبا أساسيا في القارة، تنافس القوى التقليدية الفاعلة فيها كأمريكا والصين وروسيا وفرنسا، لم تكن تركيا تستطيع القيام بهذه الخطوة المهمة؛ إلا بعد تغيير جذري في سياساتها الخارجية، وخاصة تلك التي استهدفت أفريقيا.
فحاولت تركيا في سياستها الجديدة تجاه أفريقيا، استيعاب أكثر الدول الأفريقية، وصرّح وزير الخارجية التركية علي بابا جان عام 2008م، أن أفريقيا ستتبوأ بعد الآن مكانة خاصة في السياسة الخارجية التركية، وأنه سيتم فتح 15 سفارة خلال الأعوام القادمة.
العلاقة التركية مع السنغال
وبما أن السنغال تحتل مكانة مرموقة واستراتيجية في أفريقيا، وبالأخص في غربها، اهتمت بها تركيا مبكرا، حيث فتحت سفارتها في السنغال منذ عام 1963م، إلا أن الأخيرة تأخرت بفتح سفارتها إلى عام 2006م، ثم أخذت العلاقات في التطور في السنوات الأخيرة بشكل لافت.
فعلى مستوى الرؤساء، تبادل رؤساء الدولتين عدة زيارات، ففي 18-20 فبراير 2008م، زار الرئيس السنغالي عبد الله واد تركيابدعوة من رئيسها عبد الله غول، تبعت ذلك زيارة الأخير للسنغال في 13-14 مارس 2008م.
ولعل في عهد الرئيس السنغالي ماكي صال، جاء أهم تطور في العلاقات بين البلدين، من خلال مبادرة قامت بها السنغال؛ ففي نوفمبر 2012م، زار وفد رفيع المستوى برئاسة رئيس الوزراء السنغالي عبدول امباي تركيا، بمرافقة عدد من رجال الأعمال السنغاليين؛ لفتح سبل التعاون التجاري بين البلدين واستغرقت الزيارة يومين.
وجاءت الجولة الإفريقية التي قام بها الرئيس رجب طيب أردوغان، حينما كان رئيسا للوزراء، كخطوة مهمة لتكريس هذه العلاقات، حيث كانت السنغال إحدى أهم الدول المستهدفة في هذه الجولة، فخصص لها في يناير 2013م زيارة رسمية ونوعية، شارك فيها نائب رئيس الوزراء، والوزير الاقتصادي، ونوابا أتراك، و300 مستثمر تركي.
وتم التوقيع على اتفاقيات في مجالات مختلفة، ثم في استجابة لدعوة رسمية من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، زار الرئيس السنغالي تركيا في أبريل 2015م، في مناسبة الاحتفال بنصر “جاليبولي”، وعقب الزيارة انعقد اجتماع في إسطنبول برئاسة الرئيس السنغالي في منتدى إسطنبول للأعمال وفرص الاستثمار في السنغال، حضر الاجتماع بعض المستثمرين الأتراك، لبحث سبل تعزيز العلاقات التجارية بين البلدين، وفي فبراير 2016م، في زيارة للرئيس رجب طيب أردوغان للسنغال، أكد خلالها الرئيسان السنغالي والتركي، رغبة البلدين لتوسيع تعاونهما الاقتصادي والسياسي والثقافي والتجاري، وحرص على تحقيق هذه الرغبة، تم تشكيل مجلس أعلى لتقييم وتطوير العلاقات بين البلدين.
وعلى المستوى الاقتصادي، فالسنغال واحدة من أهم الشركاء الاقتصاديين لتركيا في إفريقيا، وترجع العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين إلى أول اتفاق وقع عليه البلدان سنة 1992م، لتشكيل لجنة اقتصادية مشتركة، إلا أن هذه اللجنة ظلت غير مفعّلة إلى ديسمبر 2006م، حيث عقدت اجتماعها الأول في أنقرة بين وزير الخارجية السنغالي، ووزيرالداخلية التركي، كما انعقد اجتماع لها آخر في أنقرة في 9 -11 أبريل 2014م.
ولعل أهم نتيجة للاجتماع الأول لهذه اللجنة، هو توقيع الطرفين على اتفاقية (التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات) وذلك في 15 يوليو 2010م، ودخلت حيز التنفيذ في يوليو 2012م.
حضور تركي واضح في السنغال
وفي الآونة الأخيرة، مثّلت الشركات التركية حضورا واضحا في السوق السنغالي، فتوجد 10 شركات تجارية تابعة لمواطنين أتراك، وتعمل أغلبها في المنسوجات، وقطع غيار السيارات، والأجهزة، والمواد الكهربائية، والمنتجات الغذائية، وبعضها ما زالت قيد الإنشاء.
كما يزداد حجم التبادل التجاري بين البلدين بشكل ملحوظ، ففي سنة 2010م، لم يتجاوز حجم التبادل التجاري بينهما 85 مليون دولار، وارتفع إلى 140 مليون دولار في 2012م بينما قفز إلى 170 مليون دولار في 2014م
وتأكيدا لحرص البلدين في تعزيز علاقاتهما التجارية اقترح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تأسيس مجلس الأعمال يجمع البلدين، بهدف رفع حجم التبادل التجاري إلى 250 مليون يورو.
كما أن لمبادرة المستثمرين من كلا الجانبين، دورا كبيرا في تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية للبلدين، فتم تأسيس جمعية (kardeşlik) (الصداقة) ينضوي تحتها المستثمرون من البلدين، وكان للتجار الأتراك حضور فعال كضيوف شرف في المعرض الدولي لـ”دكار” الحادي والعشرين بعدد 60 مشاركا، في مختلف المجالات مثل الهيدروليك، والحرف، والميكانيكا، وتجهيز الأغذية، ومستحضرات التجميل والفواكه وغيرها.
وتصدر تركيا إلى السنغال المنتجات الغذائية، ومنتجات الحديد والصلب، والدواء، والمنسوجات والسلع البيضاء، بينما تستورد منها القطن والأسماك، والجلود والبذور الزيتية.
ولتسهيل التجارة بين البلدين، أقامت الخطوط الجوية التركية ست رحلات أسبوعية بين داكار وإسطنبول منذ 2014م.
وقد بدأت الشركات التركية في السنغال تكسب ثقة الحكومة، ففي 2013م، وقّعت شركة تركية اتفاقية مع الحكومة السنغالية لتنفيذ مشروع المطار الدولي الجديد (AIBD)، بتكلفة 110 مليون دولار، وفي جانب آخر نفذت الشركة التركية للتشييد (Summa Turizm Yatirimciligi)، بناء مركز للمؤتمرات الدولية بـ (Diamniadio)، بتكلفة81 مليون يورو، بفضل القروض التي قدمها بنك التصدير والاستيراد التركي (Eximbank Turquie).
وعلى المستوى الدبلوماسي، نجح الطرفان في توقيع العديد من الاتفاقيات، ففي اجتماع اللجنة الاقتصادية المشتركة بين البلدين في أبريل 2014م، الذي جمع بين وزير الداخلية التركي ووزير الخارجية السنغالي في أنقرة، وقع الطرفان على اتفاق التعاون المشترك بين الدولتين، شمل اتفاقيات في شأن التجارة بين اتحاد الغرف التجارية التركي (tobb) وغرفة التجارة والصناعة والزراعة السنغالية (ccıad)، كما تم التوقيع على مذكرة تفاهم حول التعاون الأمني بين البلدين، وعلى صعيد الاتصالات، وقعت وكالة الأنباء السنغالية مع نظيرتها وكالة الأناضول على بروتوكول تعاون بينهما.
كما أنه من ضمن الاتفاقيات التي وقّعت عليها الدولتين، اتفاقيات في مجالات المياه والأرصاد الجوية وإدارة الغابات، والتي وقع عليها الوزير السنغالي للمياه والصرف الصحي والبيئة والتنمية المستدامة والسياحة والنقل الجوي، مع الوزير التركي للمياه والغابات في أبريل 2016م؟
وعلى الصعيد الإنساني، ففي أبريل 2007م، افتتحت تركيا في السنغال المقر الرئيسي للوكالة التركية للتنمية والتعاون الدولي (TIKA) لدول غرب أفريقيا، هذا المكتب يقوم بدعم العديد من المشاريع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المختلفة، التي تستفيد منها دول مجموعة غرب أفريقيا ككل، وبلغ حجم المساعدات التي قدّمت في دول غرب أفريقيا بواسطة هذا المكتب 6 مليون دولار في أكثر من 90 مشروعا مختلفا.
نلاحظ أن العلاقة بين البلدين اتجهت نحو التصاعد منذ انطلاقتها، مشيرة إلى مدى الحرص الزائد بين البلدين على بناء علاقات متينة، وعلى الدولتين الاستفادة من العلاقات التاريخية والثقافية لهما، للتغلب على بعض العقبات، وللوصول إلى شراكة استراتيجية، تلبي تطلعات الدولتين، وتسهم في صياغة مستقبل جديد بينهما.