السباق الرئاسي السنغالي 2019: امتحان الاختيار

د. هارون باه/ باحث في العلوم السياسية

مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية السنغالية في نسختها الحادية عشرة بعد الاستقلال، يأتي الظرف مواتيا لتحليل وسبر غور المشهد السياسي بناء على المعطيات التي أفرزها، ومن ثم تداعياته الوطنية والدولية وصولا إلى ما ستسفر عنه صناديق الاقتراع عشية يوم الأحد 24 فبراير من ملامح جديدة للبلاد مع” ساكن القصر” المنتظر، والبدء بدورة سياسة أخرى في إطار الحركة التاريخية الإفريقية المعاصرة.

وقد تضمن تصريح نائب رئيس وزراء إيطاليا لويجي دي قبل أسابيع: قضية إنهاء الاستعمار في أفريقيا[1]، ما جعل منه مشروعا رئاسيا إفريقيا متكامل الأبعاد لكل من يسعى للسلطة والقيادة، إذ أن الأمر من الوضوح والمنطقية بحيث لا يحتاج إلى برهان ولا تعليق.

وورود هذا الكلام على لسان مسؤول سياسي رفيع المستوى من الاتحاد الأوربي  ليبين بكل أسى وحرقة فشل القيادة السياسية الإفريقية طيلة العقود الماضية في تحقيق مطلب الاستقلال المنشود لشعوبها، ما سبب صرخة  إيطالية مكلفة في وجه باريس.

هذا دوليا؛ أما وطنيا فإن الانتخابات تزامنت مع شهر فبراير ذكرى رحيل المفكر السنغالي الكبير شيخ أنت جوب الذي نذر حياته العلمية والسياسية للتحرر الأفريقي والنضال من أجل الكرامة الإنسانية.

ولعل هذين الحدثين يشكلان مدخلا مناسبا للولوج إلى قضايا الساعة الساخنة وعلى رأسها الاستحقاق الانتخابي  القريب في ظل الدستور الجديد..

المشهد السياسي السنغالي في الانتخابات المرتقبة:

مع كثرة الأحزاب السياسية ووصولها إلى ما يقرب من 300 حزب سياسي، فإن هذه التعددية الحزبية بعيدة عن إبراز الصورة الحقيقية للديمقراطية المطلوبة في السنغال، فقد اختزلت في طقوس شكلية لا تجدي نفعا في الشأن العام ولا تغير من حال المواطنين البؤساء، و لإدراك هذه الحقيقة يكفي استنطاق واقع الحياة اليومية المتشعب والمركب من جهة؛ وعلاقة داكار بباريس من جهة أخرى، فلا الفساد اختفى ولا التبعية زالت.

ففي ظل الفساد والتبعية يتراوح المشهد السياسي، وهو ما يعني تعثر المشروع السياسي تنظيرا وممارسة، ويستدعي ذلك رؤية جديدة ووسائل حديثة وجيلا رياديا قادرا على مجابهة التحديات على مختلف أشكالها، وهو ما يترقبه العقلاء من المرشحين.

وقد تكيفت الأحزاب السياسية بعد انتخاب الرئيس ماكي صال المنتهية ولايته مع النظام الحاكم، وأُزيحت أقوى كتلتين سياسيتين من حلبة الصراع، وابْتُلع الحزب الاشتراكي في معدة تحالف” وحدة الأمل” الكبيرة وغُيب خليفة صال بالسجن، وانقسم الحزب الليبرالي على نفسه ولم يجتمع على قيادة موحدة، واستحوذت الأغلبية الحاكمة على البرلمان فعادت الحياة السياسية إلى ما يشبه أيام الأحادية الحزبية، ومع اقتراب الرئاسيات شهدت الساحة انتعاشا وترحالا سياسيا صوب التحالف الحاكم، فيما بقيت وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والرقمية المنابر السياسية بامتياز تبث هموم الشعب وأناته وترصد تقلباته وتطلعاته.

ومن يلاحظ الديمقراطية السنغالية على ضوء الفترة الرئاسية السابقة للرئيس صال 2012 ـ 2019 يدرك أنها لا تسير بخطى حثيثة بل يبدو أنها  في تراجع، مما جعل مطلب استقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية وفصل السلطات ضرورة لا غنى عنها للاستقرار والسلم الاجتماعي لدى جميع فئات الشعب والطبقة السياسية أيضا، ثم إن الشفافية والنزاهة حول القضايا المالية لا تزال مفقودة على الرغم من وجود أجهزة رقابية ومؤسسات قائمة معنية بالأمر، وكذا التداخل أحيانا بين أجهزة الدولة وقضايا الائتلاف الحاكم، إلى جانب معارضة مخنوقة تتمتع بهامش قليل للمناورة، علما أنه تم مأسسة حق المعارضة في المادة 58 من دستور 2016 .

كل هذا يؤكد على ضرورة بناء دولة الحق والقانون وتقوية المؤسسات السياسية على حساب الأفراد بدل التغني بالأحلام وتسويق الأوهام، وذلك حزام أمان البلاد من أية اضطرابات عاجلة أو آجلة، ولن يتأتى ذلك إلا بحراك شعبي يتفاعل مع اللحظات الحاسمة لاستغلالها على أحسن وجه.

على الرغم من أن البلاد ستدخل بقوة في عالم النفط والغاز في الولاية الرئاسية القادمة 2019 ـ 2024، فإن ذلك سيضع السنغال لا محالة في قلب السياسات الدولية، ويزيد من وطأة القوى الأجنبية عليها و من امتداد أذرعها الطويلة إليها، من هنا حساسية الموقف على القيادة القادمة.

كيف بدا السباق الرئاسي 2019 م:

شكل التعديل الدستوري الأخير 2016 بداية السباق نحو الرئاسة، وتحددت الملامح أكثر بعد تشريعيات 2017 واقترب اليوم المشهود، وكان من بين الإجراءات التي تم اتخاذها فيما بعد ما أطلق عليه قانون الرعاية أو بعبارة أخرى التصفيات الأولية لإخلاء المكان للكبار، ولتنحية الأحزاب الورقية التي لا وجود لها إلا في سجل وزارة الداخلية مبدئيا.

وحدد الدستور المعدل الولاية الرئاسية بخمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، قطعا للأطماع أمام من يريد اتخاذ الرئاسة مملكة، إلا أن تطور الفكر الدستوري في المواثيق القارية والتشريعات الوطنية بعد الحرب الباردة، كما في ” مشروع الميثاق الإفريقي للديمقراطية والانتخاب والحكم 2006 “مثلا لم يُصَاحَب بضمانات تشريعية وتدابير إدارية وممارسات اجتماعية  تجسد العدالة المرجوة، ولذا ظلت  الخروق تتوالى مع أي مشهد انتخابي إفريقي، ونذكر هنا مثلا  تأخر استلام المواطنين لبطاقاتهم الشخصية في الانتخابات البرلمانية 2017 ونقص الوسائل اللوجستيكية أحيانا، وكثرة الأمية وشراء الذمم بصور مختلفة وأشكال متعددة[2].

الإجراءات الانتخابية:

يتم تنظيم الانتخابات بآليات قانونية وإدارية تتعدد مستوياتها التشريعية ومراحلها التنفيذية، كل ذلك حرصا على نزاهتها وشفافيتها ومصداقيتها، تشمل المجلس الدستوري والجمعية الوطنية والقانون الانتخابي واللجنة الوطنية للإعلام السمعي ـ البصري ولجنة الانتخابات الوطنية المستقلة والمكاتب الإدارية، و تسبق المعركة القانونية كل المعارك المتفرعة عنها من حملات شعبية وتمويلات حكومية و منافسات حزبية  للفوز بالسلطة.

على أن المجلس الدستوري الجهة المخولة للمراقبة والسهر على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، كما يحكم على شرعيتها ويعلن عن النتائج، وهو ذو طبيعة قانونية ورقابية واستشارية.

 وسبق أن رفضت المؤسسة الدستورية تقليص مدة الولاية الرئاسية الأولى لماكي صال إلى خمس سنوات كما وعد الناخبين السنغاليين 2012، وأبقتها على سبع سنوات بحجة أن القانون لا يسري بأثر رجعي، وترتب على قرار المجلس أن انتهاء الولاية الرئاسية للقيادة السياسية الحالية لن يكون إلا في 2019، وكذلك موعد الانتخابات الرئاسية القادمة، ويتكون المجلس الدستوري من سبعة أعضاء رئيس ونائب وخمسة قضاة[3].

قانون الرعاية/ التصفية:

يقضي القانون المذكور بحصول المرشح الرئاسي على نسبة 1 % من أصوات الناخبين، وربما كانت هذه المرة الأولى التي يتم فيها تنزيله قاريا، وقد اختلفت وجهات النظر حوله فاعتبرته المعارضة إقصاء لها ونيلا من مصداقيتها باختصار فالقانون مقص بيد السلطة، فيما رأت فيه السلطات الحاكمة ترشيدا للعملية السياسية و غربلة للفضاء الحزبي ودعما للتجربة الديمقراطية الناشئة.

وأخير أجاز المجلس الدستوري رسميا ترشح خمسة أشخاص فقط ممن قدموا ملفات ترشحهم، وهم : ماكي صال و الحاج عيسى صال وإدريس سيك وعثمان سونكو وماديكي انيانغ،  وحيل بين خليفة صال عمدة دكار السابق وكريم واد وبين عتبة القصر بقرار دستوري.

 علما بأن رئيس الوزراء سبق وأن صرح بمناسبة حفل تنصيب مرشح الحزب الحاكم أن الذين سيخوضون غمار الرئاسيات لن يتجاوز عددهم أكثر من خمسة مرشحين[4] ، ولم يسجل في الاقتراع القادم سيدة واحدة مع أخذ السنغال بمبدأ المناصفة منذ سنوات، إلا أنهن شغلن مناصب عالية في أحزابهن كمديرات حملة انتخابات.

و مما استحدثه السلطات الحكومية ـ على خلاف ما كان معمولا به ـ  أن الناخب ليس من الضرورة أن ينتخب يوم الاقتراع في دائرة انتخابه، مما أثار شكوك المعارضة وعدته ثغرة انتخابية وفرصة سانحة للتزوير إما بحذف  أو إضافة  أسماء في القوائم أو تشويش على الناخبين وأخيرا التلاعب بالنتائج.

ومن أهم الضوابط التي تحرص التشريعات الانتخابية على وضعها هي وحدة القوائم الانتخابية وجعلها صالحة للاستخدام في جميع الانتخابات الوطنية والمحلية.

أما الضابط الثاني يتمثل في دوام القوائم الانتخابية بجعلها ثابتة لا تتغير ولا تمس إلا في المواعيد التي يحددها القانون، أو من حيث القيود المفروضة للتسجيل بها أو من حيث إضافة أسماء جديدة في مواعيد دورية محددة بنص قانوني يتم من خلالها تسجيل من لم يسجل بغير وجه حق، وحذف أو شطب من فقد أحد الشروط القانونية للتسجيل[5].

ومن القضايا الجوهرية المطروحة إجرائيا وإداريا لإنضاج التجربة الديمقراطية السنغالية إيجاد وسائل تحقق عدالة شاملة؛ وفي سياقنا هذا بالأخص الحقوق السياسية المكفولة دستوريا بالمعنى الحقيقي لها بما في ذلك الفردية منها والجماعية سيما التصويت والترشح وممارسة حق الانتخاب وتقلد المناصب السياسية بناء على الكفاءة والجدارة وليس على الزبونية والمحسوبية.

 وهنا تأتي مسألة توفير البطاقات الوطنية في الآجال المحددة والتسجيل في القوائم الانتخابية وضمان ممارسة حق الاقتراع وكل المتطلبات الشكلية والموضوعية، و تهيئة المواطن للمشاركة الفاعلة والايجابية في الشأن العمومي مسالة لا تقبل المساومة ولا المجاملة و لا التأجيل، وهي أساس متين لمصداقية الانتخابات ونتائجها وركن قوي للديمقراطية المنشودة.

المرشحون الخمسة:

ماكي صال: تقلد عدة مناصب سياسية من رئيس بلدية إلى وزير داخلية ورئيس الوزراء ثم رئيس برلمان ثم رئيس دولة، ورئيس تحالف ” وحدة الأمل” (BBY)، ويسعى لمأمورية رئاسية ثانية.

إدريس سيك: سياسي ورجل دولة وعضد للرئيس السابق عبد الله واد قبل الخصومة بينهما، ناضل كثيرا من أجل الحزب الديمقراطي السنغالي (PDS) ورئيس حزب معارض ” ريموي” أي الوطن “REMWI” باللهجة الولوفية السائدة، طموحه السياسي رئاسة البلاد بعد أن فاته قطار ” إدي الرئيس الرابع ” الذي رفعه شعارا من قبل .

عثمان سونكو: خريج جامعة جاستون برجي بسين لويس، يجمع في تكوينه بين تخصص القانون والاقتصاد، موظف سابق بوازرة الاقتصاد، ومطرود  من الوظيفة العمومية  2016 م بحجة عدم الالتزام بسرية المهنة، ونائب برلماني ثم رئيس الحزب الوطني السنغالي من أجل العمل والأخلاق والأخوة[6] ـ الوطنيون(PASTEF) أنشئ 2014، وزعيم تحالف سونكو رئيسا 2019، وهو أصغر المترشحين ممن يخطب ود الرئاسة.

الحاج عيسى صال: أكاديمي ومؤسس جامعة الساحل وخبير دولي ورئيس حزب الوحدة والتجمع (PUR) ويُوصف بالجناح السياسي لدائرة المسترشدين والمسترشدات  التيجانية.

ماديكي جانغ: محام ورجل دولة ووزير عدل وخارجية في عهد الرئيس عبد الله واد، انشق عن حزب زعيمه في الآونة الأخيرة بعد أن عجز عن إقناعه بترشحه باسم الحزب مع حرص واد على خلافة نجله كريم،  ثم رئيس تحالف ماديكي 2019.

البرامج السياسية:

ما تزال المطالب الاجتماعية الأساسية التقليدية للشعب حاضرة بقوة في برامج الرئاسيات، وهو اعتراف صريح بفشل المشروع التنموي السنغالي، ونتيجة حتمية لسوء الإدارة وغياب العدالة في توزيع ثروات البلاد، بل إن تلك المطالب تشغل حيزا كبيرا من الوعود الانتخابية وضجيج المهرجانات.

ومما امتازت به البرامج السياسية هذه المرة أنها تطرقت لقضايا حساسة من قبيل التحرر من  الفرنك الفرنسي وقد ظلت هذه المسألة من المسكوت عنه، وتغيير مضمون النشيد الوطني، والحفاظ على الهوية الدينية والثقافية و الأخلاقية  ما يعني إعادة النظر في المرجعية العلمانية على نحو ينسجم والواقع الحضاري الاجتماعي، وهي ذات نفس ثوري إذا قيست بنظيراتها.

وتناولت كذلك الإدارة الترابية والتخفيف من حدة المركزية والاعتماد على العنصر البشري وتخليق الحياة السياسية و إحياء قيمة العمل ومواكبة التطور التكنولوجي وتقوية القطاع الخاص الوطني.

ومما يجمع بين المرشحين الخبرة السياسية وتسيير شؤون الدولة مع اختلاف النسبة  بينهم و التزامهم بالمبدأ الدستوري للجمهورية، والانطلاق منه لتدبير الشأن العام.

على أن من النقائص التي شابت تلك البرامج أنها نسيت أو تناسب الانتماء الديني للشعب السنغالي على المستوى العالمي وقضايا ” الأمة الإسلامية ” ولم تعرج على الدبلوماسية الإسلامية، بحيث إن المرشحين لم يتناولوا بعد في برامجهم وحملاتهم الانتخابية شؤون الأمة الإسلامية على صعوبة المرحلة التي تمر بها في الوقت الراهن.

و لا يمكن بحال تجاهل دور السنغال البارز في الدبلوماسية الإسلامية الدولية، فقد شهدت قمتين إسلاميتين 1991م و 2008م إضافة إلى كون السنغال في شخص رئيسها المعني الأول عن اللجنة الدائمة للإعلام والشؤون الثقافية (COMIAC) التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي، ومقرها بداكار.

الآفاق المستقبلية:

لما ينجل بعد غبار المعركة السياسية المضطربة والمتقلبة، وثمت عوامل قادرة على ترجيح كفة على أخرى من قبيل الآلة الإعلامية التي تؤثر بفعالية على الرأي العام الوطني وكذلك سلوكيات المرشحين قبل الاقتراع (تصريح، موقف، مبادرة مثلا)، والتحالفات بين الطبقة السياسية، فالمرشح الذي استطاع ضمان عقد تحالفات أكثر مع الجهات السياسية والمدنية والاجتماعية ستكون حظوظه أوفر[7]، فيما يتراجع تأثير مشايخ الصوفية المباشر على الناخب السنغالي شيئا فشيئا، إذ لم يعد من المستساغ من المشيخة الصوفية التصريح العلني انحيازها لأي طيف سياسي لرمزية ” الخليفة ” الشيخ ولتعدد مشارب الأتباع السياسية، بل المرتقب من الشيخ الدعاء والمباركة، وقد ناشد مختلف الفاعلين السياسيين الشيوخ دعوة الأتباع والمواطنين إلى التهدئة واجتناب العنف عقب المواجهات الدامية بين بعض أنصار المرشحين ماكي صال والحاج عيسى صال، ما اضطر معه تعليق حزب الحمامتين أنشطته لأيام.

 ويبدو من الخريطة الانتخابية أن أكثر المرشحين حظوظا بالفوز في الرئاسيات القادمة هم الثلاثة: الرئيس الحالي المنتهية ولايته ماكي صال والشاب الصاعد عثمان سونكو وإدريس سيك الليبرالي المنشق عن الرئيس واد، ومن المقولات الانتخابية الشائعة بين المواطنين أن السنغاليين يجيدون العقاب السياسي لكن لا يحسنون الاختيار.

و يصل عدد الناخبين المسجلين حسب ما صدر عن الجهات المختصة إلى 6683043 مليون من مجموع سكان يقدرون بـ 14 مليون، ويعني أن أكثر من نصف السكان لا يشاركون في تقرير مصير بلادهم ولا في صناعة القرار السياسي، وهو ما يستدعي النظر في كيفية ممارسة هذا الحق الدستوري ومصداقيته في إرساء الشرعية السياسية.

ويتوزع غالبية الناخبين بالعاصمة داكار و تياس وجوربل وسين لويس وتشكل تلك المناطق نصف الناخبين، وتحظى داكار لوحدها بالربع أي ما يزيد على مليون ونصف من الأصوات، فيما تربو مكاتب الاقتراع على 15 ألف مكتب بمختلف البلاد، ويشتكي بعض المرشحين من وجود مليون بطاقة ناخب بوزارة الداخلية وهو ما صرح به رئيس الحزب الليبرالي السنغالي القادم من فرنسا[8] بغية إسقاط الرئيس الحالي عبر خطة عمل تمر بثلاث مراحل: قبل وأثناء وبعد الانتخابات.

وأكد الرئيس واد أن نتائج الانتخابات أعدت سلفا، ودعا الجماهير الشعبية إلى مقاطعة الانتخابات والحيلولة دونها، وفُسرت هذه الخطوة بأن أحلام توريث ابنه كريم واد المقصي من السباق الرئاسي لا زالت تداعبه، و ذلك مشروع سياسي  لم تنل منه الأيام .

قد لا تنشغل فرنسا هذه المرة بالانتخابات السنغالية بشكل سافر كما كانت تفعل تهربا من توريط نفسها أكثر في المواجهة الدبلوماسية الحالية بينها وبين إيطاليا حول استعمارها المقيت لإفريقيا وتحكمها في مصير شعوبها وحيلولتها دون تنميتها مما سبب هجرة شبابها إلى أوروبا، وتعاني روما من تبعات سياسات باريس على دكار وغيرها من العواصم الإفريقية.

 و في هذا الحالة يكون تأثير موازين القوى الداخلية أكثر على النتائج، لكن ذلك لا يعني مطلقا الانسحاب الفرنسي الكلي من الشأن السياسي السنغالي بسبب مصالحها المتعددة والمتنوعة، وقد كان الرئيس صال حليفا لها طيلة ولايته المنتهية، وهو الاختيار الأفضل لها من بين المذكورين، ولديه خطة تنموية حازت على دعم غربي دخلت في المرحلة الثانية ووراءه شعبية عريضة.

يبقى أن مساندة الرئيس عبد الله واد لواحد من الاثنين: إدريس سيك أو عثمان سونكو سيؤثر حتما في نصيب ساكن القصر الجديد، علما أن الرئيس واد أقر أنه تم تزوير النتائج سلفا، لكن العقبة الأخيرة هي تقرير النتائج هل سيكون بفعل صناديق الاقتراع أم المؤسسات السياسية؟

ويعتبر انضمام السجين السياسي الاشتراكي إلى تحالف إدريس سيك، والتفات سياسيين آخرين حوله مما يزيد من رصيده الشعبي بعد أن تجاوز أزمة ما أطلق عليه وطنيا ” مكة ـ بكة” بسبب تصريحات تمس بالمعتقدات الدينية، وربما باستثناء خليفة صال ليس للباقين قواعد شعبية سياسية ذات وزن معتبر تشكل قلقا لخصمه السياسي الكبير الذي يصفه بأنه كان من بين قادة مؤامرة اغتياله سياسيا لما كان رئيسا للوزراء في عهد واد.

وتشكل هذه المساندة في هذا الظرف حدثا سياسيا بالغ الأهمية لأسباب نذكر منها:

ـ تعاطف الشعب مع السجين السياسي إلى جانب وجود مسؤولين متهمين بقضايا فساد لم تتم ملاحقتهم  ولا محاكمتهم ولا سجنهم، ما قد يدفع الناخبين إلى إصدار قرار العقاب في حق من سجنه.

ـ امتلاك قاعدة شعبية ذات خبرة في الانتخابات.

ـ  رغبة الشعب في اختفاء وجوه قدماء الاشتراكيين في الحكم، وفسح المجال لجيل شبابي.

ويتميز سيك بدهائه السياسي وخبرته بشؤون الدولة وبعلاقته المشبوهة أحيانا مع جهات غربية.

أما سونكو على حداثة سنه ودخوله المتأخر إلى الحلبة السياسية، فرأس ماله الانتخابي الذي يراهن عليه: نظافة اليد والنزاهة أي الاعتماد على المبدأ الأخلاقي والخطاب السياسي وفشل الحكومات السابقة، وظهوره على المسرح السياسي لا ينفصل دوليا عن بروز الأحزاب اليمينية المتطرفة بالدول الغربية ومضايقتها للوافدين بديار المهجر.

فيما فرض نفسه بقوة في السباق الرئاسي 2019، ويتمتع بهيبة وكاريزما وجرأة وقدرة على التواصل مع الجماهير، ولم يستطع الرئيس السابق إلا إبداء هذا الإعجاب، واصفا إياه بالشجاعة والشهامة وأنه يذكره بأيام شبابه السياسي، وهو محسوب على شباب الصحوة.

بيد أن طموح المرشح سونكو الكبير في التغيير يستدعي وجود حلفاء أقوياء سواء تعلق الأمر بجبهة الداخل أو بمحور الخارج، فإذا كان سيعتمد داخليا على نفس العقلية التي يقاومها اليوم فليس بمأمول أن تتبدل الأوضاع نحو الأفضل.

أما دبلوماسيا فقد يُمَّكن للأتراك المتوغلين شيئا فشيئا في الاقتصاد السنغالي، وينفتح أكثر على القوى الآسيوية بما فيها ماليزيا والاستفادة من تجربتها النهضوية وكذلك جنوب إفريقيا،  مع كل هذا لا يمكن تجاهل فرنسا بحكم الإرث الاستعماري و تمكن النخبة الفرنكفونية من مفاصل الدولة  ثم  حجم الاتفاقيات والمعاهدات سواء أكانت ثنائية أو جماعية.

ثم عليه أن يدرك وزن السنغال جيوبولتيكيا واستراتيجيا إقليميا ودوليا؛ بعبارة أخرى ماذا تمتلك داكار من أوراق الضغط للتأثير على الأطراف التي ستجابهها، وبماذا ستستميلها؟.

ـ ارتفاع نسبة الأمية في الشعب السنغالي، تجعل من السهل زعزعة الثقة في برنامجه السياسي وتسميم الأجواء بل وتأليب المجتمع ضده.

ـ قصر المدة الزمنية للفترة الرئاسية لتغيير القناعات وتعزيز الممارسات، والزمن جزء من العلاج.

وتلك عقبات أمام الشاب الطامح إلى الرئاسة عليه أن يتعامل معها بذكاء سياسي خارق في حال حيازته على ثقة الشعب؛ ومن المتوقع أن تساند المعارضة المتصدر منهم في مواجهة ماكي صال عند الجولة الثانية من الانتخابات، خصوصا عثمان سونكو والحاج عيسى صال بناء على المرجعية الأخلاقية الجامعة بينهما، والتوافق في بعض وجهات النظر والتشابه أحيانا في البرامج السياسية، أو بدافع إسقاط النظام القائم.

مهما يكن فإن سونكو بإمكانه أن يكون واجهة للإصلاح الديمقراطي وصل إلى القصر في هذه المرة أو لم يصل، وأن يقدم لبلاده نموذجا في الحكم الرشيد في إطار ما هو متاح، وإعادة تخليق الحياة السياسية، وعليه أن يكون مستعدا لدفع ضريبة الإصلاح والتغيير.

 غير أن إصلاح السنغال أكبر من أي رئيس مهما بلغ من التخلق ووضوح الرؤية، ومن أية طريقة مهما كانت شعبيتها أو جماعة مهما كان تجديدها أو حركة مدنية مهما كان مساندوها بل ذلك مشروع وطني يشارك فيه الجميع قمة وقاعدة كل من تخصصه وموقعه.

الخاتمة:

للسنغال تاريخ رئاسي مقدر، يحفظ في ذاكرته انتقالا سلميا للسلطة وتناوبا على الحكومة من قيادة لأخرى، بل اعتراف الخاسر في الاقتراع بفوز غريمه وتسليم السلطة له، والبدء بدورة جديدة في الحكم، لكن الطبقة السياسية انتهزت هذا المشهد وسوقت له على أنه الديمقراطية المثلى  في ظل تجاهلها لمطالب الشعب الحقيقية التي كانت وراء التربع على كرسي الرئاسة، وتناست أن الانتخابات لم تكن إلا وسيلة لما أعظم وأجل ألا وهو خدمة البلاد ولم تكن غاية في حد ذاتها.

وعليه فإن بناء دولة الحق والعدالة و تعزيز المؤسسات الحكومية ومحاربة الفساد بشتى أنواعه ومستوياته، وتفعيل دور البرلمان الرقابي للحكومة وللسياسية العامة وتنشيط عمل لجان التقصي والتحقيق وضمان فاعليتها كما هو منصوص عليه قانونيا، وتفعيل الأجهزة الرقابية الخاصة على مستوى ممتلكات وأموال الشعب وترشيد الانفاق العمومي هو الرهان والتحدي، والشعب مدعو مرة أخرى للتصويت لمن يخدم  مصالحه ويسهر على منافعه العاجلة والآجلة.

 [1]ـ صدام فرنسي إيطالي بسبب “استعمار أفريقيا”  http://www.bbc.com/arabic/world-46954999    

 [2]ـ للاستزادة ينظر، 

هارون باه، الانتخابات التشريعية السنغالية 2017: قراءة في التحولات والمكاسب.

 http://cmerc.ma/index.php/2016-09-07-11-46-36/2016-07-18-08-26-26/464.html

[3]ـ المسيرة، العدد 118، أبريل ـ مايو 2016، السنة الثامنة والأربعون، ص: 9.

[4]– Les prophéties de Mahammed Boun Abdallah Dionne

 https://www.dakaractu.com/Politique-Les-propheties-de-Mahammed-Boun-Abdallah-Dionne_a160706.html 

 [5]ـ فلاق عمر، المجلس الدستوري قاضي انتخاب، مذكرة لنيل شهادة ماجستير في إطار مدرسة دكتوراه، فرع: الدولة والمؤسسات العمومية،

كلية الحقوقـ سعيد حمدين، جامعة الجزائر 01 بن يوسف بن خدة، السنة الجامعية 2015 ـ 2016، ص: 10.

[6]ـ سيد أحمد ولد الأمير، الرئاسيات السنغالية بين استمرار الرئيس الحالي وفتح آفاق جديدة 

http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2019/02/190211063907674.html

 [7]ـ سيد أحمد ولد الأمير، الرئاسيات السنغالية بين استمرار الرئيس الحالي وفتح آفاق جديدة.

http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2019/02/190211063907674.html

 [8]ـ المستضاف في البرنامج السياسي لتغطية الحملات الانتخابية ZIK FM  وقد نفى مصطفى جخت المسؤول بالحزب الحاكم بإذاعة ، بتاريخ 11/ 02/ 2019 وصول العدد إلى مليون، وأخبر أن عدد البطاقات الموجودة بمراكز الشرطة 400000 فقط.     directe campagne

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.