الحكومة السنغالية الجديدة: بين التحديات والوعود

           بقلم الأخ/ مالِّي نجاي

تمثّل دولة السنغال واحة ديموقراطية فِي منطقة غرب إفريقيا المضطربة؛ إذ استطاعت بعون الله وتوفيقه – أن تتجنب، منذ استقلالها من فرنسا عام 1960م، الوقوع فِي مستنقع الانقلابات العسكرية، فضلا عن تمكنها من المحافظة على الانتقال السلمي للسلطة، عن طريق صناديق الاقتراع وليس عبر فوهات المدافع، ثلاث مرات متتالية (2000م، و2012م، و2024م). وحدث فِي المرة الثالثة بشكل لم يكن فِي الحسبان، ولم يدر فِي خلد أي محلل سياسي أو خبير فِي شؤون الانتخابات، حيث انتخب الشعب السنغالي عشية 24 مارس 2024م الرئيس الخامس للسنغال منذ الاستقلال فِي الجولة الأولى بنسبة 54,28%، بعد فترة من قلاقل من حيث تصفية المعارضين والاعتقال التعسفي والقتل وقمع المتظاهرين وزج الكثير منهم فِي غياهب السجونمع اضطرابات سياسية شهدها الوطن منذ 2021م وخاصة بعدأن أعلن الرئيس السابق ماكي سال تأجيل الانتخابات قبيل ساعات من بدء الحملة الانتخابية لأول مرة فِي تاريخ السنغال.

جاء انتخاب الرئيس الجديد بشير جوماي جخار فاي فِي وقت تعاني فيه الدولة من مظاهر التراجع الديموقراطي وأزمات اقتصادية واجتماعية وغيرها من قضايا تنتظر الحل من الرئيس المنتخب وحكومته الجديدة بقيادة السيد عثمان سونكو، والتي تضم فِي تكوينها 25 وزيرا و5 أمناء للدولة، فضلا عن آمال كبيرة يعلقها الشباب على حكومته الجديدة بعد أن وعدهم خلال الحملة الانتخابية لاقتراع الرئاسة بمستقبل أفضل للسنغال فِي كافة المجالات. ومن هنا نتساءل ما هي التحديات التي تواجه حكومة الرئيس بشير جوماي جخار فاي؟ وما ذا ينتظره الشعب السنغالي من حكومته من آمال ووعود قطعها لهم منذ أن أعلن هو ومرشده السياسي عثمان سونكو غير مرة ما أسمياه بالمشروع الذي ينقذ السنغال من براثن الركود الاقتصادي والفقر والحرمان المادي وغيرها؟ وما الإجراءات التي ينبغي أن تتخذها الحكومة لحلحة المشكلات التي يعاني منها الشعب السنغالي؟ هذه تساؤلات سنحاول الإجابة عنها فِي السطور التالية؟

يعد ارتفاع معدلات الفقر بنسبة تقارب 60% بين سكان الريف الذين يمثلون 40% من مجموع المواطنين ِفي السنغال، على رأس قائمة التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة، فضلا عن انتشار البطالة التي وصلت إلى 19,5% فِي الفصل الثالث من عام 2023م وفقا للتقرير الذي نشرته الوكالة الوطنية للإحصاء والديموغرافيا (ANSD). وينضاف إلى القائمة ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية من أرز وزيت ودقيق وغيرها بشكل أثقل كواهل أرباب العائلات وأنهك قواهم وأقض مضاجعهم حتى صار البحث عن لقمة العيش الهم المقلق للأسر بشكل يومي نتيجة تداعيات جائحة كورونا (كوفيد 19) والحرب الروسية الأكرانية، نظرا لأن السنغال تستورد حوالي 70 % من حاجياتها الغذائية من الخارج. وبالتالي فمن التحديات أزمة الهجرة الجماعية غير الشرعية – خاصة فِي أوساط الشباب الذين أصيبوا بالإحباط وخيبة الأمل بسبب الظروف الصعبة السائدة التي يعيشونها يوميا، وانعدام فرص العيش الكريم فِي وطنهم الحبيب وعدم القدرة على الوصول إلى الخدمات الأساسية ما دفعهم إلى ركوب البحر نحو السواحل الأوروبية بحثا عن العمل وعن مستقبل أفضل مما تسبب فِي وفاة المئات من المهاجرين وفقد عدد كبير منهم. وخلال عام 2023م استقبلت جزر الكناري وحدها نحو 30ألف مهاجر غير شرعي أغلبهم من دولة السنغال.

ومن جانب آخر فإن مما يشكل تحديا صعبا يواجه الحكومة التقارير التي صدرت عن هيئات رقابية وطنية وهي تحمل مؤشرات مقلقة حول تفشي الفساد والتلاعب بالمال العام ما يستحق تحريك المتابعة القضائية فِي حق المتورطين من كبار مسؤولي النظام السابق. ففي ديسمبر 2022م، أقر محكمةالمحاسبات (Cour des comtps) في السنغال وجود تجاوزات كبيرة في المبالغ المخصصة لمحاربة كوفيد 19 أدت لاختفاء 7مليارات فرنك أفريقي، فضلا عن أن السنغال لم تحصل إلا على 43 نقطة من أصل 100 وفقا لمؤشر الفساد الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية عام 2023م.

ومن التحديات الكبرى التي تمثل شبحا مخيفا أمام الحكومةتراكم الديون الخارجية على الدولة. وتشير إحصائيات البنك الدولي إلى ارتفاع كبير في معدل الاقتراض والديون الدولية، مما يتطلب التعامل معه بجدية لتقليصه وفقا للوعود التي قطعها الرئيس للشعب أثناء حملته الانتخابية.

هذا وقد تعهد الرئيس بشير جوماي فاي سابقا أنه فِي حال انتخابه رئيسا للدولة سيكون هدفه الوحيد والأوحد تلبية احتياجات الشعب السنغالي بشكل عاجل وخاصة الاحتياجات التي تخنق غالبيتهم، وهي الاحتياجات الغذائية والصحية ومحاربة البطالة بخلق فرص عمل للشباب تغنيهم عن الهجرة والمخاطرة بحياتهم عبر ركوب البحر والتسلل إلى أوروبا والحوكمة الرشيدة على مستوى كل وظائف الدولة على تخطيط وبرمجة وتنفيذ ومراقبة وتقييم للبرامج والعمليات التي تنجزها الأجهزة العمومية، وإرساء دعائم العدالة الاجتماعية والمساواة والإنصاف والشفافية ومحاربة التفاوت في توزيع ثروات البلاد مما يؤدي إلى وجود فجوة كبيرة بين الأغنياء والفقراء، وكذلك القضايا التي تتعلق بالإسكان والتعليم من بين أمور أخرى. وكان أيضا على رأس التزاماتالرئيس في اول خطاب له في اليوم التالي من انتخابه رئيسا للسنغال «التغيير المنهجي عن طريق إصلاح المؤسسات والحوار والمصالحة الوطنية» بعد أن عاشت السنغال في الأعوام الأخيرة على وقع أزمات أسهمت في توسيع فجوة كبيرة بين الأطرافالمؤثرين فِي المشهد السياسي والاجتماعي ما أوشكت أن تؤدي إلى تنامي العداوة بين السنغاليين وهم معروفون منذ قديم الزمان بالكرم والتعايش السلمي بين مختلف القبائل والأجناس.

وليس من شك في أن من بين أهم الالتزامات التي ينتظر الشعب السنغالي من الرئيس الجديد تحقيقها ما أسماه بالسيادة الغذائية والاكتفاء الذاتي، وهذا يتطلب دعم القطاع الزراعي بما يحتاج من محاريث وجرارات وآليات حديثة وأسمدة وبذور جيدة ومناسبة للتربة السنغالية واستصلاح الأراضي الزراعية وجذب أنابيب المياه إليها حتى يتسنى للمزارعين الانتقال من الزراعة التقليدية إلى الحديثة وبشكل مستمر، وكذلك استعادة السيادة الاقتصادية عن طريق مراجعة عقود النفط والغاز والتي يراها مجحفة بحق الشعب السنغالي، وبتنويع جهات الشراكة وبنائها على تنصيف الربح… وزيادة الموارد المالية والتوجه نحو الخروج من العملة الإفريقية الفرنسية كما تعهد به سابقا على الرغم مما تكتنف هذه الرغبة من معضلات ليس باليسير تجاوزها بين عشية وضحاها.

ومن خلال ما سبق ندرك أن على الحكومة أن تضع خططا إغاثية عاجلة وآليات تنفيذ صارمة لتحقيق طموحات الشعب وتطلعاتها فِي القطاعين العام والخاص، وأن تسعى جادة فِي تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين والقضاء على الفساد والرشاوى فِي الجهاز الإداري وإحالة المتورطين ِفي قضايا الفساد والتلاعب بالمال العام من فلول النظام السابق إلى القضاء ليكونوا عبرة وزجرا لمن يتقلدون مناصب فِي الحكومة الجديدة أوفي الإدارات والأقسام والمصالح التابعة للوزرات وغيرها.

هل ستنجح الحكومة ِفي أداء مهامها وتنفيذ ما جاء فِي وعودها الانتخابية على الرغم من التحديات والصعوبات الكثيرة والعقبات الكأداء التي تحيط بها من كل جانب؟ لا يمكن الإجابة عن هذاالتساؤل الآن؟ ويجب التريث والتأني وإعطاء الحكومة الجديدة الفرصة والوقت اللازمين للعمل بشكل جاد، بل وتقديم كل العون والدعم لها من جميع النواحي حتى تتمكن من تحقيق الوعود والوفاء بالالتزامات والتعهدات، ذلك الظن بها.

وأسأل الله تعالى أن يجعل العهد الجديد فاتحة خير لسنغال مزدهرة تنعم بالأمن والاستقرار ويطيب العيش فيها للجميع على حد سواء..

                           

 في ماتم، بتاريخ 7 شوال 1445ه‍، الموافق 16أبريل 2024م

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.