الحركة الاسلامية فى السنغال و الفن إهمال أم إبداع؟
(*) عبد القادر انجاي
اهتم الإسلام بالفن تجاوبا مع الفطرة الإنسانية فى عشق الجمال و الذوق الرفيع و حرص على ضبطه بتشريعات كثيرة سواء ما تتعلق منها بالمرئي او المسموع أو المقروء، وقد أعار علماء الإسلام الفن اهتماما كبيرا؛ فكتبوا قديما و حديثا كتبا كثيرة تتناول الموضوع ببيان المسموح منها و المنهي و غير ذلك مما يرتبط به، و نظرا لمكانة الفن الهامة و الأساسية فى حياة الناس و قوة تأثيره على توجيه التصورات و السلوكيات فقد وظفته الحركة الإسلامية فى أكثر من بلد لنشر رسالة الدعوة و القيم الإسلامية و الترويج للأفكار الإيجابية فى قالب ترفيهي جميل و جذاب، ونجحت إلى حد كبير فى عرض نموذج فني بديل عن الفن التقليدي الساقط الذى يهدم القيم و الأخلاق.. إلا أنه فى واقعنا السنغالي، يبدو العمل الفني غائبا أو بدائيا على أحسن أحواله فى أساليبه و أدواته فى نظر الكثيرين و لذلك وضع موقع وسطيون القضية على طاولة النقاش و قام رئيس وحدة البحوث والدراسات للموقع، الباحث عبد القادر انجاي بطرح جملة من الأسئلة على بعض الباحثين و العاملين فى الحقل الاسلامي لمعرفة الحدود الشرعية المرسومة للفن الإسلامي التى لا يجوز تجاوزها؟ و ما هي أسباب تخلف الفن الإسلامي في واقع الحركة الإسلامية السنغالية ؟ و ما هي الخطوات المطلوبة لانعاشه ؟ و ماهو الدور الذى يمكن أن يلعبه فى نشر الدعوة و مواجهة مشروع التغريب من خلال الفن الهابط ؟
الكاتب و الباحث فى العلوم الشرعية الشيخ محمد مصطفى جالو أكد أن الحدود الشرعية للفن الاسلامي هي عدم استحلال المحرمات فى الإسلام بسببه أو أن يقصد منه غايات محرمة شرعا كالتعالى على الآخرين و احتقارهم فقال:
الحدود الشرعية المرسومة التي لا يجوز تجاوزها للفن الإسلامي هي:
أن لا يكون الفن مشتملا على أمر منهي عنه لذاته كالكذب و نحوه ولا مقصودا منه أمرا منهيا عنه ؛ كأن يقصد بفنه التفاخر والتعالي على من دونه في الإبداع واحتقاره.
ولا وسيلة تؤدي إلى منهي عنه، كأن يلهيه عن العبادة.
و حول سؤالنا له عن الضمانات من عدم الوقوع فى المحظورات الشرعية فى طرق الإصلاحيين باب الفن أصر على أهمية دور العلماء فى حماية الفن الإسلامي من الانزلاق فى المحظور مستبعدا وجود ضمانات تحول دون ذلك و قال:
لا يمكن ضمان ذلك لأن الفن كغيره من الأشياء التي يمارسها البشر، فقد يتجاوزون في غير الفن حدوده المرسومة فكذلك في الفن، لكن يمكن القول بأن الفن إذا كان تحت إشراف العلماء المعروفين بالمنهج الوسطي فإننا نضمن بتقليل تلك التجاوزت التي سألتم عنها.
و لمعرفة الأسباب التى تقف وراء غياب الفن فى العمل الحركي فى السنغال فقد تحدث موقع وسطيون مع الباحث المتخصص فى القانون الدولي و المهتم بالشأن الحركي الدكتور محمد بشير جوب حول الموضوع و رأى أن الأسباب تعود إلى عدم إدراك أهمية الفن فى حياة الناس و أثره الكبير فى بناء الأفكار و القناعات إضافة إلى فقدان فكرة العمل التكاملي بشكل كبير فى الموضوع فقال:
طريقة طرح السؤال فقط فيه تقريرٌ على أن الفنَّ الإسلامي المنشود غائبٌ بالفعل في العمل الحركي الإسلامي، وأعتقد أن الكثير يوافقون على هذا الرأي، أمَّا عن السبب فأعتقد أنه يكمن في عدم إدراك أهمِّية الفنّ ومفعوله السحري في حياة الناس، فلو أُدركناَ أن الفنّ هو مرآة المجتمع التي تعكس ثقافته وميوله الدينية، وأنّ الإنسان الذي يعد محورُ هذا المجتمع ومحرِّكه الأساسي، لايمكن بأيِّ حالٍ من الأحوال حرمانُه من التعبير عن هذا الشعور، وأنّ كبْت هذه العاطفة سيؤدِّي إلى التعبير عنها بطريقةٍ خاطئةٍ، وأنّ مسؤولية الداعي أو المصلح هو ترشيد هذا الفنّ وتوجيهه وليست محاولة استئصاله، فلواسْتَصحبت الحركة الإسلامية كلَّ هذا المذكور، لاستشعرتْ المسؤولية، ولقامت باحتضان الفنّ وجعله من أهم أولوياته. و أضاف قائلا:
وفي نظري أيضاً يوجد سببٌ آخر ناتج عن عدم إدراك سرّ العمل التكاملي، فالفنُّ له أهله وله هوَّاته، فلا يُتصوَّر من الداعي أو المصلح أن يقوم بدور الفنّان، وهو غير مؤهَّل لذلك، ولكن المطلوب منه أن يدرك أن العمل الحركي أدوارٌ تكامليةٌ، ويقوم بالاقتراب إلى أهل الفنّ، وتُلقِّنهم الأهداف والادوار التي يريد منهم ترجمتها في عمل فنّي يحقِّق تلك الأهداف، ولكن المؤسف هو أننا نجد أن المُمتَهن بمهنة الفن، قد يعافه الداعي ويهمِّشه، ويقلِّل من دوره، ولايدرك أنه بحاجةٍ إلى مواهبه في إيصال رسالته الدعوية أو الإصلاحية.
و قد أكد الدكتور بشير اثر الجانب الفكري فى غياب الفن الإسلامي نتيجة الجمود الفقهي تجاه الكثير من الأعمال و الممارسات الفنية و دعا الفقهاء و الحركيين إلى إعادة النظر فى الفقه الحركي و بذل مزيد من الاعتبار لقاعدة ( فحينما وجدت المصلحة فثم شرع الله ) و قال:
طبعا الجانب الفكري له أثرٌ بالغٌ في الأمر، وإذا قلنا الجانب الفكري سيعنينا أكثر الجانب الفقهي والتأصيلي للفنّ، فعندما تجتاح الأعمال الفنِّية الأجنبية بغثّها وسمينها ديارنا نجد الفقه الحركي لم يستوعب بعد الكثير من الأعمال الفنية، ويقف تجاهها موقف الرفض والتحريم، أتذكَّر أنه لما تمّ تمثيل دور عمر بن الخطاب في إحدى المسلسلات، ثار بعض الفقهاء شجباً وتنديداً، ليشير ذلك على أن الفكر الحركي أحياناً يمثل عبقةً كبيرةً أمام الدور الرسالي الكبير والعظيم الذي يمكن أن يلعبه الفنُّ في العمل الحركي الإصلاحي، ولذلك من أجل فنٍّ هادفٍ ورساليٍّ، يلزم أولا إعادة النظر في الفقه الحركي الإسلامي، وأن تكون قاعدة حيثما وجدت المصلحة فثم شرع الله أصلاً في الباب، مع مراعاة القيود الشرعية الصحيحة دون إفراطٍ أو تفريطٍ.
و فيما يتعلق بالخطوات المطلوبة لإنعاش الفن الإسلامي يرى الباحث المتخصص فى السياسة الشرعي و الناشط الحركي الاستاذ أحمد الأمين عاج فى حديثه لموقع وسطيون ضرورة دعم الحركات الاسلامية للمحاولات الموجودة فى الساحة فى مجال الفن الاسلامي مشددا على الحاجة الى تطويرها فقال:
الفن بكونه أسلوبا مبدعا للتعبير عن الفكر والإحساس والمشاعر يعتبر من صميم الوسائل الدعوية والحركية إذا أحسن استغلاله وكان مراعيا للمقاصد الشرعية العامة. و أضاف قائلا:
ويجب على الحركات الإسلامية دعم وتشجيع الجهود المبذولة هنا وهناك في مجال الفن الهادف، كما يجب الخروج من النمطية في الأداء الدعوي والحركي واستغلال الفن الهادف كوسيلة أساسية من وسائل التواصل مع الجمهور بعد أن أثبتت الدراسات قدرة الفن الخارقة في توجيه سلوكيات الناس وصبغها إيجابا أو سلبا.
و أجاب الأستاذ على سؤالنا له عن الدور الذى يمكن أن يلعبه الفن الإسلامي فى مواجهة مشروع التغريب بأن الفن الإسلامي الهادف يمكن أن يحمي المسلم من انفصام الشخصية الناتج عن حاجته الطبيعية إلى الاستمتاع بالفن مع غياب العروض المقابلة للفن الهابط بسبب الفتاوى التى بنيت على قاعدة سد الذرائع بدون طرح بدائل اخرى و قال:
من الملاحظ أن الفتاوى المبنية على سد الذرائع أوقعت الناس في حرج كبير ذلك أن الطبيعة البشرية ميَّالة الى البديل في حال قيام الحظر، وإن إقفال الباب عن الفن الآخر وعدم إفساح المجال للفن الهادف كفيل بخلق انفصام في شخصية الإنسان إذا علمنا أن الفن الهادف يستجيب للفطرة ونوازعها.
كما أنه-من جهة أخرى- نعلم يقينا أن المشروع التغريبي يراهن على الفن المُسيَّب لتمرير الكثير من أجنداتها مما يعني ضرورة مواجهتها والصد عنها. وإذا استوعبنا تلكم المعطيات أعلاه فسندرك بداهة بأن الفن الإسلامي سيسد فراغا كبيرا في حال استغلاله استغلالا واعيا ومسؤولا.
و أضاف : أن الفن الإسلامي يمكن أن يلعب دورا كبيرا فى صناعة الوعي خصوصا فى المجال السينمائي و التمثيلي فقال:
وسيكون للفن الإسلامي تأثير بالغ ودور كبير في صناعة الوعي لدى المجتمع إذا تم استثماره خاصة في مجال الإنتاج السينيمائي والتمثيلي. ومن طريف ما يذكر- والشيء بالشيء يذكر- أنه سئل أحدهم متى أسلم عمر بن الخطاب ؟! فأجاب: «في الحلقة الثامنة» في إشارة إلى مسلسل عمر الرائع وحلقاته المتعددة.