الحركة الإسلامية في السنغال: رؤى ووقائع

 

مقدمة:

إن وجوب العمل الإسلامي والدعوة إلى الله محل اتفاق عند عموم المسلمين، وأما قضايا المناهج والأساليب والخطط العملية فتخضع – في الغالب – للاجتهاد في إطار الظروف الزمانية والمكانية، كما أن الضرورات والإكراهات تستوجب على الداعية بلورة منهج ينطلق من الشرع ولا يتنكر للواقع المتقلب الذي يتحرك فيه، وبما أنها مسائل اجتهادية فهي بطبيعة الحال قابلة للنقد والمراجعة، ومن هذا المنطلق طرحت الحركة عدة مراجعات في مسيرها العملي، هذا أولا.

وبين قراءة لمقال بعنوان: “الحركة الإسلامية في السنغال ومعضلة تعريف الذات” لكاتب محترم طرح فيه عدة تساؤلات وملاحظات عن منهج الحركة الإسلامية، ويمكن فرز هذه التساؤلات على النحو الآتي:

– عن ماهية وطبيعة الحركة الإسلامية؛

– هوية الحركة وغاياتها؛

– أساليب عملها؛

– علاقة الحركة مع الآخرين المؤسسة الصوفية أنموذجا.

وبصفتي مهتما بمسيرة الحركة الإسلامية في السنغال، وأحد الشباب الذين تربوا من محاضنها التربوية، واستفادوا من برامجهم الدعوية والإصلاحية، ومساهما في أنشطتهم العلمية والعملية، ومطلعا على الوثائق المنظمة لأعمالها … رأيت أن أضع بين يدي القراء إجابات الحركة عن هذه التساؤلات.

والله الهادي إلى الصواب.

التساؤل الأول- عن ماهية وطبيعة الحركة الإسلامية في السنغال:

 عمل إسلامي شعبي ذو توجه إصلاحي شمولي ينطلق من أصول منهج أهل السنة والجماعة في العلم والعمل، والعقيدة، والعبادة، والسلوك، وفي المعاملات والأخلاق [1].

ويوجد في الحركة الإسلامية تنوع كسائر الحركات الإسلامية، يحافظ كل عنصر على خصوصياته، غير أنها تتميز بأن لها صيغة من الوفاق المنهجي والعملي، مكنتها من توحيد المواقف في القضايا العامة ذات الاهتمام المشترك (الوطنية – الإقليمية – العالمية).

التساؤل الثاني – عن هوية الحركة وغاياتها:

تعتبر الحركة الإسلامية في السنغال نفسها سلسلة من الجهود الإصلاحية التي قام بها شيوخ هذه البلاد، مما دفع بكوادرها – حين أرادوا إنشاء جماعات – إلى مشاورة المؤسسة الصوفية في البلاد والأخذ برأيهم في الإطار العملي الذي يخططون له، وجماعة عباد الرحمن المعدودة من الحركة خير مثال على ذلك [2].

وغايتها جلية ظاهرة تلتقي فيها مع غيرها وهي أن تكون كلمة الله هي العليا، وإن اختلفت الأولويات والوسائل المتبعة لتحقيق هذه الغاية العظمى؛ فأدت الحركة دورا إيجابيا في نشر الوعي، وترشيد الصحوة الإسلامية، وإحداث تغييرات مهمة في واقع المجتمع السنغالي.

التساؤل الثالث- أساليب عملها:

وبما أن ميادين العمل الإسلامي واسعة ومتعددة؛ فقد قدمت الحركة في كل جانب ما يلاءم إمكانياتها، وتتحد مع رؤيتها، لذلك نلمس في الجانب التعليمي معاهد ومدارس وكليات أنشأتها، وفي الجانب الاجتماعي الخيري: قامت بكفالة الأيتام، وحفر الآبار… وفي الدعوة والتربية فحدث ولا حرج….. ولكل عمل من هذه المجالات أساليب تؤطر أعمالها.

وفي الجانب السياسي فإن تعامل الحركة مع هذا الملف يتسم بالتدرج لإدراكها عمق المسألة وإستراتيجياتها وخاصة لشعب لم يفقه بعد تموقع الدين في السياسة؛ إذ القيم التي تَشَرَّبُوها – ضمن خطط ممنهجة – تحصر الدين في المساجد والكنائس، وتفصلها عن واقع الحياة، بل وينظرون إلى الإسلامي السياسي بعين الريبة والشك، إضافة إلى القاعدة السياسية الناشطة في المشهد وتخوفها من كل ما هو إسلامي … وعليه فإن التعامل مع واقع كهذا يستدعي بناء مفاهيم أولية تكون قاعدة للالتفاف إذا حان موعد المشاركة، وهذا ما فقهته الحركة، لذلك تشارك في العمل السياسي – بمفهومه الواسع غير التحزب – عن طريق محاربة الفساد، وترشيد قيم العدالة، وإبراز مواقفها في القضايا السياسية. على أن للحركة تاريخا مشرقا في الحلبة السياسية [3]، تراوح كما يقول الدكتور انجوغو صمب في كتابه “جماعة عباد الرحمان في السنغال، ص:159-161” ما بين مرحلة التنظير لشمولية الإسلام والرد على شبهات العلمانيين، ومرحلة المشاركة في الانتخابات ودعم الأحزاب أو التحالف معها، ثم مرحلة التمييز بين الدعوي والسياسي.

التساؤل الرابع- علاقة الحركة الإسلامية مع الآخرين:

علاقة الحركة مع المؤسسة الصوفية أنموذجا:

هنا يحسن أن نبرز تصور الحركة عن القوى الإسلامية في الساحة، وتتلخص في نقاط أهمها:

 –  أن الحركة تعتبر نفسها مكونا من مكونات العمل الإسلامي، تشارك في الساحة قوى أخرى، ولا تمثل كل الساحة، بل هي وليدة واستمرار لجهود أعيدت تنظيمها، وخططت برامجها.

– أن الحركة تقدر جهود المؤسسة الصوفية وعملها في نشر الإسلام منذ عهد سحيق في ربوع هذه البلاد، وتعترف لها بفضلها ومنزلتها وتاريخها المشرق الذي سطره أعلام صوفية.

– تلمس الحركة الأعذار لاجتهادات شيوخ الصوفية وغيرهم، وتؤكد أنهم عملوا وفق معطى وظرف تاريخي بوسائلهم وإمكانياتهم، وخلفوا تجربة منها ما يقبل وما يرد، بما ثبت من دليل[4].

– إن جهود الحركة في تصحيح المفاهيم، وتقويم ما علق بالعقيدة الإسلامية من شوائب، لا ينبغي النظر إليها على أنها كره للصوفية وإخباس لتراث الشيوخ وجهودهم، بل هي مطلب ديني أولا، ثم في الوقت نفسه ترشيد لها وللصوفية، لأنها جهود تُصَفِّي الدين الذي يرابط لأجله الطرفان.

– إن الأخذ والرد بين الحركة الإسلامية والمؤسسة الصوفية، تنوع وتعدد في الرؤى وتشخيص المشكلات وعلاجها، وهو ظاهرة صحية، وهو من أخص خصائص العمل الإنساني.

– وأما المناوشات الكلامية التي تنفجر بين شباب الطرفين، فلا تخرج في إطار  الحماس الزائد، وهو أمر يحتاج إلى إرشاد وتوجيه، والقادة في كلا الطرفين على أتم الوعي،  وعلى قدر من المسؤولية، ولا يمثلهم موقف هؤلاء الشباب.

– ولا يخفى أن نسجل على أن قادة الحركة الإسلامية معظمهم تربوا تحت كنف مشايخ ذي توجه صوفي إصلاحي.

– إن الحقيقة التي ينبغي أن لا تخفي عن ناظرتنا هي أن نعلم أن الحركة والمؤسسة الصوفية ليستا وجهين متعارضين، تخوضان معركة إقصاء الطرف الآخر من الوجود، بل هما مكونان من مكونات العمل الإسلامي في السنغال، ولكلٍّ تخصصاته وأولوياته، ولا شك أنه بتكامل هذه الجهود [5] فالرابح الوحيد هو الإسلام لا غير.

– ثم إن هناك أطرافا لا تريد أن ترى العلاقة الأخوية بين المكونات الإسلامية تنمو وتزدهر، لذلك تسعى جاهدة إلى إذكاء نار العداوة والطائفية، لتستنفد طاقاتها، فيحلو لها الجو، فتضرب العمل الإسلامي وتتفرد بالساحة.

وبهذا يتضح لنا أن الحركة لا تعيش على حالة من الضبابية، بل تسير وفق خطط مدروسة، في ظل واقع حساس يتطلب مزيدا ترتيب الأولويات وحسن تنزيل الأفكار على الواقع.

إن لسان حال الحركة تقول: إن حسن ضبط معايير العمل الدعوي والإصلاحي، وترشيد أولوياته، وفقه المتغيرات الحركية، هي من أنواع الحكمة التي أمرنا بها في قوله تعالى: ) ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ( ([6])

ومع كل هذا الفضل للحركة الإسلامية إلا أن تجربتها بحاجة إلى مزيد من الوقفات والمراجعات الفكرية والعملية، لتفادي المعوقات التي تحاول دون فاعليتها على الوجه المنشود.

 

[1] – مشروع النظام الأساسي لتنسيقية الجمعيات والحركات الإسلامية، ص: 2، وجماعة عباد الرحمن في السنغال التاريخ والمنهاج، انجوغو امبكي صمب، ص: 158

[2] – جماعة عباد الرحمن 70

[3] – وهنا ننوه جهود جماعة عباد الرحمن، والتجمع الإسلامي بالسنغال (RIS) الوحدة في هذا الصدد.

[4] – ولمزيد من التفصيل يرجى مراجعة كتاب جماعة عباد الرحمن، صص: 141-153

[5] – وفي إطار تكاتف الجهود نصنف زيارة الحركة للمؤسسة الصوفية في أعظم مناسباتها الموسمية، وحضور شخصيات وجيهة من المؤسسة الصوفية في ملتقيات الحركة الإسلامية، كندوة الوسطية التي نظمت في بامبي بإقليم جربل سنة 2016م، والأمثلة تطول.

[6] – النحل: جزء من آية: 25.

 

الحسين كان الفوتي

2 تعليقات
  1. مالك الحاج امبي يقول

    ماشاء الله، مقالة مؤصلة ،نقلتُ من الكبار الثقة أن هناك إجتماعات عقدت في بيت الشيخ صالح امباكي في مرحلة نشوء جماعة عباد الرحمان، وهذا يدل على علاقات جزورية بين الحركات والمشايخ الصوفية.
    المشكل بين الطرفين- كما أشار إليه الباحث -يرجع الى هؤلاء الذين ليس في مصلحتهم ازدهار العلاقات الأخوية الإسلامية بينهما ،نظرا الى المصالح الشخصية والمكاسب الناجمة عن الروايات والادعاءات الفارغة.

    1. wassatiyyoun senegal يقول

      شكرا على المداخلة القيمة يا مالك الحاج امبي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.