(*) عبد الأحد لوح
شهد التعليم العربي الأهلي في السنغال خلال السنوات الأخيرة تطورات ملموسة، وتحسينات شكلية وجوهرية طوت صفحات من النكَسات والآلام، وفتحت آفاقا من الآمال والأحلام، وغدتْ تبشر بمستقبل واعد لهذا القطاع الحيوي من النظام التربوي الوطني.
ولئن كانت الشهادة الثانوية العربية الحكومية تعكس إحدى مؤشرات التطور ومبررات التفاؤل ، فإن ما ولِيَها من صعوبات وعراقيل، يجعل تحفظات الجماهير على المبادرة الحكومية وجيهة وشرعية، خاصة في ظل التخبط الملحوظ في توجيه طلاب المدارس الإسلامية إلى مؤسسات التعليم العالي، وهو ما يُفرز واقعا مُتَأَزِّما في حياة كثير من الطلاب الناطقين بالعربية بعد حصولهم على الشهادة الثانوية العامة.
ولقد ظلت شائكةً قضيةٌ الشهادات ” المنزلية” التي كانت بعض المؤسسات التعليمية في السنغال تنفرد بإصدارها بالامتحان في أغلب الأحيان، وبالإهداء تارة، وبالعرض للبيع تارة أخرى. ولمَّا أثارت هذه الوضعية المؤْسفة قلقَ السلطات التعليمية الحكومية، أقدمتْ على تسويتها بأسلوب تدريجي تَمثل في خفض نسبة توظيف المعلمين بالشهادة الإعدادية، ثم رفع مستوى توظيف المعلمين إلى الشهادة الثانوية المعترف به، مع الإعراض عن سواها. وبالتالي قرأ المسؤولون عن التعليم العربي القرار الحكومي على أنه بمثابة ” شهادة الوفاة المُبرْمَجة” لمؤسساتهم التي قد تتعرض لاحقا للإفلاس والكساد في السوق التعليمية؛ ومن ثم سارعوا إلى ترتيب بيوتهم من الداخل، مُتَناسين المصالح الشخصية، والمزايا الفردية التي كانت كل مؤسسة تتمتع بها على حدة.
وفي فترة قياسية، وبجهود ذاتية تمكنت مؤسساتنا الإسلامية من صياغة منهج للمرحلة الثانوية أقَرَّتْه الحكومة فورا، حين أصدر رئيس الجمهورية المرسوم رقم 2013/ 913 القاضي بإنشاء شهادة ثانوية موحدة لمؤسسات التعليم العربي الإسلامي.
ومنذ ذلك التاريخ تخرجت أربعة من أفواج الحاصلين على الشهادة العربية الحكومية يتوزعون كالتالي :
1- التحق كثير منهم بقسم اللغة العربية بجامعة داكار، وهو التخصص الأنسب لهم من بين الخيارات المتاحة، رغم التحفظ على بعض مقرراته؛
2- سُجِّل عدد من حمَلَة الثانوية العربية في جامعات وكليات حكومية أو أهلية لا تتناسب برامجها وتخصصاتها مع مواصفات المتخرجين في المدارس الإسلامية؛ فعلى سبيل التمثيل، يمكنك أن تتصور طالبا تخرج في مدرسة إسلامية، ثم يتم توجيهه إلى كلية الاقتصاد أو العلوم السياسية، أو الإعلام، أو التجارة والمحاسبة، وغير ذلك من كليات ما كانت لتستقبل هؤلاء الطلاب لو أنهم حصلوا على شهاداتهم من الأقسام الأدبية بالفرنسية، فما بالك بمن تخرج في الأقسام الأدبية بالعربية؟! ومن هنا يواجه الطالب الحاصل على التوجيه- وهو داخل كليته- مشكلتين : مشكلة التعامل مع لغة التعليم، ومشكلة التخصص العلمي؛
3- هناك جمهور غفير من الطلاب الذين أهملتهم الحكومة؛ فلا هي وَجَّهتهم إلى الجامعة، ولا قدَّمت لهم أي تصور لإخراجهم من المأزق. والخطير في المسألة أن هؤلاء ينضمون تلقائيا إلى جيوش اليائسين الذين ينقِمون على الحكومة عدم الإنصاف، وغياب العدل والمساواة، وضعف تكافؤ الفرص…وفي ذلك ما فيه من بَذْر الفتنة، وإضعاف الوئام والاستقرار في المجتمع.
وباتضاح ملامح ” أزمة التوجيه” يلوح في أفق الحكومة عدد من الحلول والبدائل أرجو أن تأخذها بعين الاعتبار قبل أن يتسع الخَرْق على الراقع:
1- زيادة أعداد المقبولين في قسم العربية بجامعة داكار، بعد تحسين برامجها لتكون أنسب لهذه الشريحة من الطلاب؛
2- تحويل المعهد الإسلامي بداكار إلى كلية للدراسات العربية والإسلامية، بدلا من أن يبقى معهدا تنحصر مهمته في التعليم الثانوي فقط؛ بحيث لا يكاد يمتاز عن المعاهد العربية الأهلية في طول البلاد وعرضها؛ وعلى الحكومة أن تدرك بأن مقومات الكلية متوفرة في المعهد الإسلامي من مبان، وقاعات ، وتجهيزات، ومطاعم، ومساكن، وأساتذة مؤهلين للتعليم الجامعي ؛ فبرامج التعليم الثانوي فقط- في نظري- لا تتطلب كل ما تنفقه الدولة على المعهد الإسلامي من موارد مالية وبشرية؛
3- فتح مزيد من أقسام اللغة العربية في الجامعات السنغالية الأخرى؛
4- التعاون الجاد مع الجامعات والكليات التي تقدم برامجها باللغة العربية، وهي كثيرة؛ مثل كلية الدعوة الإسلامية في بير، وجامعة الشيخ أحمد بامبا، والكلية الأفريقية للدراسات الإسلامية، وكلية الإعمار الإسلامية؛
5- دعم المشاريع الجامعية القائمة كمشروع جامعة طوبى الإسلامية، ومشروع جامعة الشيخ أحمد الصغير لوح بكوكي؛
6- السعي الجاد نحو تحقيق مشروع الجامعة الإسلامية التي وعدت الحكومة بإنجازها على لسان وزير التعليم العالي، وذلك قبل نهاية سنة 2017م. و قد أطلق معالي الوزير “ماري تاو انيان” تلك الوعود منذ ثلاث سنوات على أقل تقدير. ثم لا يبدو الآن من تصرفات المسؤولين وتصريحاتهم الرسمية أنهم يحملون هذا الوعد محمل الجد.
7- إعادة تفعيل واستثمار العلاقات الثقافية مع الدول العربية والإسلامية لتمكين الطلاب من الحصول على منح دراسية في مختلف الجامعات والمعاهد المنتشرة في العالمين العربي والإسلامي.
ولا يراودني أدنى شك في أن الحكومة إن استثمرت هذه الأوراق، ستوفر على نفسها أموالا طائلة تهدرها في الإنفاق على طلاب تُوجِّههم إلى تخصصات يفتقرون فيها إلى الاستعداد والقدرة، وهما شرطان للنجاح في أي مشروع دراسي؛ وبذلك يتوقفون في بداية الطريق؛ فتنقلب الآية عليهم، وعلى الحكومة، وعلى المجتمع .