التمدد الشيعي في السنغال: أسباب وحلول

(*) فاضل سار

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله الأبرار، وصحبه الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد،
لقد انتشر في الآونة الأخيرة حديث عن ظاهرة التمدد الشيعي في بلاد السنغال، ووصلني استفسار عن أسباب هذه الظاهرة وموقف التيار الإصلاحي منها، وكيفية التعامل معها كواقع اجتماعي يحسب له حسابه، في هذا البلد، وشخصي الحقير ممن يرون ضرورة تناول هذا الموضوع وأمثاله تناولا علميا ودراسته دراسة جادة وموضوعية تنير الغبش والغلس وتهدي إلى سواء السبيل.
فنقول: من السنن الاجتماعية “أن من أخذ بالأسباب الحقيقية للنجاح ستحل به السفن إلى بر الأمان ” و ” من طرق الباب ولج ولج “.

فالسنغال عرف المذهب الشيعي ببرودة، بدء من تجار اللبنانيين والسوريين؛ ذلك أن التجار تدينهم ضعيف فضلا عما يثيره إظهار مذهبهم من شكوك ويبعدهم عن الشعب السنغالي الذين يكسبون ودهم وترحيبهم لما يعرضون عليهم من بضائع، وازداد عددهم إبان حرب اللبنان الدموية التي دامت أكثر من 15 سنة، أبريل 1975 إلى أكتوبر 1980م والتي أهلكت الحرث والنسل، وكادت تنسف باللبنان كبلد، فتشتت قوى الشعب اللبناني في هذه الحرب المدمرة، وتضرر كل من السنة والشيعة، وقدر للشيعة أن تجد زعيما يقظا وواعيا في شخصية السيد موسى الصدر،فسعى إلى تجميع قوى الشيعة ولم شملها وحشد طاقاتها، فقام بجولات إفريقية، مفادها إحياء دينامية الشيعة من جديد وإنشاء حسينيات في التواجد الشيعي بإفريقيا تحت قيادة عالم من علمائهم؛ تلك هي تاريخ الحسينية السنغالية بقيادة الشيخ عبد المنعم الزين، والذي منح أخيرا لقب خليفة أهل البيت على الطريقة السنغالية وعرفها!.

ويعتبر عمل السيد موسى الصدر هذا الخطوة الأولى في وضع اللبنات التي ستكون سندا للتمدد الشيعي في البلاد.
والخطوة الثانية هي حدث الثورة الإسلامية في إيران التي حركت العالم وأكسبت تعاطفا واسع النطاق في أوساط الدعوة الإصلاحية في العالم، وفي السنغال بالأخص؛ حيث ذهب حسن ظن بعض القيادات وتحمس بعض الشباب للثورة والشعارات الوحدوية المرفوعة من قائد الثورة الإمام الخميني إلى زيارة الجمهورية الإسلامية في إيران مرارا،كما اختار بعض الشباب مواصلة دراساتهم فيها، للوقوف على هذه الظاهرة الجديدة، وكاتب هذه السطور نموذج حي لهذا.

ولقد وضعت إيران كل ثقلها بتصدير الثورة عبر اقناع الناس إلى تبني المذهب الإمامي بالدعاية من خلال الصحف والمجلات والدعوات إلى زيارة إيران، في أسبوع الوحدة الإسلامية ومشاهدة تجاربها الجديدة، فاستجاب لها بعض الطلبة الجامعيين وشباب الدعوة، ومن بينهم زعيم الطلاب آنذاك الأخ سليمان نيان – رحمه الله تعالى – ولم يوفقوا بتجنيد غالبية الطلاب، فعزل عن منصب إمارة جمعية الطلبة، فكان صراعا مريرا أثر في سير العمل الإصلاحي في البلاد، فاستخدم الأخ سليمان نيان كل قواه ليكون للشيعة موطأ قدم في السنغال، واستمر على هذا المنوال إلى أن وافته المنية، ثم واصل إخوانه المسار بدعم من إيران إما مباشرة أو من واجهاتها في العالم؛ ذلك أن للدول، وخاصة، الكبيرة على حجم إيران، واجهاتها المختلفة لنشر قيمها وثقافاتها.

ولا شك أن الدعوة الاصلاحية في السنغال أبلت بلاء حسنا في محاولة التصدي للتمدد الشيعي، ولكن بوسائل غير متكافئة؛ ذلك أن إيران بحجمها الجغرافي والبشري وعمقها الإيديولوجي لا تواجه بمؤسسات يتيمة ليس وراءها دولة لابحجم إيران وليس لهاعمق إيديولوجي مساند، ولعل نظرة خاطفة على ما يجري في الشرق الأوسط، الآن، يلقي ضوء كاشفا على أن دول الخليج عاجزة تماما على مواجهة إيران، حيث نشاهد تراجعا واضحا عن مكاسب وانكماشا عن تقديم شيء جديد، وتغلغلا إيرانيا عميقا في عقر دارهم وتصدرا للأحداث ثم دفعهم للتنازل يوما بعد يوم.

ولعل الأمل الوحيد للدعوة الإصلاحية للخروج من أزمتها وسباتها العميق ومواجهة منافسيها بروز تركيا الحبيبة بحجم لابأس به وبعمق إيديولوجي مقدر، وللأسف الشديد وئدت البشارة في أرض الكنانة والتي كنا نأمل أن تعاضد تركيا، فتشكلا سدا منيعا وسندا قويا للتيار الإصلاحي في العالم. ولكن الخبث العالمي الذي يدرك جيدا مقاصد هاتين القوتين قام بعملية استباقية فكسر ظهورنا، قاتلهم الله أنى يؤفكون.

لذلك، الذي ينتسب إلى الدعوة الإصلاحية ويكن عداء سافراللتجربة الحديثة في تركيا، ولايباركها ولا يرى لها علاقة بمستقبل هذه الدعوة لا يفقه شيئا، والذي ينتسب إلى الدعوة الإصلاحية ولم يتحسر لما حدث للإخوة في مصر، بل يشمت لما حل بهم من المحن ويناصر الطاغية السيسي على إقصائهم لا يفقه شيئا من الجيو- السياسي، ورحم الله خطيب الاسلام الشيخ عبد الحميد كشك كان قد فهم المعضلة فهما عميقا، وقد بينها في عبارته التاريخية قائلا: ” إن إسرائيل أمة عقيدة، والعقيدة تحارب بعقيدة مثلها، وإذا أردتم أن تحاربوا إسرائيل فادرسوا عقيدة لاإله إلا الله ” وعليه، لمواجهة التمدد الشيعي بصورة فنية علمية وبأسلوب هادئ لا بد من وسائل مكافئة وإلا سنبقى محاصرين يمينا وشمالا شرقا وغربا، ولا نحرك ساكنا.
لا حول ولا قوة إلا بالله.

 

(*)  كاتب وباحث في الفكر الإسلامي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.