التربية الجنسية في الإسلام
بقلم الدكتور/ انجوغو امباكي صمب
يقصد بالتربية الجنسية في المنظور الإسلامي أن يدرك الإنسان اختلاف النوع البشري، ويتعرف على وظائف الذكورة والأنوثة، ويتقيد بالمبادئ الإسلامية عند القيام بتلبية الحاجات الفطرية في الاستمتاع، أو التعامل والاختلاط مع الآخرين، فالتربية الجنسية في الإسلام استكشاف للجانب الغريزي في الإنسان، وترشيد لسلوك الاستمتاع، وضبط للمشاعر والأحاسيس، بما يتناسب مع سلامة الفطرة، ويحقق كرامة الإنسان، ومن التعاليم الإسلامية المتعلقة بهذا الباب ما يلي :
- حصر النوع البشري في الذكر والأنثى، ووضع الحدود الفاصلة بينهما .
فالإنسان إما ذكر وإما أنثى، وليس ثمة نوع آخر، وقال تعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً } [1]، وفي الآية الكريمة أنه ليس من نسل آدم وحواء عليهما الصلاة والسلام إلا رجال ونساء، ومهما حاول الشاذون –عبثا- إيجاد نوع آخر فلن يفعلوا، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا، وقال تعالى { وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى }[2]، قال الرازي رحمه الله (( القسم بالذكر والأنثى يتناول القسم بجميع ذوي الأرواح الذين هم أشرف المخلوقات، لأن كل حيوان فهو إما ذكر أو أنثى، والخنثى فهو في نفسه لا بد وأن يكون إما ذكرا أو أنثى)) [3]، وفي الآية شمول قانون الذكورة والأنوثة لجميع الأحياء من الإنسان والحيوان، ولكل من نوعي الذكر والأنثى خصائص وسمات جبله الله عليها وأودعها في غريزته، قال تعالى {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى}[4]، قال الطبري (( لأن الذكر أقوى على الخدمة وأقوم بها، وأن الأنثى لا تصلح في بعض الأحوال لدخول القدْس والقيام بخدمة الكنيسة، لما يعتريها من الحيض والنفاس))[5]، وفي الآية الكريمة تفريق بين الذكر والأنثى في المهام والوظائف، فلكل واحد منهما ما يناسبه من ذلك مما لا يناسب الآخر، وحتى في الهيئة والصورة والمظهر فإن الشريعة الإسلامية تأمر بالتفريق فيها بين الجنسين، فعن ابن عباس رضي الله عنهما (( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعن الواصلة والموصولة، والمتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال)) [6]، فالمتشبه من الرجال بالنساء والمتشبهة من النساء بالرجال ملعونان: أي مطرودان من رحمة الله تعالى، ومحكوم عليهما بالشقاوة والهلاك، ما لم يتوبا ويرجعا إلى ما فطرهما الله عليه من الرجولة المتمحضة، أو الأنوثة الخالصة، ويقول الشيخ محمد قطب رحمه الله تعالى (( كما أن الإسلام يحرص على المظاهر الجسمية والنفسية في مجال الجنس، إنه يجب أن يكون الرجل واضح الرجولة، والأنثى واضحة الأنوثة، يكره التخنث والميوعة، ويكره المتشبهين بالنساء والمتشبهات بالرجال، لأنها يحترم الطاقة الجنسية على فطرتها السليمة…))[7] .
وأما من انتكست فطرته وفسدت سريرته من الشاذين فإنهم منبوذون ومطرودون من المجتمع الإسلامي الطاهر، فعَنْ عِكْرِمَةَ رحمه الله قَالَ: (( أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ مِنَ الْمُخَنَّثِينَ فَأُخْرِجَ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَأَمَرَ أَبُو بَكْرٍ بِرَجُلٍ مِنْهُمْ فَأُخْرِجَ )) [8]، وفي الأثر وجوب تطهير المجتمع من الشاذين جنسيا وعزلهم عن الناس الأسوياء الأطهار، وذلك لكونهم مصابين بمرض خطير وداء عضال، يجب محاربته والقضاء عليه قبل أن ينتشر في المجتمع، وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (( أَوَّلُ مَنِ اتُّهِمَ بِالْأَمْرِ الْقَبِيحِ – تَعْنِي عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ – عَلَى عَهْدِ عُمَرَ، فَأَمَرَ عُمَرُ بَعْضَ شَبَابِ قُرَيْشٍ أَلَّا يُجَالِسُوهُ )) [9]، وفي الأثر وجوب تحصين الشباب والمردان وغيرهم ممن يميل إليهم الشاذون ويستهويهم للفواحش والمنكرات، فيمنعون من غشيان مجالسهم أو مطالعة منشوراتهم ومتابعة قنواتهم وبرامجهم الترفيهية وغيرها، صيانة لهم من التأثر بهم أو التعاطف معهم بحال من الأحوال .
- حصر السبب الوحيد للتناسل والاستمتاع في النكاح بين الجنسين .
فالزوجية لا تكون إلا من جنسين متقابلين وهما الذكر والأنثى، والسالب والموجب، والفاعل والمفعول، قال تعالى { وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى }[10]، وقال تعالى { أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى }[11]، قال الماتريدي [12] رحمه الله ((اسم الزوج يحتمل الشكل، ويحتمل المقابل؛ أي: يجعل أحدهما شكلا للآخر وإن كانا ضدين؛ يقول: جعلهم بحيث يتزاوجون ويتشاكلون، أو يتقابلون ويتضادون، واللَّه أعلم))[13]، وقال تعالى {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ }[14]، قال الطبري رحمه الله (( يعني تعالى ذكره بذلك: نساؤكم مُزدَرَعُ أولادكم، فأتوا مُزدرعكم كيف شئتم، وأين شئتم، وإنما عني بالحرث : المزدَرَع، والحرث : هو الزرع)) [15]، وقال الزمخشري رحمه الله { فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}: (( يعنى أنّ المأتى الذي أمركم اللَّه به هو مكان الحرث، ترجمة له وتفسيراً، أو إزالة للشبهة، ودلالة على أنّ الغرض الأصيل في الإتيان هو طلب النسل لا قضاء الشهوة، فلا تأتوهنّ إلا من المأتى الذي يتعلق به هذا الغرض)) [16]، وأما ما يسعى إليه الأطباء المتمردون على الشرع والفطرة في هذه الجاهلية المعاصرة، من تبديل سنة الله وخلقه، و محاولة جعل بعض الذكور إناثا وبعض الإناث ذكورا، إنما هو محض انتكاسة أخلاقية وتخبط علمي، لا تدعو إليها حاجة معيشية أو تلجأ إليها ضرورة حياتية.
- اقتران الذكر والأنثى أساس بناء الأسرة الإنسانية.
وتتكون الأسرة الإنسانية السوية من الزوجين من ذكر وأنثى وما قد يتفرع عنهما من النسل، يتقاسمان إدارتها وتصريف أمورها وفق شرع الله تعالى وبمقتضى الفطرة السليمة، قال تعالى {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }[17]، قال السعدي رحمه الله (( أي: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ} أيها الرجال والنساء، المنتشرون في الأرض على كثرتكم وتفرقكم، {مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} وهو آدم أبو البشر صلى الله عليه وسلم، {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} أي: خلق من آدم زوجته حواء لأجل أن يسكن إليها، لأنها إذا كانت منه حصل بينهما من المناسبة والموافقة ما يقتضي سكون أحدهما إلى الآخر، فانقاد كل منهما إلى صاحبه بزمام الشهوة)) [18]، وقال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}[19]، قال ابن كثير رحمه الله ((وقوله: وبث منهما رجالا كثيرا ونساء : أي وذرأ منهما أي من آدم وحواء رجالا كثيرا ونساء، ونشرهم في أقطار العالم على اختلاف أصنافهم وصفاتهم وألوانهم ولغاتهم، ثم إليه بعد ذلك المعاد والمحشر))[20]، وقال تعالى {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ }[21]، وهذه الآية مفسرة للآية السابقة الدالة على خلق الله الناس من نفس واحدة هي آدم عليه الصلاة والسلام، و خلق زوجها منها، وهي حواء عليها الصلاة والسلام، وما بث منهما من رجال ونساء كثير متفرقين في الأرض، وما رزق الله المتزوجين من بنين وحفدة.
وقال صلى الله عليه وسلم في ذكر بعض مقاصد النكاح وأسرار كونه بين الذكر والأنثى فقط ((تَزَوَّجُوا الْوَلُودَ الْوَدُودَ، فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ ))[22]، قال المناوي رحمه الله ((تزوجوا الودود)) : المتحببة لزوجها بنحو تلطف في الخطاب وكثرة خدمة وأدب وبشاشة، ((الولود)): ويعرف في البكر بأقاربها فلا تعارض بينه وبين ندب نكاح البكر …، ((فإني مكاثر بكم)) : أي أغلب بكم الأمم السابقة في الكثرة وهو تعليل للأمر بتزويج الولود الودود، وإنما أتى بقيدين، لأن الودود إذا لم تكن ولودا لا يرغب الرجل فيها، والولود غير الودود لا تحصل المقصود … ))[23]، والأسر التي يبنيها الشواذ لا يشيع فيها ود بين الطرفين أبدا، لما يترتب على اقترانهما من التباغض والتنافر، وما يسببها من الأمراض والآفات النفسية والجسدية، ولا يولد لهما ولد لاستحالة التناسل بين أنثيين أو ذكريين، إذ لا تبديل لخلق الله تعالى، وليس لأحد الخروج عن نواميس الكون التي وضعها رب العزة .
- ضبط العلاقات المختلفة بين الجنسين بالضوابط الصحية والأخلاقية .
سواء ما كان منها بين الأجانب أو الأقارب أو الأزواج، قال تعالى في العلاقة بين الأزواج {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[24]، وقوله {لِّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا}: (( لتأنسوا إليها لأنه جعل بين الزوجين من الأنسية [25] ما لم يجعله بين غيرهما )) [26]، وفي الآية الكريمة بيان لأهم مقاصد الزواج وهي تحقيق السكينة والمودة والرحمة بين الزوجين، مما لا تتحقق في أية علاقة ارتباط جنسي أخرى بين الرجل والمرأة، وقال تعالى في تحريم إتيان الحيّض والنهي عن قربهن {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}[27]، قال السعدي رحمه الله ((أخبر تعالى أن الحيض أذى، وإذا كان أذى، فمن الحكمة أن يمنع الله تعالى عباده عن الأذى وحده، ولهذا قال: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} أي: مكان الحيض، وهو الوطء في الفرج خاصة، فهذا هو المحرم إجماعا، وتخصيص الاعتزال في المحيض، يدل على أن مباشرة الحائض وملامستها، في غير الوطء في الفرج جائز… )) [28]، وفي الآيتين الكريمتين هدايات عظيمة وإرشادات جليلة في مسألة هامة مما لها صلة وثيقة بالتربية الجنسية، ألا وهو الحيض وما يتعلق به من عقائد وأحكام وآداب، حيث توسط الشارع في حكمه في الحيض وموقفه من الحائض، فأمر باعتزال المحل فقط، وأباح التمتع بسائر جسد الحائض، ما عدا ما بين السرة والركبة، وكذلك مؤاكلتها ومجالستها والتحدث معها وسائر أنواع المعاملات الأخرى، بينما كان اليهود يشددون في مسائل الحيض ويرون أن كل من مس الحائض في أيام طمثها يكون نجسا، وكل من مس فراشها يغسل ثيابه ويستحم بماء ويكون نجسا إلى المساء، وكل من مس متاعا تجلس عليه يغسل ثيابه ويستحم بماء ويكون نجسا إلى المساء، وأما النصارى فقد نقل عنهم أنهم كانوا يتساهلون في أمر المحيض، [29] وقال تعالى في تحريم الزنى ووجوب حفظ الفروج من الفاحشة { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}[30]، قال الطبري رحمه الله تعالى (( قوله { إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ} يقول: إلا من أزواجهم اللاتي أحلهنّ الله للرجال بالنكاح، {أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} يعني بذلك: إماءهم…، {فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} يقول: فإن من لم يحفظ فرجه عن زوجه وملك يمينه، وحفظه عن غيره من الخلق، فإنه غير مُوَبَّخٍ على ذلك، ولا مذمومٍ، ولا هو بفعله ذلك راكب ذنبا يلام عليه ))[31]، وفي الآيات الكريمات تحديد لمحال الاستمتاع الجنسي، حيث حصره الشارع الحكيم في الزوج وملك اليمين، دون غيرهما من النساء، وجعل اتخاذ أي محل للاستمتاع أو مصرف للشهوة غير الزوج وملك اليمين مدعاة للتوبيخ والذم، وموجبا للإثم والعقوبة، لما فيه من الاعتداء والتجاوز لحدود الفطرة والدين .
وقال تعالى في العلاقة بين الأقارب وضوابط التزين وآداب التجمل أمامهم {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }[32]، قال الماوردي رحمه الله ((وهؤلاء كلهم ذوو محارم بما ذكر من الأسباب والأنساب يجوز أبداً نظر الزينة الباطنة لهم من غير استدعاء لشهوتهم , ويجوز تعمد النظر من غير تلذذ، والذي يلزم الحرة أن تستر من بدنها مع ذوي محارمها ما بين سرتها وركبتها , وكذلك يلزم مع النساء كلهن أو يستتر بعضهن من بعض ما بين السرة والركبة))[33]، وفي الآية الكريمة تربية للمؤمنين والمؤمنات على التستر والاحتشام والعفة والصيانة، والمحافظة على الحد الأدنى من الأدب والذوق الرفيع في التزين والتجمل والظهور أمام الأقارب من الذكور والإناث .
وقال تعالى عن العلاقة مع الأجانب، وما يجب من غض البصر وحفظه من النظر الحرام {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ …}[34]، قال العلامة أبو زهرة رحمه الله تعالى (( ابتدأ سبحانه وتعالى بالأمر بغض البصر، لأنه الباب الأكبر إلى القلب، ولأن النظرة المريبة ذريعة إلى أكبر الفحش، ولأن النظر المحصف يناقض الحياء، ولأنه يؤذي النساء، فيمنعهن من قضاء شئونهن خارج منازلهن، وما لهن بد من أدائها، ولأن غض البصر، ينشر اللياقة والحياء العام، والحياء خير كله ))[35]، وفي الآيتين الكريمتين أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين والمؤمنات بالغض من الأبصار عن المحرمات، لما في ذلك من حفظ الفرج وطهارة القلب وسلامة الدين، وحفظ العرض .
وقال تعالى مبينا بعض أحكام اللباس وآداب الخروج من المنزل { يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}[36]، (( وقوله {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ … } : فلا تلن بالقول للرجال فيما يبتغيه أهل الفاحشة منكن، و {وَقَرْنَ فِي بِيُوتِكُنَّ} بمعنى: واقررن في بيوتكن …، وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة والبصرة {وَقِرْنَ} بكسر القاف، بمعنى: كن أهل وقار وسكينة …، { وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى} : التبرج هو إظهار الزينة، وإبراز المرأة محاسنها للرجال)) [37]، وفي الآيتين الكريمتين إرشاد للنساء إلى آداب مخاطبة الرجال الأجانب، وضوابط الخروج من البيت والبروز إلى الناس والمخالطة بهم في الأسواق والمجامع، وقال تعالى { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}[38]، قال ابن كثير رحمه الله تعالى ((يقول تعالى آمرا رسوله، صلى الله عليه وسلم تسليما، أن يأمر النساء المؤمنات -خاصة أزواجه وبناته لشرفهن -بأن يدنين عليهن من جلابيبهن، ليتميزن عن سمات نساء الجاهلية وسمات الإماء))[39]، وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها (( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَا أَسْمَاءُ إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتِ الْمَحِيضَ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلَّا هَذَا وَهَذَا، وَأَشَارَ إِلَى كَفِّهِ وَوَجْهِهِ )) [40]، وفي الحديث تحديد لما يجب على المرأة سترها من جسدها أمام الأجانب، وهو ما سوى الوجه والكفين من جسدها على قول جمهور أهل العلم .
وقال تعالى عن آداب الجماع { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ }[41]، قال السعدي رحمه الله (( مقبلة ومدبرة غير أنه لا يكون إلا في القبل، لكونه موضع الحرث، وهو الموضع الذي يكون منه الولد، وفيه دليل على تحريم الوطء في الدبر، لأن الله لم يبح إتيان المرأة إلا في الموضع الذي منه الحرث)) [42]، و عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله، قال: باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك، لم يضره شيطان أبدا )) [43]، قال النووي رحمه الله ((قال القاضي قيل المراد بأنه لا يضره أنه لا يصرعه شيطان، وقيل لا يطعن فيه الشيطان عند ولادته بخلاف غيره، قال ولم يحمله أحد على العموم في جميع الضرر والوسوسة والإغواء ))[44]، وروى البيهقي رحمه الله في سننه، عن عبد الله رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إذا أتى أحدكم أهله فليستتر، ولا يتجردان تجرد العيرين ))، قال البيهقي رحمه الله (( تفرد به مندل بن علي وليس بالقوي، وهو وإن لم يكن ثابتا فمحمود في الأخلاق، قال الشافعي رحمه الله: وأكره أن يطأها والأخرى تنظر؛ لأنه ليس من التستر، ولا محمود الأخلاق، ولا يشبه العشرة بالمعروف، وقد أمر أن يعاشرها بالمعروف )) [45].
تلكم هي أهم أصول التربية الجنسية في الإسلام , وكل منهج آخر مخالف لها فهي إما حرمان، أو شذوذ، أو إباحية، وثلاثتها من المهلكات الموبقات، فالتربية النصرانية وما نحى نحوها من التوجهات التربوية تشجع على الحرمان وتدعو إلى الرهبانية والانقطاع عن الملذات، قال تعالى {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ }[46]، فالذين راموا مخالفة الطبع الإنساني بانتحال الرهبانية وتحريم ما أحل الله ولو بدافع المبالغة في التعبد والتبتل لم يستطيعوا رعايتها، وقد وقع بعضهم فيما هو أبشع وأشنع من الزنى واللواط والتلذذ بالمردان، والعياذ بالله، و أما الحضارات المادية الملحدة القديمة منها والحديثة فكلها أو جلها تربي على الشذوذ والإباحية، قال تعالى { وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (28) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}[47]، وقال تعالى { وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ }[48]، وقال تعالى { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}[49]، وفي الحضارة الغربية – القديمة والمعاصرة – من صور التفسخ والانحلال ما لا يخطر على بال، حيث تفننوا في ممارسة الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وعملوا على نشر الرذائل وإشاعتها في جميع وسائل الإعلام، لطمس ما تبقت في الناس من القيم والفضائل .
[1]سورة النساء ، الآية 1
[2]سورة الليل ، الآية 3
[3]مفاتيح الغيب ، تأليف أبو عبد الله محمد بن عمر ، 31 / 182 ، الناشر دار إحياء التراث العربي –بيروت 1420 هـ
[4]سورة آل عمران ، الآية 36
[5]جامع البيان ، 6/334
[6]مسند أحمد ، 4/ 123 ، وصححه الشيخ شعيب وآخرون .
[7]منهج التربية الإسلامية ، 1/ 107
[8]معرفة السنن والآثار ، تأليف أحمد بن الحسين البيهقي ، 12 / 297 ، الناشر دار الوعي –دمشق 1412 هـ
[9]شعب الإيمان ، للبيهقي ، 7/ 284
[10]سورة النجم ، الآية 45
[11]سورة القيامة ، الآية 39
[12] هو محمد بن محمد بن محمود أبو منصور الماتريدي من كبار العلماء ، له كتاب التوحيد وكتاب المقالات وكتاب رد أهل الأدلة للكعبي وكتاب بيان أوهام المعتزلة مات سنة ثلاث وثلاثين وثلاث مائة ، انظر : الجواهر المضية في طبقات الحنفية ، لعبد القادر بن محمد القرشي ، 2/ 130 ، الناشر مير محمد كتب خانه –كراتشي .
[13]تفسير الماتريدي ، 9/435
[14]سورة البقرة ، الآية 223
[15]جامع البيان ، 4/ 397
[16]الكشاف للزمخشري ، 1/266
[17]سورة الأعراف ، الآيتان 189 ، 190
[18] تيسير الكريم الرحمن ، ص 311
[19]سورة النساء ، الآية 1
[20] تفسير القرآن العظيم ، 2/181
[21] سورة النحل الآية 72
[22] السنن البيهقي ، 7/131 ، برقم ( 13475 ) ، والحديث صححه الألباني في آداب الزفاف ، ص 132 ، الناشر دار السلام -1423 هـ
[23] فيض القدير ، 3/242
[24]سورة الروم الآية 21
[25]هكذا في الأصل ، ولعلها من الأنس .
[26] النكت والعيون ، للماوردي ، 4/305
[27]سورة البقرة ، الآيتان 222 ، 223
[28]تيسير الكريم المنان ، ص 100
[29]انظر : تفسير المنار ، 2/284
[30]سورة المؤمنون ، الآيات 5، 6 ، 7
[31]جامع البيان ، 19/10
[32]سورة النور ، الآية 31
[33]النكت والعيون ، 4/90
[34]سورة النور ، الآيتان 30 ، 31
[35]زهرة التفاسير ، 10 / 5180
[36]سورة الأحزاب ، الآيتان 33 ، 34
[37]جامع البيان ، 20 / 259
[38]سورة الأحزاب ، الآية 59
[39]تفسير القرآن العظيم ، 6/481
[40] السنن الكبرى للبيهقي ، 7/138
[41] سورة البقرة ، الآية223
[42] تيسير الرحمن ، ص 100
[43] صحيح مسلم ، 2 / 1058
[44] شرح صحيح مسلم ، للنووي ، 10 / 5
[45] السنن الكبرى للبيهقي ، 7 /313 ، برقم ( 14095 )
[46]سورة الحديد الآية 27
[47]سورة العنكبوت ، الآيتان 28 ، 29
[48]سورة محمد ، الآية 12
[49]سورة المؤمنون ، الآيات 5 ، 6 ، 7