أهمية العلم بمقاصد الدعوة الإسلامية
الحلقة (4):
أولاً- موافقة مراد الله في الدعوة إلى الله وهداية الناس:
من خصائص الدعوة الإسلامية ومميزاتها الكبرى، أنها دعوة ربانية في مقاصدها ومناهجها، أي أنها تنطلق من شرع الله تعالى وهديه، ولا تنطلق من الأهواء والظنون، ولا من العصبيات الحزبية، أو النعرات الجاهلية .
فالدعوة في الإسلام تكون إلى الله تعالى وإلى سبيله ، وإلى داره دار السلام ، قال تعالى: { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[1]، وقال تعالى: { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}[2]، وقال تعالى: { وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ}[3] ، وقال تعالى: { وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } [4]قال تعالى: { وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }[5] ، وقال تعالى: { مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }[6].
وتكون الدعوة الحقة إلى الإسلام وفق المنهج الرباني الذي أمر الله تعالى باتباعه ولزومه، وأصول هذا المنهج هي (البصيرة) و (الحكمة) و (الموعظة الحسنة) و (الجدال بالتي هي أحسن)، كما وردت في الآيات السابقة من القرآن الكريم .
ولا تتصف الدعوة بالربانية إلا إذا كانت مبنية على هذه الأصول المنهجية ، وكل من دعا إلى غير الله تعالى ، أو إلى غير دينه ، أو دعا بغير هديه وإذنه ، فدعوته ليست إسلامية محضة ، قال تعالى حكاية عن مؤمن آل فرعون: { وَ يَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ}[7] ، وشتان ما بين الدعوتين، دعوة التوحيد المؤدية إلى الهداية والفلاح ، ودعوة الشرك المفضية إلى الشقاوة والهلاك
وقال صلى الله عليه وسلم ((ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة، فقتل، فقتلة جاهلية))[8] ، لأن الدعوة إلى العصبية والقتال من أجلها من أمور الجاهلية، وجميع مناهج الجاهلية ومسالكها مذمومة، فكما لا عدل في حكم الجاهلية، ولا بصيرة في نخوة الجاهلة، ولا عفة في تبرج الجاهلية، فكذلك لا خير ولا هداية في دعوى الجاهلية .
وجميع مقاصد الدعوة الإسلامية تصطبغ بهذه الصبغة الربانية، وتدور في فلكها ولا تخرج عنها بحال من الأحوال، ومن عرف ذلك من الدعاة والمصلحين ووفق للعمل بمقتضاه كانت دعوته إلى الله تعالى، ووافق مراده عز وجل في بعثة الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، وأصاب حكمته في إيجاب شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن جهل ذلك أو أعرض عنه كانت دعوته إلى هواه أو إلى أهواء غيره من العامة أو الخاصة، وخالف مراد الله تعالى، وانحرف عن منهجه وشرعه، والعياذ بالله.
ثانياً- تيسير الاقتداء بهدي الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام:
الأنبياء والمرسلون عليهم الصلاة والسلام هم القدوات العظام والمعلمون الكبار للدعاة والمصلحين في كل أمة وجيل ، وقد أمر الله تعالى بالاقتداء بهديهم في الإيمان والطاعة ، واتباع منهجهم في الدعوة إلى الله وإقامة دينه ، قال تعالى{ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ }[9]، قال الطبري رحمه الله تعالى { فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ }: (( يقول تعالى ذكره: فبالعمل الذي عملوا، والمنهاج الذي سلكوا، وبالهدى الذي هديناهم، والتوفيق الذي وفقناهم، اقتده يا محمد: أي فاعمل وخذ به واسلكه، فإنه عمل لله فيه رضا، ومنهاج من سلكه اهتدى)) [10] .
وقال تعالى { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ }[11]، قال ابن كثير رحمه الله (( يقول الله تعالى لعبد ورسوله إلى الثقلين: الإنس والجن، آمرا له أن يخبر الناس: أن هذه سبيله، أي طريقه ومسلكه وسنته، وهي الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يدعو إلى الله بها على بصيرة من ذلك، ويقين وبرهان، هو وكل من اتبعه، يدعو إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم على بصيرة ويقين وبرهان شرعي وعقلي)) [12].
ولا يتأتى الاقتداء بهدي الأنبياء والمرسلين السابقين عليهم الصلاة والسلام ، ولا اتباع منهجهم في الدعوة إلى الله تعالى إلا بعد معرفة هديهم وطريقهم وسبيلهم ، والإلمام بمقاصد دعوتهم وغايات بعثتهم.
ثالثاً- مقاصد الدعوة بوصلة الدعاة والمصلحين:
إن مقاصد الدعوة هي بوصلة الدعاة والمصلحين الضابطة لتوجهاتهم وحركاتهم ، فمن حفظها منهم ووعاها كان على الجادة والمنهاج القويم ، ومن جهلها أو أعرض عنها سلك سبل الضلالة واتبع طرائق الغواية، يقول الدكتور أحمد الريسوني ((إذا كان الدعاة والمصلحون الإسلاميون اليوم يسعون إلى تجديد تدين المسلمين، وإخراجهم من التدين الجاهل الخامل ، إلى التدين الواعي الفاعل، فإن المنهج المقاصدي في التعليم والإفهام والتربية والتعبئة ، كفيلة بخدمة هذه الأهداف وإغنائها وتسديدها)) [13].
وذلك لأن الدعوة والإصلاح يجب أن يكونا على فقه وبصيرة ، قال تعالى: { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ }[14] ولا شك أن العلم بمقاصد الدعوة وغاياتها مما يساعد الدعاة والمصلحين على التبصر في وضع المناهج و الطرائق الدعوية والإصلاحية ، و تشخيص أحوال المدعوين بمختلف أصنافهم وطبقاتهم وبيئاتهم ، وكذلك ترتيب الأولويات الدعوية والإصلاحية إذا تعارضت أو تزاحمت فيما بينها ، كما أنه يهدي الدعاة والمصلحين لأنجع الأساليب وأفضل والوسائل التي يتوصلون من خلالها لتحقيق غاياتهم وأهدافهم الدعوية والإصلاحية ، قال تعالى { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }[15] ، والدعوة بالحكمة تقتضي مخاطبة المدعوين بما يناسب أحوالهم ، وفيما تدركه عقولهم ، والموعظة تكون حسنة أو تزداد حسنا حين تشتمل على الترغيب في مصالح ومنافع الاستجابة للحق في الدنيا والآخرة، وعلى الترهيب من مفاسد ومضار الإعراض عن الحق والنكوص عنه في العاجل والآجل ، كما أن الجدال بالتي هي أحسن لا يتحقق إلا حين يتذكر المجادل أن ليس عليه إلا البلاغ المبين ، وأن الهداية بيد الله تعالى ، وملاك ذلك كله هو الاسترشاد بعلم مقاصد الدعوة .
يتبع ….