مقدمة:
الوقف الإسلامي صدقة جارية ومصدر قوة المجتمع، ومدخل لمشاركة المسلم في الشأن العام من خلال تدبير أمور المعاش بما يصلحها في الدنيا، وبما يؤدي إلى الفلاح في الآخرة ، كما أنه مصدر عافية للمجتمع، فما الدور الذي قام به الوقف في التنمية ومحاربة الفقر؟ وكيف تم اعتماد الوقف الإسلامي رسميا في السنغال؟ وكيف يمكن تفعيله؟ وهل يمكن استثماره؟ الوقف ودوره في محاربة الفقر موضوع حوارنا اليوم مع الدكتور أحمد الأمين آج، خبير في شؤون الأوقاف ومسئول الوحدة القانونية المكلف بالشراكات في الهيئة العليا للوقف بالسنغال.
١ – ما هو الوقف الإسلامي؟
إن أبسط تعريف للوقف هو تعريف الحنابلة له وهو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة، وهذا التعريف شامل للفكرة الأساسية للوقف باعتباره تأبيد لأصل عقاري أو منقول واستغلال منافعه ابتغاء وجه الله، وهو من الأدوات الإسلامية الأصيلة لتعزيز التضامن وتحقيق التنمية المستدامة والرفاهية للمجتمع، وتقوم فكرته الاقتصادية على أساس تحبيس أصل ثابت واستثماره وصرف عوائده للجهات المعنية أو المحتاجة. وقد لعب هذه الآلية دورا أساسيا على مر الزمان حيث ساهم في توفير الخدمات العامة من إنشاء مؤسسات تربوية ومراكز صحية وتطوير البنى التحتية من إنشاء المستشفيات وتعبيد الطرق وإنارتها. كما شهد الوقف تطورا في العصر الحديث وخاصة في العالم الغربي، حيث تقوم أغلب الجامعات العريقة على أساس الوقف وتملك أصولا وقفية تقدر بملايين الدولارات، الأمر الذي يدفعنا إلى القول بضرورة دراسة تلك النماذج واستنساخ الصالح منها لدعم قطاعات حية وخاصة القطاع التعليمي والجامعي التي تلقي بظلالها على الحكومات في بلادنا.
وتجدر الإشارة إلى أن الوقف أداة إسلامية تضع جميع الأفراد أمام مسؤوليتهم المجتمعية في تعزيز التنمية المستدامة وتحقيق الرفاهية.
٢ – في ٢٠١٥ صادق البرلمان السنغالي مشروع قانون تبني الوقف المقترح من قبل رئيس الجمهورية، تلاه مرسوم رئاسي بإنشاء هيئة عليا للوقف، كيف تشرح لنا بدايات الأعمال الوقفية في السنغال؟
هناك عدة عوامل أدت إلى تأسيس الهيئة العليا للوقف منها:
- رغبة الحكومة السنغالية في تطوير قطاع التمويل الإسلامي وخصوصا قطاع التمويل الاجتماعي الإسلامي عبر تطوير مؤسسات التمويل الإسلامي الأصغر والأوقاف.
- مساعي الحكومة في وضع سياسات لتقليص الفوارق الاجتماعية، وإعادة توزيع الثروات، وتسهيل الولوج للخدمات الاجتماعية الأساسية، وضمان الحماية الاجتماعية للفئات المستضعفة.
- الحاجة إلى وضع آليات اقتصادية لاستدامة المصادر التمويلية لتنفيذ المشاريع والخدمات الاجتماعية.
- توقيع اتفاقية مع البنك الإسلامية للتنمية لإنشاء مشاريع وقفية في السنغال لتطوير المدارس القرآنية وتحسين أدائها.
وفي ظل هذه المعطيات مع غياب إطار قانوني ينظم قطاع الوقف ويحمي الأصول الوقفية كان من الضروري وضع الأسس القانونية والإدارية من أجل تطوير القطاع الوقفي، وانطلاقا من ذلك كله اتخذت الحكومة السنغالية مساعي جادة في هذا الاتجاه تتمثل في:
أولا: إنشاء إطار قانوني متكامل يتكون من قانون منظم للوقف في السنغال تم التصويت عليه في العام 2015م وصدور اللائحة التنفيذية المتعلقة بتنظيم وتسيير وتنظيم الهيئة العليا للوقف عام 2016م، وكذلك صدور مرسوم آخر يتعلق بشروط اعتبار النفع العام للأوقاف الخيرية التي تنشئها الأفراد، بالإضافة إلى الأحكام الضرائبية المتصلة بالأوقاف العامة.
ثانيا: إنشاء الهيئة العليا للوقف وتعيين المجلس الإداري (الإشرافي) والمدير التنفيذي وإطلاق أعمالها في أواخر عام 2017م. وتتمثل مهماتها الأساسية في تطوير الأوقاف العامة، لدعم المشاريع المجتمعية، والإشراف على الأوقاف الخاصة وتنظيم كل ما يتصل بالوقف في السنغال.
٣ – ما تقييمك لعمل الهيئة منذ أربع سنوات من تأسيسها إلى يومنا، وما هي أهم إنجازاتها؟
يمكن أن نقول بأن إدارة الهيئة دخلت حيز التنفيذ عمليا في العام 2018م مما يعني أنها إدارة فتية لم تتجاوز عمرها سنتين، وتسعى خطوات جادة لتحقيق مهماتها الأساسية والتي تتمثل في تطوير الأوقاف العامة والإشراف على الأوقاف الخاصة وحمايتها، وفي هذا الإطار يمكن ذكر جملة من الإنجازات منها على سبيل المثال:
- إجراء دراسات لحصر الأوقاف القائمة أو المشابهة في بساط السنغال. وقد تم حصر ما يقارب 400 أصل وقفي – عقاري ومنقول- أغلبه في مجال التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية.
- في مجال التوعية والتعبئة تم تنظيم مجموعة من ورشات العمل والدورات مع العاملين في القطاعات الحية التي تمس الأوقاف ومن بينهم موظفي وزارة المالية، والعاملون في مجال العدالة كالقضاة، والموثقين، والعاملين في قطاع التأمين والبنوك، ورؤساء البلديات خاصة وأن هؤلاء هم من يملكون الأراضي التي نحتاج إليها لتطوير مشاريع مختلفة.
- تصميم برامج وقفية تتمثل في إطلاق صندوق وقفي مخصصة لخمس مصارف هي الطفولة المهمشة، والتعليم والصحة وتمكين المرأة والشباب وتوفير المياه. هذا بالإضافة إلى مشاريع وقفية عقارية أبرزها وقف المدارس القرآنية العصرية
- كما تم مؤخرا فتح قنوات شراكة مع بعض السلطات المحلية من أجل الحصول على أراضي في سبيل أوقاف عقارية.
فهذه كلها خطوات جبارة تعطي مؤشرات واضحة على أن الهيئة تسعى في الاتجاه الصحيح ونسأل الله أن يحقق لنا الآمال.
٤ – لقد رأينا في الآونة الأخيرة اهتماما كبيرا من الحكومة السنغالية بالأوقاف و التمويل الإسلامي، كيف تفسر لنا ذلك ؟
اسمحوا أن أؤكد لكم معلومة وهي أن دولتنا السنغال هي أولى دولة في جنوب الصحراء في تنظيم القطاع الوقفي وتأسيسه رسميا من خلال الأدوات التي أشرنا إليها أعلاه، وهذا الاهتمام يمكن البحث عنه في سياق تفعيل خطة السنغال الناهضة PSE والتي تجسد رؤية فخامة الرئيس ماكي سال في مشروعه المجتمعي والذي تتمحور حول تنمية مندمج في إطار مجتمع متكافل. وهذا الذي يفسر ما قام به الحكومة في وضع حزمة من البرامج الاقتصادية لتقليص الفوارق الاجتماعية ودعم الشرائح المستضعفة وإعادة توزيع الثروات ومنها على سبيل المثال: برنامج التأمين الصحي العالمي CMU، والمعاشات الأسرية Bourses familiales، وبطاقة تكافؤ الفرص Carte d’égalité des chances، هذا بالإضافة إلى تعزيز التمكين الاقتصادي للنساء والشباب عبر مفوضية ريادة الأعمال السريعة للشباب والنساء(DER). ومن هذا المنطلق يمكننا فهم مبررات الحكومة لتأسيس الوقف بحكم كونه آلية فعالة ومبتكرة لتحقيق الاستقلال الاقتصادي والقدرة التمويلية للمشاريع الاجتماعية واستدامتها بفضل الاستثمارات وتوالد الأصول الوقفية.
٥ – لماذا تأخر تنفيذ تعليمات البنك المركزي للبنوك الإسلامية بجعل كل معاملاتها شرعية، و أين تكمن المشكلة ؟
لا أستطيع الجزم بتأخر تنفيذ تعليمات البنك المركزي فيما يخص المؤسسات المالية التي تمارس أنشطة التمويل الإسلامية، وللتذكير فقد صدرت هذه التعليمات تحديدا في مارس 2018م ودخلت حيز التنفيذ منذ أبريل 2019م، وهي معمولة بها لدى المؤسسات التي تزاول أنشطة إسلامية تحاول الالتزام بالتعليمات ولديها لجان التزام شرعية.
ولكن نلاحظ بطؤا في تطور المؤسسات المالية الإسلامية على وجه العموم، حيث أن هناك عددا مهما من طلبات الرخصة العالقة على مستوى إدارة تنظيم وإشراف المؤسسات المالية اللامركزية DRS ولا نكاد نجد لذلك تفسيرا ملموسا.
كما أن هناك مشروعا قائما يتمثل في تعيين هيئة رقابة شرعية على مستوى البنك المركزي تكون مهمتها الإشراف على هيئات الرقابة الداخلية، والتحكيم الشرعي عند النزاع في مدى الالتزام الشرعي لعملية من العمليات المصرفية، ونلاحظ تأخرا في تعيينها بالرغم ما لها من أهمية، إذ أن أساس المالية الإسلامية هو الالتزام الشرعي، ومتى وجد ثغرة تنظيمية داخل المنظومة فإن النظام كله قد يتأثر، ولذا صار من الضروري على البنك المركزي مواصلة هذه المبادرة بما يخدم تطور المالية الإسلامية في منطقة UEMOA .
٦- لاحظنا أن الهيئة بدأت تنفتح أمام المؤسسات الوقفية الدولية، وقد قامت بزيارة عدة في الدول الإسلامية كقطر، والكويت، وتركيا لتبادل الخبرات في الأعمال الوقفية، وقد كنت رئيسا لوفد الهيئة في مؤتمر الوقف الأخير بكوالالمبور، ماذا نتج عن هذا المؤتمر؟ وهل هناك نقاط مذكرة تفاهم بين الهيئة والمؤسسة التركية؟
من السياسات الاستراتيجية للهيئة العليا للوقف التواصل مع المؤسسات الوقفية في العالم من أجل الاطلاع على التجارب الوقفية المختلفة والخبرات المتراكمة، وتعزيز التعاون البيني بين المؤسسات الوقفية ورفع كفاءات العاملين في القطاع الوقفي في السنغال بالإضافة إلى البحث عن شراكات لتأسيس وتطوير أوقاف عامة، علما بأن القطاع الوقفي بحاجة إلى تمويلات ضخمة لإنشاء مشاريع وقفية بحجم التحديات القائمة، وهذه الرؤية الإستراتيجية هي التي وراء زيارتنا لتركيا مؤخرا بحكم كونها دولة تحمل رصيدا من الثقافة الوقفية والخبرات المتراكمة عابرة للقرون، وقد كانت فرصة للاطلاع على الجوانب التنظيمية، والقانونية، والإعلامية بالإضافة إلى تجاربها في مجال الاستثمارات الوقفية. علما بأنه لم يتم توقيع مذكرة تفاهم مع السلطات الحكومية لحد الآن لكن هناك مساعي جادة نحو هذا الاتجاه. كما أن الزيارات الاستطلاعية وتبادل التجارب تمت مع أكثر من دولة بما فيها الكويت، والإمارات، وقطر.
فيما يخص الشق الثاني من السؤال، نعم لقد شاركت الهيئة في مؤتمر الوقف الدولي السابع في كوالالمبور والذي كان تحت شعار “التطوير، الإدارة والابتكار في الوقف لجيل الألفية” وقد ركز المؤتمر على التعريف من جديد بمفهوم الوقف في الاقتصاد الإسلامي، وأهمية دوره كواحد من أبرز وجوه التكافل والتطوير الاجتماعي في المجتمعات الإسلامية، كل ذلك مع الانفتاح على الميزات والفرص الكبيرة التي تتيحها التكنولوجيا في هذا المجال لتعزيز الشفافية والثقة لدى الجيل الجديد في التعامل مع الوقف والانفتاح عليه كأحد المفاهيم البارزة في المجتمع الإسلامي.
٧ – في ظل هذه الظروف الراهنة التي تمر بها الدولة لمواجهة فيروس كورونا ( كوفيد-١٩) و بعض الأصوات الداعية لتعجيل الزكاة، فهل هناك مساع أو خطوات عملية للهيئة لتعبئة الرأي العام السنغالي حول ضرورة تعجيل الزكاة لمواجهة كورونا ؟
ثمت جهود منسقة في هذا الإطار من قبل كلية العلوم الاقتصادية بإيعاز من الحكومة للبحث عن الأجوبة الاقتصادية لمواجهة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لهذا الوباء، وفي هذا الإطار أنشئت لجنة علمية تضم مجموعة من الخبراء بما فيها الهيئة لصياغة خطة متكاملة، وقد حرصنا -فيما يخصنا- في هذه الخطة على إبراز دور الأوقاف وخاصة الأوقاف المؤقتة في مواجهة الحاجات الآنية، بالإضافة إلى تعزيز القطاع الوقفي لامتصاص الصدمات الاقتصادية على المستوى البعيد. كما تمت الإشارة إلى ضرورة الاهتمام بالزكاة والنظر في إمكانية إيجاد منصة لجمع الزكاة وإعادة توزيعها للمستحقين من الأسر الضعيفة، مع التوصية إلى ضرورة تأسيس الزكاة ووضع إطار رسمي له في السنغال.
وأنتهز الفرصة لدعوة الباحثين إلى استعمال أدوات الاجتهاد والنظر في تراث الفقه الواسع بدل الجمود على رأي واحد يقول بعدم جواز تعجيل الزكاة بحجة أنها مذهب المالكية السائد في بلدنا، والواقع أن جمهور العلماء على القول بجواز ذلك لكونه الأوفق بالمقاصد الشرعية والأصول المرعية والأصلح للمجتمع في هذه الظروف الاستثنائية.
٨- كلمتك الأخيرة؟
أشكر القائمين على هذا الموقع على إتاحة الفرصة لي للتواصل مع الجمهور الكريم، كما أشيد بالجهود الجبارة التي يقوم به الموقع في مجال التوعية والإعلام الهادف، وأنتهز الفرصة لدعوة مجموعة وسطيون إلى لعب دورها كمنصة تنشد قيم الوسطية مع السعي لتعزيز حضورها وإيصال صوتها للجمهور السنغالي في سياق تتعالي فيه أصوات صاخبة داعية إما إلى التسيب والتفسخ وإما إلى الجمود والتطرف. كما أدعو القائمين على هذه المجموعة المباركة على إنشاء مبادرات علمية لإثراء النقاش العام والمساهمة الفعالة في توجيه البوصلة في ظل التحولات العميقة والمتشعبة التي تعصف بالمجتمع السنغالي الفتي.
أجرى الحوار/ الصحفي محمد منصور انجاي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أريد مراسلة الإخوة الأفاضل في هذه المنصة لتبادل المعلومات