مدارس « غولن » في السنغال بين الإغلاق والسماح.. أين المصلحة؟

(*) محمد بشير جوب

لم تقتصر تأثيرات المحاولة الانقلابية على المشهد السياسي الداخلي لتركيا فحسب، بل أثرت أيضا في سياسة تركيا الخارجية؛ وذلك نظرا لأن السياسة الخارجية لأي دولة، تعد في إحدى أبعادها انعكاسا للمشهد السياسي الداخلي للدولة وأحد عناصر قوتها، ومع أن الحزب الحاكم نجح في إفشال الانقلاب العسكري، واستعادة مؤسسات الدولة التركية، ظهرت التوابع السياسية لتؤثر على علاقات تركيا مع مختلف الأطراف، خاصة بعد صدور المواقف الرسمية التركية التي تتهم فيها الرجل الديني فتح الله كولن وجماعته بالوقوف وراء هذه المحاولة الفاشلة.

وبما أن هذا الأخير المقيم في أمريكا منذ 1999م  يتمتع بنفوذ  داخل تركيا وخارجها، فلم تقتصر الإجراءات التي اتخذتها الحكومة التركية ضده في الداخل التركي فحسب، وإنما شملت أيضا استهدافا لنفوذه الخارجي، والمتمثل بالمدارس والمراكز والمؤسسسات المتعددة التي توجد في كثير من دول العالم، فقامت الحكومة التركية بتصعيد حملتها الدبلوماسية لملاحقة مدارس الكيان الموازي خارج تركيا.

مدارس يافوز سليم في السنغال

تدير جماعة «فتح الله كولن» شبكة عالمية من المدارس منها 140 في الولايات المتحدة، وأكثر من 10 في ألمانيا و29 في كازاخستان، و13 في تركمانستان، و12 في أذربيجان، و12 في قرغيزستان، بالإضافة إلى مدارس عدة في عشرات الدول حول العالم في أوربا وإفريقيا وآسيا، وفي السنغال تدير جماعة غولن 15 مؤسسة تعليمية في خمس مناطق مختلفة، تقدم خدمة التعليم لأكثر من 2600 طالب  من مستويات مختلفة، وتعرِّف هذه الشبكة التعليمية نفسها بأنها: “شبكة تعليمية توفر برامج تعليمية ثنائية اللغة، تسعى إلى تزويد الطلاب بتعليم أكاديمي متطور يركّز على إتقان اللغة الفرنسية والإنجليزية وتدريسهم تجربة الحياة وثقافة القيادة والعمل الجماعي”.{

أنشئت هذه المدارس عام 1997م، وفور إنشائها حصلت على الاعتراف من الحكومة السنغالية، ممثلة من وزارتي الداخلية والتربية، وانطلقت أنشطتها التربوية بدعم وغطاء مؤسسسة (BAŞKENT EĞITIM) – الرابطة الدولية للتنمية والتضامن بين الشعوب (AIDSP) {5} سرعان ما انتشرت مع بداية نشاطها الأكاديمي، وفتحت فروعا لها في بقية الولايات السنغالية، ولعل من الجدير هنا الإشارة إلى أن من جملة الأهداف التي تروج لها هذه الشبكة، ويقتضي الوقوف والتأمل فيها، تبنيها التسامح وقبول الآخر وإلى أبعد من ذلك قبول خيار التعددية اللغوية لتشكيل مواطنين عالميين.

استطاعت هذه المدارس أن تغري السلطات السنغالية بسهولة، وذلك من خلال التكيف والانسجام السريع مع المناهج التربوية الوطنية السنغالية، وبدأت تنافس المدارس الحكومية والخاصة، وتتفوق عليهم أحيانا في التصنيفات السنوية للمدارس، بل شاركت وفازت في العديد من المسابقات الإقليمية على مستوى إفريقيا  أضف إلى ذلك أنها تجمع بين اللغتين الفرنسية والانجليزية مع الكفاءة والتجربة للمعلمين السنغاليين والأتراك{7} أدى كل هذا إلى إقبال أولياء الأمور إليها لتسجيل أبنائهم فيها، بصرف النظر عن تكاليف الرسوم الضخمة التي تصرف فيها.

طلب تركي من السنغال بإغلاق مدارس “غولن”

سعيا لتطويق غولن وجماعته، صعّدت تركيا حملتها الدبلوماسية لإغلاق مؤسسات غولن  ووجدت استجابة من بعض الدول مثل الأردن التي أغلقت مدرسة للحركة، وأذربيجان والسودان٬ وليبيا والصومال وغامبيا، وأعلنت باكستان أنها ستدرس وضع 24 مؤسسة تعليمية تابعة لغولن؛ كما وعدت كازاخستان بالنظر في الأمر خلال زيارة رئيسها لتركيا؛  بينما وعدت نيجيريا بدراسة أمر إغلاق هذه المدارس التي تعمل بها منذ أكثر من 20 عاما  وجاء الطلب التركي الرسمي للسنغال بإغلاق مدارس غولن بواسطة المجلس الحكومي التركي للعلاقات الاقتصادية بين تركيا والسنغال حيث أرسل هذا المجلس وفدا طارئا إلى السنغال في 24 أغسطس الماضي لهذا الغرض، وهذا عكس ما صرح به المتحدث باسم مدارس يافوز بعدم وجود طلب رسمي من السنغال لإغلاق هذه المدارس.

وحسب رئيس اللجنة فإن السنغال وعدت باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لإغلاق المدارس وقد عقد مسؤولو التربية الوطنية السنغالية اجتماعا حول هذه القضية في حين كان الوفد التركي لا يزال في داكار.

أين تكمن المصلحة؟

الرد  السنغالي على الطلب التركي لم يكن حاسما؛ وقد يُفهم من ذلك استشعار المسؤولين السنغاليين بالحرج حيال الطلب، وصعوبة التوفيق بين أمر السماح والإغلاق لتحقيق الرضا بين الدولتين، ومما يعين المسؤولين السنغاليين على اتخاذ القرار الصحيح – في نظري- محاولة إدراك جميع أبعاد القضية، أو على الأقل الوقوف مع المسألة بجدية ومسؤولية، مع مراعات التداعيات المستقبلية المحتملة لهذه القضية.

وحين ندقق في طبيعة جماعة غولن من خلال قراءة فاحصة لمبادئها وتجربتها؛ ندرك أن من أخطر الخاصيات التي تختص بها هذه المنظمة، أنها تسعى إلى فرض  مشروعية موازية لمؤسسات الدولة، من خلال تبني فكرة النفوذ والتغلغل في أجهزة الدولة المختلفة بهدف التأثير على القرار السياسي.

كما أن من أهدافها التأسيس لمجال ديني وسياسي خارج تركيا لخدمة الحركة مستقبلا؛ إذا ما تجاوزت مرحلة “التمكين” وسيطرت على مفاصل الدولة التركية، وهذا المجال بدأته في الدول التي يوجد فيها مسلمون من أصول تركية حتى وصلت إلى إفريقيا؛ ولذا من المصطلحات الفضفاضة التي تروج لها مدارس يافوز سليم في السنغال، السعي إلى بناء مواطن عالمي، الأمر الذي يجب على المسؤولين التنبه إليه.

ولعل هذا الغموض الذي الذي يكتنف هذه المدارس في توجهاتها وأهدافها الحقيقية، أدى إلى رفض بعض الدول مثل السعودية إعطائها الترخيص  بينما بعض الدول مثل الجزائر قررت إغلاقها منذ 2006م  ورفضت إعطاء الترخيص لها مجددا رغم محاولات الحصول عليها.

وبناء على ماسبق فالحكمة تقتضي على المسؤولين السنغاليين الاستفادة من تجارب الآخرين، وعدم التردد في رفع أي سلطة مباشرة أو غير مباشرة لهذه الجماعة على هذه المدارس، وذلك تحت أي صيغة مناسبة يتوافق عليها الطرفان ويسمح بها القانون، وتضمن مستقبل أبنائنا، وتحافظ على سمعة السنغال الخارجية، وأيضا على العلاقة بين البلدين التي شهدت تطورا ملموسا في الآونة الأخيرة.

Laisser un commentaire

Votre adresse email ne sera pas publiée.

Ce site utilise Akismet pour réduire les indésirables. En savoir plus sur comment les données de vos commentaires sont utilisées.