فى ذكرى انقلاب السيسي على حكم الإخوان بمصر

(*) عبد القادر انجاي.

03 يوليو يعود إلينا و يذكرنا بيوم حزين؛ لما دفن عبد الفتاح السيسي فى التراب عبر انقلاب دموي نفذه بدعم ملوك الخليج و صهاينة إسرائيل و أمريكا و حزب النور و بعض الليبراليين فى داخل مصر أحلام أمة فى الحرية و النهضة، و سقى أرض مصر بدماء الأبرياء الأطهار تدفقت أنهارا فى ميدان رابعة و شوارع مصر كلها، و أودع خيرة أبنائها فى سجون الظلم الرهيبة ثم انتصب فرعونا جديدا يحكم مصر بالحديد و النار و يتأله على شعبه.

كان يوما حاسما فى معركة الصراع بين مشروع التحرر و التحرير الإسلامي الذى تلقى ضربة قاضية جراء الانقلاب الذى وقع و بين المشروع الاستعماري الصهيو أمريكي الذى فهم أن القضاء على المشروع الإسلامي فى مصر يعنى كسب أهم جولة فى الصراع معه. فمن مصر اندلعت الصحوة الإسلامية و شفت طريقها إلى العالم كله و منها تنفجر ينابيع العلم الشرعي و الفقه الحركي إلى الدنيا كلها و هناك ترتكز قلعة الأزهر العلمية ذى الذكر الطيب و المكانة العالية و الدور البارز فى حفظ التراث الديني و نشره على مدار التاريخ.
و قد مهد الإنقلاب لمرحلة جديدة ملؤها الآلام و المحن و التضحيات و الأخطاء الجسيمة كذالك فى حسابات فن إدارة الصراع. و عادت بنا فيها عقارب الساعة إلى الوراء اعواما مديدة أعوام الاستضعاف فى مرحلة التأسيس أو أبعد فى أواخر الأربعينات و منتصف الستينات.
لقد ذهب الناس مذاهب شتى فى القراءة و التحليل وصولا إلى الإستبشار و الشماتة أو الحزن و التأسف كل حسب الدوافع المبادئية أو المصلحية التى تحركه.و لما سمعت حينها محللا فى الإذاعة الفرنسية الدولية rfi يحاور الدكتور طارق رمضان فى الموضوع و يعيب الإخوان و يشمت بهم بأنهم ليسوا « استراتيجيين » بما يكفى للتنبؤ بالمخاطر التى تحيط بهم و طرق الخلاص منها غالبت نفسى على الإذعان لدعواه و تكلفت تفنيده. و مع مرور الأيام ذهبت السكرة و جاءت الفكرة أو بردت العاطفة و صحا العقل و لم يكن لى من بد فى أن اسائل نفسى ما الذى أدى بنا إلى هذه الحالة المزرية ؟ و هل كنا على جهوزية لحمل المسئوليات التى حملناها ؟
و مع المعلومات التى انهالت أمامنا من ذاكرة الأيام على حد قول الشاعر:
ستبدى لك الأيام ما كنت جاهلا     و يأتيك بالأخبار من لم تزود
أصبح من الواضح لكل ذى عينين أن طامات فكرية و سياسية هي التى ورطتتنا فى هذا التيه المظلم و هتاف بعض المخلصين بالإخوان منذرين بشر مستطير فى الأفق لم يلق صداه آذانا صاغية لدى صناع القرار منهم. و من بين تلك الطامات ما أشرت اليه فى إحدى تغريداتى من استعجال قطف الثمار و طي المراحل و القفز عليها بسرعة فكان السقوط بالسرعة  ذاتها من القمة إلى الحضيض و البداية من نقطة الصفر.
و بعيدا عما قيل و يقال من داخل أروقة الإخوان بشأن قرار مجلس شورى الجماعة المشاركة فى الانتخابات الرئاسية بمرشح من الإخوان و إجراءاته فإن الظرف لم يكن مناسبا بالإطلاق لتصدر المشهد و حمل أعباء إرث ثلاثبن سنة من الفساد و الرشوة و الفقر و الجهل طيلة حكم مبارك لمصر. و قد يصعب علينا لذالك إقناع من يرى أن الثورة المصرية كانت فخا منصوبا للإيقاع بالقوى الإصلاحية الشعبية و فى مقدمتها الإخوان فابتلع الإخوان الطعم الذى ورطهم فى المخاطر رغم مخالفتى لهذا الطرح.
و بعد تقلد الإخوان للرئاسة توجهت الأنظار إلى العسكر متوجسة منهم خيفة و تم بالفعل صدور تحذيرات لهم من جهات عدة قبل أشهر من الانقلاب تكفى لأخذ الحيطة و وضع الخطط المضادة خصوصا و أن بعض تلك التحذيرات بنيت على معلومات استخباراتية رصدتها دول صديقة.. إلا أن العسكر و من وراءهم من ملوك الخليج و الصهاينة و الأمريكان فهموا طبيعة الصراع الصفرية و الوجودية فى جوهره لا يقبل فيها بالتسوية أو أنصاف الحلول و ان أي تساهل مع الخصم أو خطأ فى إدارة هذا الصراع قد يكلفك وجودك و مصيرك لقد فهموا ذالك أكثر من الإخوان و خافوا على مستقبلهم أكثر من خوف الإخوان على مستقبلهم. فقد أبدى الإخوان حسن نية و ثقة زائدة يعسكر السيسى لا ينبغى مثلها فى عالم السياسة و إن كانت فى العموم من أخلاق الدعوة المحمودة. الدعوة التى لم يوفق الإخوان فى تمييزها عن السياسة و إن فعلوه شكلا بعزل الجناح السياسي عن الجناح الدعوي.  فأخلاق الدعوة غير أخلاق السياسة و خطاب الدعوة غير خطاب السياسة و تختلف الأدبيات و المفردات كما تتباين المساحات و الخصائص لكل منهما. و بسبب ذالك استجلب الإخوان عداوة إيران التى لم يكن ليضرهم التصالح معها و لو إلى حين. و بسبب ذالك اثاروا خوف الأمريكان و الصهاينة و حمسوهم على القضاء عليهم بأي ثمن.
استمعت إلى خطبة للرئيس مرسى « فك الله أسره » إبان حرب 2012  على غزة و هو يرعد بعاطفة الداعية و ليس بحنكة السياسي  فى مشهد يشبه خطبة داعية مفوه أو جنرال حرب تملكه الغضب فقلت: من شأن هذه المواقف أن توحد قوى الشر جميعا ضده و هو مكشوف الظهر و لا يسيطر أصلا على مقاليد الأمور فى مصر التى يترأسها فى الشكل.
لم يرض الكثيرون بحالة الانفتاح على الغير و التقد و قبول الشراكة لدى الإخوان و لقد أبعد ذالك عنهم الأصدقاء و ضاعف عليهم الأعداء. و لما راجعهم الرئيس اردوغان بقضية العلمانية أهالوا عليه اكواما من الرفض و الهجوم و ما كان لينجح حكم مصر فى تلك الفترة المضطربة بهذه العقلية.
يسكن قلبى الألم من اضطهاد إخواننا المسلمين و معاناتهم فى سجون الظلم و القهر و تؤرقني الضريبة الباهظة من الشهداء و المصابين و المطاردين التى دفعوها فى سبيل دينهم و وطنهم و لا أملك إلا الدعاء لهم بالفرج القريب. و ما يسلينا هو أملنا الكبير فى أن يعمل الإخوان المراجعات و الإصلاحات التى تؤهلهم لحمل أمانة قيادة مصر إلى بر الأمان و التى ربما ما كانوا ليقومو بها لولا هذه المحنة و نرجو أن يتحقق ذالك و ينفع الله به الأمة الإسلامية جمعاء.

Laisser un commentaire

Votre adresse email ne sera pas publiée.

Ce site utilise Akismet pour réduire les indésirables. En savoir plus sur comment les données de vos commentaires sont utilisées.